الحدث حامد جاد
يخشى مقاولون وقائمون على قطاع الإنشاءات من خطورة التداعيات التي ستترتب على إغلاق الجانب الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم لنحو عشرين يوماً خلال الشهر المقبل، منها 12 يوماً سيتم إغلاق المعبر بشكل كلي وجزئي بحجة الأعياد اليهودية، وتسعة أيام إجازات اسبوعية فيما سيعمل المعبر 11 يوما،ً الأمر الذي يعني انخفاض كميات الإسمنت الواردة للقطاع لنحو النصف بالمقارنة مع الأشهر التي يعمل فيها بشكل اعتيادي .
ولم يستبعد تجار وموزعو الإسمنت وأصحاب شركات المقاولات أن تشهد أسعار الإسمنت في السوق السوداء ارتفاعاً غير مسبوق إثر ما سيترتب على إغلاق المعبر من شح ونقص حاد في كميات الإسمنت المتوفرة في القطاع، إذ توقع البعض منهم أن يتخطى سعر طن الإسمنت حاجز الـ 1500 شيكلا، بدلاً من سعره الرسمي الذي يقدر بأقل من 600 شيكل .
وفي سياق أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع عدد من تجار الإسمنت والمقاولين والقائمين على قطاع الصناعات الإنشائية حول تأثير إغلاق المعبر على مجمل حركة البناء والإعمار، أكد المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الإنشائية فريد زقوت أن مختلف الأعمال المرتبطة بالصناعات الإنشائية تعاني بالأصل من أزمة نتيجة لمحدودية كمية الإسمنت الواردة إلى قطاع غزة، معتبراً أن الإمعان في إخضاع هذه الكمية المحدودة خلال الشهر المقبل لمزيد من التقليص والتقنين بحجة الأعياد اليهودية سيزيد الأزمة تفاقماً، وسيؤدي إلى ارتفاع سعر الإسمنت في السوق السوداء إلى ما بعد الشهر المقبل، وذلك إثر نقص الكميات المتوفرة وتعطش سوق غزة للإسمنت.
وقال زقوت لـ"الحدث": "إغلاق المعبر طوال هذه الفترة سيسبب أعباءً كبيرة للمواطنين وأصحاب المباني المتضررة بما في ذلك المواطنون الذين سيضطرون إلى شراء الإسمنت من السوق السوداء لاستكمال بناء منازلهم كما سيزيد هذا الامر من الاعباء الواقعة على كاهل أصحاب المصانع حيث سيكون عملهم جزئياً وتحديداً أصحاب مصانع الباطون الذين يعانون من شح كميات الإسمنت اللازمة لتلبية الاحتياجات الفعلية لمختلف أعمال البناء في القطاع".
وكشف زقوت النقاب عن الاستعدادات التي يجريها الاتحاد حالياً؛ لتنظيم مسيرة احتجاجية ضد منظمة الأمم المتحدة لخدمات المشاريع "UNOPS"، قبالة مقر مكتب المنسق الخاص لنشاطات الأمم المتحدة ( أونسكو) في مدينة غزة.
ولفت زقوت إلى أن هذه الفعالية الاحتجاجية استهدفت التنديد بدور UNOPS، والمطالبة برفع القيود المفروضة على تزويد المصانع الإنشائية بالإسمنت، والاعتراض على استمرار آلية توريد الإسمنت المعمول بها، والتي تسببت بحرمان 240 مصنعاً من مصانع البلوك من حقها في الحصول على الإسمنت ما أدى إلى شل نشاطها الإنتاجي وتوقفها عن العمل منذ نحو ستة أشهر متمنياً في هذا السياق أن يتراجع الجانب الإسرائيلي عن ما فرضه من قيود على إدخال الإسمنت بما في ذلك رفع القيود المفروضة على هذه المصانع وتمكينها من العمل.
وبين زقوت أن هذه الفعالية الاحتجاجية تشكل حلقة ضمن سلسلة من الفعاليات التي ينفذها اتحاد الصناعات الإنشائية عقب عدة جلسات عقدها مع مسؤولين في هيئة الشؤون المدنية في رام الله و غزة ووزارة الاقتصاد الوطني، تم خلالها المطالبة باتخاذ إجراءات عملية لوقف حالة التدهور التي ألمت بقطاع الإنشاءات جراء القيود المفروضة على إدخال الإسمنت لقطاع غزة، معرباً عن أمله في أن تلعب منظمة UNOPSدوراً داعماً لإنجاح عملية إعادة الإعمار، وتسهيل دخول مواد البناء، وأن لا يكون دورها مسانداً لما يفرضه الاحتلال من حصار على القطاع وقيود على إدخال مواد البناء .
