السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 69| هل ينجح "مؤتمر ماس الاقتصادي 2016" في إيجاد رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني بمعزل عن ‏قطاع غزة؟

2016-08-30 05:59:39 AM
في العدد 69| هل ينجح
غزة- ارشيفية

 

غزة- محاسن أُصرف وحامد جاد

 

غدًا الأربعاء الحادي والثلاثين من أغسطس سيُعقد "مؤتمر ماس الاقتصادي 2016"، التحضيرات سارت على قدم وساق، والرؤى وُضعت على طاولة البحث، ويُنتظر الخروج بتوصيات تُحقق العنوان العريض الذي اُختير لهذا العام "نحو رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني" فهل سيحدث ذلك في ظل الظروف التي يُعقد فيها المؤتمر؟

 

نبيل قسيس مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" المُنظم للمؤتمر والقائم عليه قال في تصريحات إعلامية سابقة :"إن المؤتمر سيُعقد برعاية رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله"، وأكد على  وجود مشاركة واسعة من مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة والمؤسسات الحكومية وممثلين عن القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية والأكاديمية والخبراء الفلسطينيين من الأرض المحتلة والخارج، بالإضافة إلى ممثلين عن الجهات الدولية المهتمة بالاقتصاد الفلسطيني، دونما إشارة صريحة إلى مشاركة شخصيات اقتصادية من قطاع غزة، وهو ما تأكد لمراسلة "الحدث" التي أرادت استطلاع آراء خبراء الاقتصاد هناك حول المؤتمر وما يُمكن أن يفضي إليه من حلول جذرية لما يعاني منه الاقتصاد الفلسطيني برمته والاقتصاد الغزي على وجه التحديد، فلا أحد ممن عُرضت عليهم فكرة المؤتمر وعنوانه وموعده أثناء إجرائها المقابلات، كان على علمٍ بالمؤتمر الاقتصادي سوى د. معين رجب الخبير في الشأن الاقتصادي والأكاديمي في كلية الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة.

 

وبحسب من التقت بهم "الحدث" من خبراء ومسئولين اقتصاديين في قطاع غزة، فإن المؤتمر استثنى إلى حدٍّ كبير دعوة القطاعات الاقتصادية في قطاع غزة لأسباب أشاروا أنها لا تعدو حالة الانفكاك والانقسام بين جناحي الوطن وعدم التاءمه على مدار عشر سنوات ماضية وحتى الآن، وأكدوا في أحاديث منفصلة:" أنه لا يُمكن تحقيق رؤية النهوض بالاقتصاد الفلسطيني كاملًا بعيدًا عن حل مشكلات غزة وتحقيق الوحدة الاقتصادية وتجنيب الاقتصاد المناكفات والتجاذبات السياسية، وإلّا "لن تتعدى نتائجه رفع الشعارات وصرف الموازنات والتقاء المثقفين الاقتصاديين على طاولة البحث وحسب- وفق قولهم.

 

ضرورة التركيز على الوحدة الاقتصادية

 

لقد أغضب هذا الاستثناء الكثيرين ممن لهم علاقة بالاقتصاد الغزي على المستوى الرسمي والأهلي، فهذا وكيل مساعد وزارة الاقتصاد الوطني بغزة "د. أيمن عابد" قال لـمراسلة "الحدث" :"إن الاستثناء يأتي في إطار التغييب والإقصاء"، وتابع بالقول :"إن المؤتمر خطوة جديدة على طريق إدارة الانقسام الفلسطيني الذي أرادته إسرائيل منذ العام 2008 وتساءل كيف يُمكن أن ينجح المؤتمر في إحداث اختراق على مستوى الحلول والرؤى والسياسات الاقتصادية بمعزل عن غزة؟ وطالب المؤتمر بضرورة التركيز على الوحدة الاقتصادية بين جناحي الوطن والعمل على تنفيذها على أرض الواقع وإشراك اقتصاديي غزة وخبرائها في وضع السياسات التي من شأنها أن تُحقق اللحمة الاقتصادية للنهوض بمستوى التنمية الاقتصادية في كافة القطاعات التي عانت على مدار السنوات العشر الماضية من البطئ.

