الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في قرار الحكومة وقف ازدواجية العمل لموظفي القطاع العام- رولا سرحان

2016-10-11 08:25:35 AM
 في قرار الحكومة وقف ازدواجية العمل لموظفي القطاع العام- رولا سرحان
رولا سرحان- رئيسة التحرير

 

بدايةً، لا ينبغي فصل القرار الصادر عن مجلس الوزراء، والذي تمت المصادقة عليه في الجلسة رقم (121) بتاريخ 27 أيلول 2016، عن مجمل السياسات المالية والإدارية للحكومة الحالية وإنما يُقرأ معها. تماماً مثلما ينبغي أن يقرأ القرار الخاص بتقديم سلسلة من الحوافز التشجيعية لموظفي القطاع العام للتقاعد الاختياري، والذي تم إقرارهُ في نفس الجلسة، وذلك إلى جانب مجموعة من القرارات الإدارية الأخرى القاضية بإحالة عدد من الموظفين الحكوميين إلى التقاعد المبكر.

 

تلك القرارات والإجراءات تأتي في السياق العام الذي أعلنت الحكومة عنه منتصف العام الماضي فيما يتعلق باتباع سياسة تقشفية لخفض العجز في الموازنة.

 

ما الذي ينظم عمل الموظف في القطاع العام؟

 

يحكم عمل الموظف في القطاع العام قانون الخدمة المدنية لسنة 1998 وتعديلاته، واللائحة التنفيذية الصادرة عن مجلس الوزراء عام 2005، وقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة.

 

يحظر قانون الخدمة المدنية في المادة (67) منه على الموظف الجمع بين وظيفته وأي عمل آخر خلال أوقات دوامه الرسمي، وقد ترك القانون للائحة التنفيذية تحديد الضوابط والأحكام المحددة للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي بما لا يتعارض أو يتناقض مع الوظيفة الحكومية ومقتضياتها.

 

وعليه، فقد أجاز قانون الخدمة المدنية من حيث المبدأ ازدواجية العمل خارج أوقات الدوام الرسمي ضمن الضوابط الواردة في اللائحة التنفيذية؛ التي اشترطت في المادة (83) موافقة الوزير المختص وإشعار ديوان الموظفين العام بهذا الموضوع حتى وإن كان الموظف في إجازة براتب أو بدون راتب.  

 

فيما أكدت (84) من اللائحة التنفيذية على أن قيام الموظف بعمل خارج نطاق العمل الرسمي دون الحصول على الإذن المسبق يترتب عليه عقوبة تأديبية.

 

أما المادة (85) من اللائحة فقد حددت شروط وضوابط منح هذا الإذن، والتي يمكن تلخيصها في أن لا يؤثر هذا العمل خارج الوظيفة على واجبات الموظف وقدرته على أداء عمله الرسمي، أي ألا يكون على حساب عمله الحكومي، وألا يكون مرتبطاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمهامه المكلف بها في القطاع العام، وألا يرتبط الموظف مع أي فرد أو شركة لها ارتباطات مالية أو تجارية مع الدائرة الحكومية التي يعمل بها، وألا يكون هناك أي تعارض أو تناقض بين عمله الرسمي ومقتضياته والعمل خارج الوظيفة، درءا لتضارب المصالح، وأن لا يستعمل ممتلكات الدائرة الحكومية أو أية دائرة حكومية في هذا العمل.

 

كما وأكدت المادة المذكورة؛ على وجوب ألا يزيد عدد ساعات العمل خارج نطاق الوظيفة الرسمية عن 3 ساعات في اليوم الواحد، وبحد أقصى 9 ساعات في الأسبوع.

 

ما المغزى من اتخاذ هذا القرار؟

 

يبدو أن الحكومة الحالية تحاول جاهدة البحث عن سبل لترشيد الإنفاق الحكومي، بالتركيز على تخفيض فاتورة الرواتب والأجور، والتي تشكل عبئاً ثقيلاً على الموازنة العامة، خاصة وأنها تستنزف ما يزيد عن نصف الموازنة، وبالتالي تحاول التقليل من الفجوة التمويلية (العجز الجاري).

 

وعلى ما يبدو أن القرار يريد أن يصل بالموظف إلى مرحلة الاختيار ما بين عمله في القطاع العام والقطاع الخاص، والمفاضلة بينهما بما يدفع بالمحصلة في اتجاه إما البقاء في الوظيفة بتفرغ تام وكامل وهذا من حيث المبدأ من شأنه أن ينعكس على إنتاجية الموظف وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين، أو الاستقالة من القطاع العام والاتجاه نحو القطاع الخاص، وإما الفصل من العمل الحكومي في حال ثبتت ازدواجية العمل.