وحذر زقوت من خطورة تواصل ارتفاع سعر الإسمنت والأضرار التي ستلحق بمجمل الصناعات الإنشائية على اختلاف أوجه انشطتها الإنتاجية سيما قطاع معامل البلوك التي باتت تعتمد فقط على ما تحوله إليها شركات المقاولات من الإسمنت ومواد البناء؛ كي تنتج ما تحتاجه فقط المشاريع التابعة لتلك الشركات من البلوك. في حين كان في السابق بإمكان تلك المصانع أن تسوق إنتاجها لصالح شركات المقاولات الموردة لها الإسمنت ولشركات ومقاولين آخرين، إلا أن ما يعرف بنظام توريد مواد البناء GRM فرض على تلك المعامل التعامل فقط مع المقاول الذي يزودها بالإسمنت.
ولفت إلى أن سعر الإسمنت في السوق السوداء يتراوح حالياً بين 1150 شيكلاً إلى 1200 شيكل، مؤكداً أنه في حال انخفاض حجم الكمية الواردة في وقت الأزمات وخلال فترة إغلاق المعبر الشهر المقبل فمن المتوقع أن يرتفع سعر الطن لنحو 1500 شيكل، ليتعدى بذلك هامش الربح في السوق السوداء 800 شيكل للطن الواحد، وذلك بالرغم من وجود آلية للرقابة على أسعار الإسمنت من خلال وزارة الأشغال العامة وما تفرضه وزارة الاقتصاد من عقوبات على كل تاجر يثبت بحقه التلاعب بالأسعار.
من جهته أكد نبيل ابو معيلق احد المقاولين أن حدوث نقص في الكميات الواردة من الاسمنت سينعكس مباشرة على كل ما يتعلق بأنشطة الصناعات الانشائية وبالتالي ستعجز شركات المقاولات عن تسليم المشاريع المختلفة التي تنفذها وفق مواعيدها المحددة وسيؤدي ذلك الى ارتفاع نسبة البطالة في هذه الفترة وستتأثر بشكل مباشر كافة الصناعات المساندة المرتبطة أعمالها بتوفر مادة الاسمنت ومنها أعمال ورش الالمنيوم والنجارة وأعمال الكهرباء وغيرها من المهن المرتبطة بأعمال البناء مثل " الدهان والسباكة وتمديدات الكهرباء " .
ولم يستبعد أبو معيلق أن يتخطى سعر طن الاسمنت حاجز الألف وخمسمائة شيكل حسب حجم العرض و الطلب في السوق السوداء على هذه المادة الاساسية والرئيسة في أعمال البناء منتقداً في هذا السياق جملة
التعقيدات المتعلقة ببرنامج الـ GRM الذي اعتبره يستهدف على وجه العموم القطاع الخاص الفلسطيني على وجه الخصوص قطاع المقاولات الذي سيتكبد تكاليف عالية وخسائر غير مباشرة ستنعكس سلباً على موازنات المشاريع القائمة وجدول تسليمها .
وقال أبو معيلق " من المؤكد أن شح الاسمنت في السوق المحلية سيؤثر مباشرة على مختلف المشاريع الانشائية سواء التابعة للمواطنين أو الممولة من قبل منظمات دولية فاذا كانت الفترة المحددة لتسليم مشروع ما تستغرق عشرة أشهر على سبيل المثال فسيتم تسليمها خلال عام اذا تراجع حجم كميات الاسمنت الواردة خلال الشهر المقبل ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل سيتعداه لينعكس سلباً على الاجور الثابتة التي تدفعها شركات المقاولات للعاملين لديها بشكل ثابت في تلك المشاريع من المهندسين والمهنيين ".
بدوره يرى أحد تجار الاسمنت المعتمدين ويدعى ناهض العمصي أن قضية رفع سعر الاسمنت في السوق السوداء تنطوي على مجازفة كبيرة من قبل بعض التجار الذين يحاولون التلاعب بالأسعار ويغامرون باسمهم في السوق خاصة في ظل زيادة عدد الشكاوي المقدمة لوزارة الاقتصاد ضد من يبيعون الاسمنت في السوق السوداء وما قامت به الوزارة مؤخراً من توقيف أعمال عدد منهم وإغلاق مخازنهم .
ويشار في هذا السياق الى أن وكيل وزارة الاقتصاد في غزة حاتم عويضة أعلن مؤخراً أن وزارته قامت بإغلاق وتعليق أعمال 17 تاجر إسمنت من أصحاب المخازن المعتمدة؛ لارتكابهم مخالفات تتعلق بعدم التزامهم بالأسعار الرسمية، منوهاً في هذا الشأن إلى أن الوزارة ذاتها قامت، الشهر الماضي، بتحويل عشرة تجار إلى النيابة العامة؛ لأخذ المقتضى القانوني بحقهم، بعد أن ثبت تلاعبهم بأسعار الإسمنت.
ولفت عويضة إلى أن معدل ما يتم إدخاله يومياً من الإسمنت يقدر في أفضل الأحوال بنحو ثلاثة آلاف طن يومياً، وهو ما يعادل نسبة نحو 40% من الاحتياجات الفعلية لقطاع غزة، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام الإبقاء على السوق السوداء في قطاع غزة رغم الدور الرقابي والمتابعة التي تقوم بها وزارة الاقتصاد في غزة .
ونوه العمصي الى أن اغلاق المعبر خلال الفترة المذكورة سيؤدي الى خلل كبير في كمية الاسمنت المتوفرة وسيتسبب هذا الامر في توقف بعض المشاريع حيث أن اغلاق المعبر خلال الفترة المذكورة من الشهر المقبل يعني تقليص حجم كمية الاسمنت الواردة الى النصف تقريباً .
وقال " بالنسبة لنا كتجار اسمنت نعاني منذ فترة طويلة من المشاكل الناجمة عن شحة الاسمنت حيث أن الكمية الواردة محدودة بالأصل وما يتم ادخاله يومياً يعادل حمولة 80 شاحنة في حين ان القطاع يحتاج كحد ادنى الى ادخال حمولة 130 شاحنة يومياً كي يتمكن سوق القطاع من تلبية الاحتياجات الفعلية للبناء واعادة الاعمار وبالتالي بدلا من ان يصل في الشهر ما يتراوح بين 50 الى 60 ألف طن ستنخفض هذه الكمية الى 30 الف طن في الوقت الذي يحتاج قطاع غزة الى ما لا يقل عن 120 الف طن شهرياً .
ويذكر أن كميات الإسمنت الواردة لقطاع غزة الشهر الماضي شهدت ارتفاعاً بنسبة 25%، بالمقارنة مع كمية الإسمنت الواردة خلال الشهر الذي سبقه وذلك بسبب زيادة عدد الشاحنات المحملة بالإسمنت المسموح بدخولها، حيث ارتفع عدد الشاحنات إلى 90 شاحنة يومياً، خلال الشهر الماضي، في حين كان العدد خلال الشهر الذي سبقه 80 شاحنة بينما انخفض توريد الاسمنت حلال الثلث الأول من الشهر الحالي ليبلغ نحو 14.5 ألف طن إسمنت، ما يعني أنه من المتوقع حدوث انخفاض في مجمل الكميات الواردة خلال هذا الشهر بالمقارنة مع الشهرين الماضيين بينما توقعت مصادر مختصة تواصل انخفاض كمية الإسمنت الواردة لقطاع غزة، خلال الشهر المقبل؛ بسبب إغلاق معبر كرم أبو سالم لعدة أيام .
وكان البنك الدولي انتقد في تقرير صدر حديثاً عنه حول واقع الاقتصاد الفلسطيني التباطؤ الذي تشهده عملية إعادة الاعمار والاجراءات المشددة التي يفرضها الجانب الاسرائيلي على إدخال مواد البناء موضحاً في تقريره أن من بين 3.5 مليار دولار مجموع تعهدات مؤتمر القاهرة لإعادة بناء القطاع الذي عقد في الثاني عشر من تشرين أول عام 2014 تم صرف 46% من تلك التعهدات وأنه لم يتم تلبية سوى 16% من الاحتياجات الكلية اللازمة لإعادة إعمار ما الحقته الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 .
وقالت مديرة مكتب البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة مارينا ويس " حتى الآن أعيد بناء 10.7 % من أصل 11 ألف وحدة سكنية دمرت تماماً خلال الحرب الأخيرة ، وما يزال نحو 50% من المنازل المدمرة تدميرا جزئيا وشديدا بحاجة إلى ترميمات، كما أن الوضع في غزة يعتبر مصدر قلق بالغ، والظروف اللازمة للنمو الاقتصادي المستدام لفترة ما بعد إعادة الإعمار لم تتوفر بعد" .