 

وشدد على ضرورة أن يُخصص المؤتمر مساحة لمناقشة الأوضاع الاقتصادية المتهالكة في غزة والعمل على إيجاد رؤى وحلول ناجعة لها كـ مناقشة النتائج الوخيمة التي تمخضت عن الحصار الظالم من دولة الاحتلال وبعض الجهات الفلسطينية التي أرادت من خلال إدارة الانقسام تحقيق مكاسب شخصية، والعمل على إيجاد آليات من شأنها أن تُخفض نسبة الفقر في قطاع غزة والتي فاقت الـ 65%، ناهيك عن إيجاد سُبل لتوفير فرص عمل لأكثر من 200 ألف خريج هم متعطلين عن العمل بخلاف الفنيين والمهنيين، وكذلك إيجاد آليات تنفيذية واضحة لزيادة دخل الفرد الفلسطيني المنكوب في ظل البطالة المنتشرة وفي ظل ثبات رواتب موظفي السلطة في غزة والضفة دون زيادة منذ عشر سنوات، مقابل ارتفاع الأسعار في ذات الفترة بنسبة 30% في تلك الفترة مما أدى إلى تآكل دخل المواطن بذات النسبة 30%، ولم يغفل "عابد" أن يُذكر المؤتمر والمجتمعين على طاولة التفاكر والتناقش فيه بضرورة إيجاد كيفية لتحقيق التبادل التجاري بين جناحي الوطن، كيفية تهدف إلى تنمية الاقتصاد الوطني وليس تحقيق مكاسب شخصية، كاشفًا أن:"هناك سلع تمنع من التصدير من غزة للضفة  بقرار فلسطيني لغايات وأهداف شخصية".

 

بالتعالي على المشاكل الشخصية

 

وفيما يتعلق بآلية تنفيذ المقترحات التي ساقها "د. عابد" فرأى أنها لا يُمكن أن تتحقق في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، داعيًا جميع القيادات الفلسسطينية بالتعالي على المشاكل الشخصية والمسبات والشتائم لصالح الاهتمام ببناء الشعب وبناء اقتصاد فلسطيني، وقال:"لا يُمكن عمل تنمية فلسطينية حقيقية إلا بوحدة فلسطينية"، وتابع أن  المؤتمر الذي أغقل احتياجات القطاع خلال المناقشات قبل عقد المؤتمر لن يُساهم في تشخيص المشكلات التي يُعاني منها الاقتصاد ولن يصل إلى حلول عملية لها وسيبقى فارغًا من مضمونه، فقط سينعقد وستُصرف الموازنات وسترفع الشعارات بين غزة والضفة وتصرف النثريات وتكون توصياته حبرًا على ورق كغيره من المؤتمرات السابقة- وفق تعبيره.

 

مشاريع ذات بعد إستراتيجي

 

بدوره اعتبر الخبير الاقتصادي"محسن أبو رمضان" أن نهضة الاقتصاد الفلسطيني لا يُمكن أن تتحقق بمنأى عن غزة منتقدًا عدم توجيه القائمين على المؤتمر الدعوة للخبراء والاقتصاديين في القطاع وحصر الدعوة فقط لشخصيات من الضفة الغربية والداخل المحتل وشخصيات دولية، وأضاف "أبو رمضان" الذي تدرج في وظائف عدة في شبكة المنظمات الأهلية في القطاع، أن الموضوع الرئيسي الذي يُمكنه أن يُحقق تنمية هناك، رفع الحصار والسماح بحرية التنقل والحركة للبضائع والأفراد بالإضافة إلى تسريع عملية الإعمار التي تسير ببطئ شديد نتيجة آلية الرقابة، وقال :"بدون ذلك لا يُمكن الحديث عن تنمية برؤية جديدة أو قديمة للاقتصاد الفلسطيني"، وأضاف أن قطاع غزة بحاجة لأن يتحرر من المعتقل الكبير وأن يتواصل مع الضفة الغربية والعالم.