 

وفي كلتا الحالات الثلاث، فإن للأمر انعكاسات إيجابية على المديين المتوسط والبعيد من حيث كفاءة وجودة الإنتاج، وإتاحة مزيد من فرص العمل لأن العمل في أكثر من مكان في نفس الوقت يحرم آخرين من حقهم في فرصة العمل، ومحاربة البطالة المقنعة وحالة الموظفيين الوهميين في الوظيفة الحكومية.

 

ومن شأن القرار، إذا أحسنا الظن بأهدافه وغاياته، أن ينعكس على تخفيض فاتورة الرواتب والأجور، بما يمنح هامشا من المرونة في توزيع الإنفاق على قطاعات الموازنة وإمكانية الاهتمام بقطاعات حيوية من قبيل الإنفاق على قطاع الزراعة مثلاً أو العمل على إطلاق برامج تشغيلية أو دعم سلع أساسية، أو تغطية التزامات حكومية تجاه الموظفين العموميين من قبيل غلاء المعيشة وغيرها.

 

ولكن في المقابل، فإنه ينبغي على الحكومة أن تلتزم بتنفيذ كامل حقوق الموظفين في الوظيفة العمومية التي ينص عليها قانون الخدمة المدنية واللائحة التنفيذية المكملة له والتشريعات ذات الصلة.

                                                                     

أين أخطأت الحكومة؟

 

بتقديري أخطأت الحكومة في الآتي:

 

1. خالفت القانون بإصدارها قراراً يتعارض مع قانون الخدمة المدنية ومع اللائحة التنفيذية المكملة له، بمنعها منعاً باتاً وحاسماً عمل الموظف العمل خارج أوقات دوامه الرسمي.


2. لم توضح للمواطنين ما هو المغزى من اتخاذ القرار، وما هي غاياته وأهدافه، وفي أي سياق جاء، فترك الأمر للعديد من علامات الاستفهام، ما خلق حالة من القلق والارتباك لدى الموظفين والانتقاد في الشارع الذي بدا لهم قرارا ارتجالياً مجحفاً بحق الموظفين في القطاع العام.


3.  لم تعمل على إنفاذ قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية كما ينبغي، في حين أنها لو قامت بتنفيذهما وراقبت على حسن تطبيقهما لكان ذلك كفيلاً بأن يغنيها عن اتخاذ هذا القرار، خاصة وأن اللائحة التنفيذية تشترط موافقة الوزير المختص وفق الإجراءات والنماذج الواردة في اللائحة وإشعار ديوان الموظفين العام بأي عمل خارج دوام الموظفين العمومين تحت طائلة المسؤولية التأديبية.


4. إن كان القرار يأتي في سياق خطة تقشفية للحكومة، فقد كان من الأجدى بالحكومة أن تعلن عن معالم وبنود ومرتكزات وأهداف تلك الخطة، والنتائج المتوقعة منها، وحجم تأثيرها المتوقع على تخفيض عجز الموازنة، وانعكاسها على السياسات المالية، وبالتالي انعكاسها على المواطن.

 

ما الواجب عمله؟

 

1.  أن تقوم الحكومة بإلغاء القرار الصادر عنها لتعارضه مع قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، ولأن الضوابط التي وضعتها اللائحة التنفيذية للقانون المذكور تغني عن إصدار هذا القرار.


2.  أن تقوم الحكومة بتفعيل آلية تقييم آداء الموظفين في الوظيفة العامة والواردة في قانون الخدمة المدنية ضماناً لجودة وكفاءة الأداء الحكومي والخدمات المقدمة، ولمحاربة ظاهرة البطالة المقنعة. وبخاصة أن القانون ينص على أنه إذا حصل الموظف في التقرير السنوي للأداء على درجة ضعيف يتم إنذاره (المادة 39)، ويُحال الموظف الذي يقدم عنه تقريران سنويان متتاليان بدرجة ضعيف إلى لجنة توقيع الجزاءات، ويوقع عليه واحدة أو أكثر من الجزاءات التي هي: وقف العلاوة الدورية السنوية، تنزيل الدرجة، وتنزيل الوظيفة (المادة 41). وإذا قدم عن الموظف تقرير ثالث بدرجة ضعيف يتعين على اللجنة المختصة أن تنظر في عملية فصله (المادة 42).


3. أن تبتعد الحكومة عن الارتجال في القرارات بحثا عن سبل لترشيد الإنفاق الحكومي وأن تعلن عن خطة واضحة ومكتوبة ومعلنة ومتكاملة على هذا الصعيد.


4.  أن تنطلق قرارات الحكومة من رؤية وسياسات اقتصادية واجتماعية واضحة المعالم والأهداف والأولويات، تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية المتردية، وسبل معالجتها.

 

هنالك قاعدة فقهية شهيرة ينبغي أن لا تغيب عن ذهن الحكومة تقول إن "الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره".