الأربعاء  08 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كان اسمه أدهم../ بقلم: سامي العيساوي

2016-09-06 09:28:01 AM
كان اسمه أدهم../ بقلم: سامي العيساوي
سامي العيساوي

 

أسرع زواج ممكن تسمعوا فيه..

 

مثل حادث سيارة، مثل مطر شهر سته، مثل زيارات عمتي نهلة، صار كلّ إشي فجأة  وبسرعة،  طلبني الأربعاء، الخميس عملنا فحص الثلاسيميا في المستوصف وكتبنا الكتاب في المحكمة الشرعية.

 

ما بعرف كيف طبع الكروت وحجز الصالة، ولا كيف وصل للناس وعزمهم، ويوم الجمعة بعد العشرة باللّيل كنت بأحضانه في الفندق.

 

طويل ومش نحيف، بشرته على سمار وطبعه غريب، في شامة كبيرة على يمين منخاره، تقريباً ما إله كتاف، وشعره خفيف، سلّمت نفسي إله كأني مخدّرة، وردّيت على العارفين ببواطن الأمور؛ أبوي وأمّي واخوالي وعمتي نهله.

 

بيني وبينه 9 سنين، كان 30 سنة وكنت وقتها 21، مصاريه أعمت الجميع عن فارق السن، "الزلمة بما بعيبه غير جيبته"، كانت حجّة عمتي نهله.

 

وطبعا كان في صلة قرابة بينه وبين جوز عمتي نهله، وشكلها كانت موعوده بهديه إذا الموضوع تم، علشان هيك كانت متحمسه للموضوع وساعدها أبوي وعمّاتي البنات اللّي أكبر من أمي.

 

عريس كامل مكَمَّل، بيت وسيارة، بيزنس منيح، واشترى السنه دونم مشجر بدّه يبني ڤيلا عليها؛ قالت عمتي نهلة.

 

من عشر سنين كان صايع وهامل، بس ابن عمته سحبه على أمريكا يشتغل معه في السوبرماركت، والكريم قلّه خذ. هذا كلام أمه لمّا أجت تطلبني، بس الموضوع كان صرله فتره بتحكي فيه عمتي نهله مع أمي وأبوي، وعرفت أنا يوم الإربعاء بس.

 

معكم الكبتن طيّار أدهم عبد الباقي، أهلا وسهلاً بكم على متن الخطوط الجوية الملكية الأردنيه، أتمنى لكم رحله موفقه، الطائره ستقلع من مطار لوس أنجلوس إلى مطار عمّان الدولي، أتمنى رحله موفقه للجميع.

 

اسم الطيار ذكرني فيه، كان أسمه على أسمه.

 

كان اسمه أدهم؛

 

كان قلبي وقتها مثل قلوب العصافير، بحب الدنيا، بحب الأكل رغم إنّه ما كان باين عليّ النصاحة، طالعة على أبوي، مهما أكل ما بنصح، وكنت بحب أضحك كثير، صاحباتي كانو مصدر فرحتي، بنات عمتي نهله وبنات خالاتي واخوالي العلاقة معهم مش ولا بُدّ، أبوي ما كان إله أخوة وإله ثلاث خوات، عمتي نهلة اللّي دايماً بتزورنا في أوقات فجائية وغير مناسبة، وعمتي نورة وعمتي سعاد معنا في البيت لأنهم ما أجاهم عريس بستاهل مثل ما بيحكو، الجامعة بالنسبة إلي كانت جنتّي الأرضية، كنت عارف إنّه اليوم اللّي رح تتبخر فيه هذه الجنه قريب، علشان هيك كنت بستغّل كل فرصة وكل لحظة علشان أعيش حياتي وأحوّش ذكريات للأيام الجاية.

 

درست فنون وما كنت شاطرة، بس ولا مرة رسبت في ماده،  ولمّا رح أتخرج رح اقعد في البيت مثل ما حصل مع اختى عايشه، انتظر عريس الغفلة، لأنه الوالد الله يطّول عمره حكاها يوم تخرج أختي علوش "ما عنّا بنات تشتغل" لمّا سأله جوز عمتي نهلة وين بدها تشتغل في شهادتها، وكان أبوي قاصد إنّي أنا كمان اسمع هالكلمه.

 

كان اسمه أدهم؛

 

وكان قلبي يرقص مثل عصفور لمّا أشوفه، وكنت أخاف صاحباتي يسمعو دقات قلبي ويشوفو انفعالاتي لمّا نكون بنفس القاعة.

 

كان شهم، كِشِر، طويل، صموت، ورياضي.

 

أنا بعرف أنّه البنات لمّا بدهم يلفتو انتباه حدا، ما في شب ممكن يعجزهم، بس هو كان صعب كثير.

 

كان اسمه أدهم؛

 

كان مجرد ذكر اسمه يصيبني برجفة، كنت أحب حركات يديه، مشيته، شعره الناعم، تسريحته، كشرته، ضحكاته مع صحابه، جرأته وخجله.

 

طلبت منه مره يساعدني في تثبيت المشروع على لوح البسكوت، ساعدني بدون كلام، وكانت تكشيرته أحلى من ضحكة ناس كثير.

 

ولمّا عملنا مشروعself-portrait  في مادة ثنائي  أبعاد، وعّلقنا صورنا للعرض، كانت صورتي جنب صورته مصادفة وبدون ترتيب، فرحت وقتها وخبيت فرحي في صدري.

 

كان اسمه أدهم؛

 

كان وجوده في الشعبه بفرح قلبي، كنت أسجل المواد بعد ما أعرف إنه سجّلها، في محاضرات النظري أجلس خلفة مباشرة، ومحاضرات العملي جنبه على طول، بعرفش إذا في حدا كان يلاحظ هذا الحكي، بس كان هو طبيعي وكنت أنا ممثلة قديرة.

 

كان اسمه أدهم؛

 

وكانت صفحته على الفيس أول إشي بشوفه، كنت بتابع مشاركاته وتعليقاته واعجاباته، كنت بتابع كل حركاته ومشاويره، أتلهف لأسمع أي خبر عنّه. وين ساكن، مين أهله، أبوه شو بيشغل، أمه من عيلة مين، كم أخ وأخت عنده، شو الدخان اللّي بدخنه، والأكلات المفضله عنده، والعادات اللّي بكرها، والأوقات اللّي بنام فيها، من الآخر صرت مهووسه بواحد اسمه أدهم.

 

هو للأسف ما كان هون، كان كائن عجيب، وكنت وحده جبانه، بحلم كثير ومش أكثر من هيك، بعتلّه طلب صداقه على الفيس، قبل الصداقه، وبعدها رجع حذفني من عنده.

 

بقيت على هالحال فصل كامل، ولمّا قرّب الفصل الثاني ينتهي، كانت النار بتزحف لعندي، بعد هيك في عطة، وأبوي بعرفش إشي اسمه فصل صيفي، ولا زيارات للجامعة بدون ما يكون في دوام، وكان يوم تسليم المشروع النهائي، وكناّ نعرض بالقاعة المطلة على ساحة الشطرنج، لاحت صدفة صنعها قدر غامض؛ كنا ثلاثة، أنا وهو وأحلام.

 

أحلام؛ أجاها تلفون طلعت تحكي برة لأنه الإشارة بداخل القاعة ضعيفة، أنا ما كنت محضره إشي في عقلي، بس كان قلبي مثل قدر بيغلي على نار حامية، حسيت أنّه الزمن مثل صخرة كبيرة تتدحرج من قمة جبل عيبال باتجاهي، وما بعرف كيف وليش ناديته، ناديته كأنّا بنعرف بعض من سنوات، كـأنه بينّا علاقة صرلها سنين، ناديته بقوة ورجاء، ترك اللّي في إيده وأجا لعندي.

 

لأول مرة أجت عيوني بعيونه مباشره، كان أصيل وحزين، قوي وضعيف، حكيم ومجنون. وأنا تركت عيوني تقول اللّي نفسها فيه من زمان.

 

-"نعم".

 

أجمل كلمة نعم سمعتها بحياتي..

 

أرق كلمة نعم حسمعها لعمري اللّي جاي.

 

كنت واعية إنّي مش أنا، ووحده ثانية لازم تحكي اللّي بدي أحكيه، بعرفش مين هيَّ.

 

كمان هو كان واحد ثاني، مش أدهم اللّي بعرفه، والزمن كان الشريك الصعب الثالث اللّي بينا.

 

_"أنا بحبك".

 

كل كلام الدنيا مرّ على خاطري، بس كله ما كان يمكن يطفّي النار اللّي بتغلي بداخلي، كل  كلام المقدمات كان رح يكون بايخ وبلا طعم، وكمان فش وقت للمقدمات أو الحكي بالرمز أو بالتلميح. وكررتها:

 

_"أنا بحبك".

 

حسيت بثقه عجيبه هبطت على قلبي من وين مش عارفه، هو ارتبك وعيونه تحركت في القاعة كان يدوّر على حدا ينقظه من الموقف .

 

أنا تَخلّصت من حمل كبير كان على صدري، وحسيت براحه، وهو كأنه مسك الحمل وحطّه على ظهره، أحلام خلّصت تلفونها ورجعت على القاعة، وهو ما حكى إشي، بس تركته محتار ومرتبك.

 

المسا بعتلي طلب صداقه، وتاني يوم ما أجا على الجامعه.

 

خلص الفصل، وما صار ولا فرصه نحكي أنا وياه.

 

في الصيف حصل أسرع زواج ممكن تسمعوا فيه..

 

طبعا سافرت وما رجعت على الجامعه، وما كمّلت دراسه ولا حتى قدمت طلب تأجيل الدراسه، قالوا لي:

 

_مستقبل البنت بيت جوزها، عقد زواجها هو شهادتها الحقيقيه، واولادها مستقبلها الحقيقي، وبعدين بكره في أمريكا بس تستقر الأمور بتدرسي اللّي بدّك إياه، وكمان شو جاب جامعات أمريكا لجامعات هالبلد؟

 

أدهم ما رجعت شفته، وصار من الماضي.

 

سافرت على أمريكا، تغلبت حتى طلعلي إقامه، بس عدّي كان بدّه أي وحده، أي بنت تحكي عربي، علشان يتأجر رحمها تجيبله أولاد يحملو اسمه، روحها ما كانت بتهمه.

 

طِلِعْ عدّي مِثله مِثل كثير من الشباب اللّي مفكره الزواج أكله هنّيه، ملابس مكويّه، ونومه هاديه، ورحم يجيب اولاد وبنات، واخيراً المره إلها فم يأكل ما يحكي، أو فم يقول نعم وحاضر، وما يعترض.

 

عدّي طِلِعْ واحد زباله، واطي وكمان ما بيميّز بين الحرام والحلال.

 

عدّي طِلِعْ، ابن حرام، علاقات مشبوهه، غراميات ما بتعرف حدود.

 

وأنا، وبعد أقل من ثلاثة شهور وقفت في مفترق طرق، إمّا أنّي أكون جزء من هذا العالم الأسود، وهيك مطلوب أنّي اعطّل أجهزة السمع والبصر والوعي، ضميري احطّه في ثلاجه دون الصفر المئوي، أخلاقي اشلحها مثل ما بشلح كندرتي، تربيتي أتخلى عنها علشان سيد البيت يرضى عنّي، طموحاتي في الدراسه والمستقبل أدير عليها كاز وأحرقها واهتم بمستقبل جوزي حبيبي، ومش بس هيك، لازم أدير بالي على صحته ونزوات عقله وشبابه الجامح، ومراهقاته اللّي ما إلها نهايه، وهيك لازم أشاركه السكر والعربده، وقلة الحيا.

 

الطريق الثاني أنّي ارفض كل هذا وبالمقابل اخسر أمريكا وديمقراطية أمريكا، وفضائل العيش في أمريكا، وبالتالي أرجع على دار أبوي إيد من قدّام وإيد من ورا، وطبعا وكالعاده، اللّي رح يشتفوا فيّه أكثر بكثير من اللّي رح يزعلوا على  حالتي، وكمان بكون خسرت فرصتي أنه يكون إلي بيت وزوج وعيله مرّه ثانيه، لأنه المطلقه في بلادنا بعاملوها كأنها مخاويه واحد من الجن، أو مصابه بالجذام او الأيدز.

 

كالعاده، ما حكيت لأبوي، وأمّي وخواتي كانوا يعرفوا طراطيش، وكانوا يطلبوا مني الصبر، بس كان الكلام أقل بكثير من الأفعال، لحدّ ما جاب مرّه أصحابه وسهروا في البيت، وطبعاً شربوا منكر لحد ما طارت عقولهم، كان مطلوب منّي أكون متحضره وأجامل الضيوف، لحدّ ما واحد مد إيده علّي وحضني، دفشته وقع على الطاوله، الكلب عدي ضربني قدّام الموجودين وسبني، والجميع كان يضحك، أنا ما بقدر أمحي 20 سنه عشتهم في بيت ابوي وتربيت على اللّي تربيت عليه، أنا مش روبوت تعطيه أوامر علشان مرّه يصير محترم ومرّه عرص إبن عرص، بعدها أنا طِلِعْ جناني وصار على لساني كلمه وحده ما إلها ثاني؛ طلقني، بدّي أرجع على فلسطين.

 

كنت للأسف صرت حامل، فكرت كثير أتخلص من اللّي في بطني، لأني ببساطه ما بدّي إشي يذكرني في الكلب عدي، ولا في أي حدا من أهله، بس اللّي كتب غلب، مثل ما بيقولوا، دخّلو في الموضوع ناس عرب بنعرفهم، بس أنا كنت وصلت لمرحله ما فيها رجعه.

 

في الأخير واحد مثل عُدّي اقتنع انّه وحده مثلي ما بتلزمه، وصار بدّه يخلص مني في أسرع وقت، حجزلي على عمّان، وأنا هلاً في الطياره.

 

رجع مره ثانية صوت الطيار..

 

تقترب الطائرة من مطار عمّان الدولي، الساعة الآن السابعة والنصف بتوقيت عمّان، يرجى ربط الأحزمة والثبات في مقاعدكم، أتمنى لكم إقامة طيبه، كان معكم  الكبتن طيار أدهم عبد الباقي.