 

وشدد "أبو رمضان" على ضرورة أن يأخذ المؤتمر في حسابه الإيعاز للحكومة التي ترعى المؤتمر وتوجيهها لإنشاء مشاريع ذات بعد إستراتيجي في قطاع غزة، وتسهيل كافة الإجراءات لتنفيذها كـ إنشاء ميناء ومنطقة تجارية وصناعية حرة، بالإضافة إلى التأكيد على إيجاد سبل واضحة وآليات تنفيذية تُسهم في التصدي لمظاهر الفقر والبطالة من خلال دعم المشاريع الريادية والصغيرة، كما أكد على ضرورة أن يضع المؤتمر في أولوياته إيجاد خطة عملية لإعادة التوزيع الديمغرافي قطاع غزة الذي يُعاني من كثافة سكانية كبيرة مقابل محدودية الأرض.

 

وفي ذات السياق نبّه إلى ضرورة العمل على إيجاد إستراتيجيات لتمكين سكان القطاع من الوصول إلى الموارد والفرص التي يسطر عليها الاحتلال سواء الغاز في عمق البحر أو المناطق الأخرى مثل المنطقة الحدودية المحظورة الدخول والتي يُحرم حوالي 18 ألف مزارع من الوصول إليها، وتابع:" يجب مناقشة عمليات التبادل التجاري بين المحافظات الشمالية والجنوبية وإيجاد فرص لتطبيقها" كاشفًا أن توقف عمليات التصدير من غزة خلال السنوات الماضية أضعفت الاقتصاد وساهمت في اعتماد سكانه على البضائع الاستهلاكية التي تأتي من إسرائيل والعالم، بعيدًا عن القيام بعمليات الإنتاج الضرورية نتيجة تعطل القطاعات الاقتصادية وغياب المناخ الذي ينهض بالقطاع الزراعي والصناعي.

 

تحييد عملية التنمية

 

"د. أبو رمضان" بيّن أن تنفيذ ما أسلف بذكره من مقترحات للنهوض بالاقتصاد الغزي الذي سينعكس تلقائيًا على النهوض بالاقتصاد الفلسطيني ككل لا يكون إلا بتحييد عملية الإعمار والتنمية عن المنازعات السياسية، مؤكدًا أن :"الأفضل أن يكون هناك حكومة وحدة وطنية تُشرف على عملية الإعمار" واستدرك بالقول:" لكن إن تعذر يجب أن تتشكل هيئة مستقلة تتكون من كفاءات من القطاع الخاص والجهات الرسمية ومنظمات العمل الأهلي، لتستطيع المساهمة في التخطيط وصياغة الخطط والبرامج وتحديد الأولويات الإشراف الكامل على عملية الإعمار والتنمية بصورة مهنية تعكس الجدية والأولوية بعيدًا عن المنازعات الذاتية والفئوية والصراعات المبنية على الانقسام.

 

وفيما يتعلق بإمكانية نجاح المؤتمر في وضع يده على المشكلات الحقيقية التي يُعاني منها الاقتصاد الفلسطيني ومحاولة إيجاد حلول ناجعة لها قال "د. أبو رمضان" إن أي مؤتمر يُعقد في مثل هذه الظروف الصعبة دون أن تأخذ القوى السياسية النافذة التوصيات بعين الاعتبار كإنهاء الانقسام، وفي ظل غياب حكومة وحدة وطنية أو حكومة تستطيع أن تُترجم التوصيات بآليات عمل تنفيذية "سيبقى تمرين ذهني للمثقفين ليس إلَّا" كما قال.

 

حل تضخم معدلات البطالة

 

وعلى الرغم من عدم توجيه إدارة المؤتمر لـ"دكتور علاء الرفاتي" وزير الاقتصاد الأسبق دعوة المشاركة في النقاشات المسبقة حول إيجاد حلول ومقترحات عملية للمشاكل التي يُعاني منها الاقتصاد الفلسطيني تُفضى نهايًة إلى تحقيق عملية تنمية شاملة، إلا أنه رأى بضرورة أن تتركز النقاشات في أوراق العمل المقدمة حول إيجاد حلول نافعة لحالة التضخم في أعداد المتعطلين عن العمل خاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014، مؤكدًا أن نسب البطالة بين الخريجين تجاوزت الـ (45%) مما يُفقد الثقة بالمؤسسات التعليمية التي لا تتناسب مخرجاتها مع سوق العمل المحلي.

 

ومن أجل تنفيذ ذلك شدد د. الرفاتي على ضرورة وضع إستراتيجية وطنية تدعم المقومات الأساسية للاقتصاد الفلسطيني والخروج بقرارات تُخرج الاقتصاد من دائرة التبعية والارتهان لـلمساعدات الدولية إلى دائرة الاستقلال والاعتماد على الذات،ويُشاركه الرأي  "د. معين رجب" الخبير في الشأن الاقتصادي والأكاديمي بكلية الاقتصاد بجامعة الأزهر بغزة، فهو يقول بضرورة النظر إلى مشكلتي الفقر والبطالة، كقضية وطنية ويُشدد على أهمية إيجاد سياسات إستراتيجية على مستوى قمة الهرم في السلطة الفلسطينية، وعدم ترك مسئولية إيجاد الحلول لـجهة ما أو وزارة أو رئيس وزراء أو مجلس الوزراء، أو صندوق التشغيل الفلسطيني، وقال :"إن وجود جهة قادرة على إصدار قرارات تأخذ في حسبانها حلول البطالة سواء كان يتعلق الأمر بإيجاد مشاريع محلية داخلية، أو تصدير العمالة للخارج يُمكن أن تكون موجودة على طاولة البحث في المؤتمر المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، وبيَّن أنه في ظل وجود 300 ألف متعطل على مستوى الضفة والقطاع يقتضي الأمر إعطاء مشكلة البطالة حقها من خلال وضعها في هذا المؤتمر على سلم أولويات السلطة الفلسطينية لتكون الهاجس الأساسي لها لتعمل على حلها.

وفيما يتعلق بإطار التنفيذ أكد "د. رجب" على وجود حزمة كبيرة من الاقتراحات يُمكن أن الاستفادة منها كالتوجه نحو الخارج أو الداخل، وتابع :"أنه في ظل عدم كفاية الموارد الفلسطينية في الداخل وعدم سيطرة الفلسطينيين عليها سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة للاستفادة منها في إنشاء مشاريع كبيرة ودعم صناعات متقدمة، فإن الفرصة تكون أفضل في عملية تنمية الاقتصاد بتصدير العمالة الفلسطينية إلى الخارج، وقال :" إن هذا الحل لا يكفي أن يُقال نظريًا بل يحتاج إلى جهد من رئاسة السلطة التي تملك القدرة على التواصل مع رؤساء الدول وبإمكانها أن تعقد اتفاقات محددة تتميزة بسرعة الاستجابة والتنفيذ، وكشف أن سوق العمل الخليجي بإمكانه أن يستوعب العمالة الفلسطينية بدلًا من العمالة الأسيوية المنتشرة فيه وشدد أن علاقات السلطة الفلسطينية الإيجابية مع دول الخليج تُسهل عملية تصدير العمالة فقط المسألة تحتاج إلى جهد إستراتيجي على مستوى الدولة وليس جهد فردي على مستوى منظمة أو حزب أو هيئة مدنية.

 

أما في الداخل فرأى "د. رجب" بضرورة إيجاد حالة من الجدية في التعامل مع الوضع القائم في الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وإيجاد معالجات فاعلة من قبل حكومة توافق وطني تقوم بمسئولياتها وواجباتها بوضع سياسات واضحة للضفة وغزة معًا يلتزم بها الجميع بعيدًا عن ثورة المناكفات السياسية ومنح المُسكنات التي يخرج بها كل فريق بين حين وآخر والمتمثلة بـ معالجة مشكلة البطالة بإيجاد فرص عمل مؤقته، قائلًا :" من الضروري البحث عن حلول جوهرة وليست مسكنات".

 

وحول سؤاله بقدرة المؤتمر المزمع عقده على تشخيص المشكلات الاقتصادية وإيجاد حلول لها، أقر د. رجب بقدرته على التشخيص خاصة بعد الجهد الكبير الذي بذله القائمون على المؤتمر على مدار الأشهر الأربعة الماضية، وقال:"المؤتمر قادر على أن يُحدد محاور تخدم غرض النهوض بالاقتصاد الفلسطيني أو تُجيب على سؤال ما هي الرؤية الجديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني حتى يتجاوز عثراته، واستدرك بعد ذلك قدراته تبقى في إطار التوصيات فقط يُمكن عرضها على جهات الاختصاص ويُمكن ألا تحظى بأولوية لدى صناع القرار ويُمكن ألّا تُترجم على أرض الواقع عبر الأخذ بها في صورة قرارات لحل المشكلة من قبل رئيس الوزراء ورئيس السلطة".

 

توفير المناخات الاستثمارية للنهوض بالاقتصاد

 

وبدوره يرى على الحايك بضرورة أن يسعى المؤتمر لإيجاد آليات توفر من خلالها مناخ جيد قادر على جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع المستثمرين في الداخل لإنجاز مشاريع من شأنها النهوض بالاقتصاد الفلسطيني، وبيَّن أن تلك المناخات لا يُمكن أن تتحقق باستمرار الحصار وتقويض حرية الحركة والتنقل للبضائع والأفراد على المعابر التي تُسيطر عليها "إسرائيل"، ولا يُمكن أن يتحقق باستمرار الانقسام الذي يُعد العقبة الأولى أمام النهوض بالاقتصاد الفلسطيني، كما لا يُمكن أن تتحقق باستمرار أزمات الكهرباء والمياه والبنى التحتية التي تعصف بالقطاع الصناعي المُحرك الأول لعجلة الاقتصاد، وقال:" إنه من الضروري أن تتوافق الحكومة الفلسطينية على آلية واضحة ومحددة تعمل على تحسين الواقع الاستثماري بإيجاد بيئة آمنة للنهوض بالاقتصاد جملًة وتفصيلا سواء في الضفة الغربية التي تُعاني عقبات الاحتلال أو في قطاع غزة الذي يُعاني عقبات الانقسام والحصار معًا.

يأسف "الحايك" الذي يشغل منصب رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية في قطاع غزة، من حالة التجاهل التي يُمنى بها الاقتصاديون في قطاع غزة وعدم إشاركهم بالمناقشات والخطط، لافتًا أنه ليس المؤتمر الأول الذي يُنظم في الضفة المحتلة ولا يُوجه لهم كهيئة اقتصادية وازنة في القطاع دعوة للمشاركة والنقاش ويتساءل "كيف يُمكن للمؤتمر أن يُحقق رؤيته بالتوصل إلى رؤية اقتصادية وبرامج عمل تنفيذية بدون توافق وطني بين غزة والضفة، وبدون معالجة اقتصاد القطاع من مشاكله الجمَّة التي أثمرها الحصار والانقسام؟.

 

وفي سياق متصل يُؤكد "الحايك" أن عملية دعم الاقتصاد الفلسطيني والنهوض به لا تكون عبر المؤتمرات والأوراق البحثية والعلمية بعيدًا عن أرض الواقع، وقال: "من الضروري أن يعمل القائمون على المؤتمر على متابعة تنفيذ التوصيات التي سيخرجون بها على أرض الواقع وعدم إبقائها كسابقاتها حبرًا على ورق".

 

متطلبات النهوض بالاقتصاد

 

من جهته، أكد نائب رئيس مجلس إدارة مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" فيصل الشوا أن من أهم أساسيات النهوض بالاقتصاد المحلي إتاحة حرية الحركة للأفراد والبضائع، فلن يكون هناك مجال للنهوض بالاقتصاد وإقامة  مناطق صناعية مشتركة متفق عليها فلسطينياً وإسرائيلياً تحظى بكل التسهيلات اللازمة لتزويدها بالمواد الخام ومختلف مدخلات الإنتاج وتفتح الأبواب أمام تسويق منتجاتها سواء في السوق المحلية أو الإسرائيلية أو الخارجية.

 

واعتبر الشوا أنه بمعزل عن هذه المقومات فبدون توفر البنية التحتية والكهرباء والمشاريع الكفيلة بتوفير فرص العمل وتشغيل الأيدي العاملة الماهرة والمدربة، وملاءمة المناهج التعليمية حسب احتياجات السوق، والعمل على توفير وحشد التمويل اللازم من المؤسسات الدولية المختلفة، لن يكون هناك قدرة على النهوض بالاقتصاد الفلسطيني.

 

وشدد الشوا على ضرورة مراعاة المؤتمر لتبني وإقرار خطة تكفل توفير التسهيلات المصرفية اللازمة والقروض الميسرة اللازمة؛ لتطوير المشاريع القائمة، ولتأسيس وتمويل المشاريع الصغيرة، والعمل باتجاه تذليل العقبات التي  تواجه نقل وتحويل الأموال؛ حتى  يكون هناك فرصة وإمكانية حقيقية للنهوض بالاقتصاد الوطني.

 

وقال الشوا حول ترتيبات عقد المؤتمر ومشاركة قطاع غزة فيه: "نحن في غزة نشكر القائمين على هذا المؤتمر حتى وإن كان تواجد غزة ومستوى مشاركتها بسيط، إلا أن القضية ليست بالمشاركة في تقديم أوراق عمل، بل جدوى المؤتمر تكمن في تحقيق النتيجة المتوخاة؛ لذا يجب أن يكون هناك لجنة لمتابعة المؤتمر، وأن تكون الحكومة ممثلة بهذا المؤتمر للمشاركة في ترجمة التوصيات إلى أفعال على أرض الواقع، لذا نحن على يقين من أن المشاركين سيتعرفون على ما تحتاجه غزة من أجل النهوض بأوضاعها الاقتصادية".

 

وختم حديثه بقوله: "هناك فرصة  أكيدة وكبيرة لتنفيذ التوصيات، ولو عملنا بنفس طويل سيكون هناك نتيجة مجدية على صعيد تذليل المعيقات الإسرائيلية، كما أن هناك أملا في المتابعة مع الإسرائيليين والأجانب، وهناك أمل أيضاً في معالجة وتذليل المشاكل والمعيقات المحلية".

 

ازدواجية التشريعات  

 

من جهته اعتبر مدير العلاقات العامة والإعلام لدى غرفة تجارة غزة ماهر الطباع أن من أهم الأولويات التي يجب التركيز عليها في المؤتمر التطرق إلى أثر الانقسام وتداعياته على الاقتصاد الفلسطيني، والدور المفترض أن يلعبه القطاعان العام والخاص سوية باتجاه إنهاء الانقسام، واستثمار علاقاتهما مع المجتمع الدولي لحثه باتجاه الضغط على إسرائيل لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عشر سنوات.

 

 وأكد الطباع أنه يتوجب على الحكومة أن تخرج في هذا المؤتمر بموقف عملي لمعالجة ازدواجية القرارات والقوانين والتشريعات والإجراءات والضريبية والجمركية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والتي نمت وزادت خلال فترة الانقسام، وأثرت على القطاع الخاص في غزة، وساهمت في إضعافه وعدم نموه، وكان لها الأثر الأكبر على الشركات الكبرى التي لها علاقة بين الجانبين، مثل البنوك وشركات التأمين والشركات المساهمة العامة وبعض الشركات المساهمة الخصوصية.

 

ودعا الطباع لإيجاد حلول لعملية إعادة الإعمار المتعطلة في القطاع الاقتصادي، وذلك في ظل أن المنشآت الاقتصادية التي تضررت خلال حرب 2014 في كافة القطاعات (التجارية والصناعية والخدماتية)، والتي تجاوز عددها ما يزيد عن 6000 منشأة اقتصادية، وتقدر تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار بحوالي 566 مليون دولار، لم يطرأ  أي جديد على حالها حيث أن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي اقتصر على صرف تعويضات لعدد من المنشآت الاقتصادية بما لا يتجاوز تسعة ملايين دولار، وصرفت للمنشآت الصغيرة التي بلغ تقييم خسائر الواحدة منها أقل من سبعة آلاف دولار.

 

وأشار الطباع إلى أن التأخر في عملية إعادة الإعمار أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، لافناً إلى أن العديد من المؤسسات الدولية حذرت من تداعيات إبقاء الحصار المفروض على قطاع غزة وتأخر عملية إعادة الإعمار على كافة النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والبيئية، وبفعل استمرار الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ونتيجة لانهيار المنظومة الاقتصادية في قطاع غزة بفعل الحرب الشرسة الضروس التي تعرض لها القطاع على مدار 51 يوماً، واستمرار تداعياتها حتى هذه اللحظة فقد طرأت زيادة في عدد الفقراء والمحرومين من حقهم في الحياة الكريمة، وبلغت معدلات البطالة في قطاع غزة 41.5% في الربع الثاني من عام 2016 بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، وبلغ عدد المتعطلين  عن العمل 200 ألف شخص، و ارتفعت معدلات الفقر و الفقر المدقع لتتجاوز65%، وتجاوز عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الأونروا والمؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تصل إلى 60% من سكان قطاع غزة، وتجاوزت نسبة انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة، وطرأ ارتفاع حاد في نسبة البطالة بين الشباب في قطاع غزة والتي تجاوزت 60%.

 

ونبه الطباع إلى ضرورة التركيز في المؤتمر على بحث الفرص والسبل المتاحة للحد من مشكلة البطالة التي تعاني منها فلسطين، والعمل على مناقشة إجراء تعديلات على اتفاق باريس الاقتصادي بما يتلاءم مع التغيرات المحلية والعالمية، وتفعيل الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية ودول العالم المختلفة.

 

مطالبة بحلول عملية

 

وقلل الطباع من أهمية أن يتطرق المؤتمر إلى الإشكاليات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، معتبراً أن تلك الإشكالات المتمثلة بعدم السيطرة على المعابر، وتحكم الاحتلال الإسرائيلي بكافة الواردات والصادرات، واتفاق باريس الاقتصادي، والانقسام الفلسطيني، وانعدام الفرص الاستثمارية الخارجية نتيجة للقيود والإجراءات الإسرائيلية، وعدم سيطرة السلطة على ما يزيد عن 60% من أراضي الضفة الغربية، كلها معروفة ولا تحتاج لمؤتمرات لتشخيصها بل المطلوب العمل على بلورة رؤية وحلول لمعالجة تلك الإشكاليات. 

 

وأعرب الطباع عن استهجانه لعدم تمكين قطاع غزة من المشاركة بورقة عمل واحدة تشتمل على إحصائيات وأرقام حول الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي يعاني منها قطاع غزة، وحول عملية إعادة الإعمار خصوصا بعد عامين على انتهاء الحرب الأخيرة، سيما وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت للمشاركة بأوراق عمل من قطاع غزة، حيث أن هذا المؤتمر يتم الإعداد له منذ عدة أشهر، داعياً القائمين على المؤتمر للإجابة عن الأسباب التي دعتهم  لاستبعاد قطاع غزة من المشاركة بأوراق عمل في هذا المؤتمر المهم.

 

لا مبرر لعدم مشاركة غزة

 

بدوره اعتبر مدير شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة أمجد الشوا أن الأولويات المفترض أن يطرحها المؤتمر تقتضي التركيز على طرح القضايا المتعلقة بسبل مواجهة الفقر والبطالة في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وفي قطاع غزة بشكل خاص، بالإضافة إلى التركيز على قضية الحاضنات الاقتصادية للشباب،ومراجعة اتفاق باريس وسبل التحرر منه، والأدوات اللازمة لتعزيز المنتج الوطني ودعمه وطرح شعار اقتصاد محلي يعزز الصمود.

 

وانتقد الشوا عدم مشاركة مؤسسات المجتمع المدني  بشكل أكثر وضوحاً في المؤتمر؛ لإثرائه حيث من الممكن طرح رؤى اقتصادية بديلة مرتبطة بالبعد المجتمعي، منوهاً إلى اقتصار مقدمي الأوراق بشكل واضح على ممثلي الحكومة والقطاع الخاص، وعدم وجود أوراق كافية من قطاعات مجتمعية أخرى.

 

وعبر عن استيائه  تجاه عدم إشراك قطاع غزة بشكل متوازن، حيث أن غزة ستكون حاضرة فقط من خلال مشاركتها عبر "الفيديو كونفرنس"، في حين كان من المفترض أن يعقد مؤتمر متكامل بين غزة والضفة،وتتم إثارة قضية الانقسام، وتأثيرها على التنمية الاقتصادية والبيئة التشريعية في ظل تعطل المجلس التشريعي كأحد القضايا المهمة.

وقال: "لا شك في أن عنوان المؤتمر بالغ الأهمية في ظل هذه الظروف التي يعيشها شعبنا، لكن للأسف من الواضح أنه كان من المفترض أن تطرح قضايا الاحتلال وانتهاكاته كأمر مركزي في هذا المؤتمر؛ لأنه المعيق الأساس لأي تنمية اقتصادية".