الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رصاصة أبو مازن

2014-04-29 00:00:00
رصاصة أبو مازن
صورة ارشيفية

 ساميسرحان

تزامنت المصالحة الفلسطينية مع حديث عن استئناف المفاوضات وفتح قنوات حوار فلسطينية- إسرائيلية فجاءت ذريعةً مكشوفة لكي تقرر الحكومة الإسرائيلية المصغرة وقف المفاوضات العقيمة التي مضى عليها بضعٌ وعشرون عاماً منذ مدريد ومروراً بأوسلو وكامب ديفيد وهي تراوح مكانها. نتحدث كثيراً عن أجواء مفاوضات وعن مبعوثين ورعاية للمفاوضات من الرباعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ثنائية ومباشرة، ولكن لا مفاوضات ولا نتائج. وكلما رأى الفلسطينيون بصيصاً من أمل في التقدم على طريق الحل اختلق الإسرائيليون من الأسباب والذرائع ما يعيد الأمور إلى بداياتها بل أسوأ مما كانت عليه.
لبست إسرائيل هذه المرة قميص المصالحة الفلسطينية فوق قميص إطلاق بضعة عشر أسيراً من عرب الداخل، وأعلن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو (الذي حملته الإدارة الأمريكية في وقت سابق مسؤولية إفشال المفاوضات): على أبو مازن أن يختار بين السلام وبين حماس وطبعاً اختار أبو مازن المصالحة الفلسطينية باعتبارها قضية داخلية لا شأن لإسرائيل بها، ولأنه يدرك أن الوحدة الوطنية الفلسطينية من شأنها أن تعزز فرص السلام وديمومته إذا ما تم التوصل إليه، وأن إسرائيل هي من كان يقول إن أبو مازن لا يمثل الشعب الفلسطيني كله، ولا يمثل قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس. سبحت الإدارة الأمريكية مع التيار الإسرائيلي وانتقدت المصالحة لكن سرعان ما تراجعت عن موقفها فيما رحب الاتحاد الأوروبي وروسيا بدرجات متفاوتة وعمت الفرحة أبناء الشعب الفلسطيني والعربي والدول الصديقة.
إسرائيل تهدد بعظائم الأمور واحتجزت الأموال الفلسطينية وقررت إعادة انتشار جيشها في الضفة وتكثيف حواجزها، وقطع الاتصال مع وزارات السلطة الفلسطينية باستثناء المفاوضات والتنسيق الأمني.
تختار إسرائيل ما يناسبها من عقوبات وتحافظ على ما يناسبها من علاقات مع السلطة، محددة بذلك الدور الوظيفي للسلطة. لكن قيادة السلطة والمنظمة هذه المرة قد أعلنت بصراحة أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام ولا تريد مفاوضات تؤدي إلى نتيجة وتتنصل من كل ما تلتزم به حتى في إطلاق بضع عشرات من الأسرى الذين قضوا عشرات السنين في سجون إسرائيل.
ما تريده إسرائيل هو عملية تفاوض وأجواء تفاوض لتكمل مشروعها الاستيطاني والاحتوائي لما تبقى من الأرض والشعب الفلسطيني، ولا تفكر في السلام كما تفكر به القيادة الفلسطينية، فحكومة نتنياهو اليمينية ترى أن لا مصلحة لها في السلام في الوقت الراهن كما عبر عن ذلك موتي كيدار الأستاذ في جامعة بار إيلان والأقرب في تفكيره إلى بنيامين نتنياهو وحكومته الحالية. يقول كيدار بالحرف الواحد لإذاعة صوت إسرائيل بالعربية: “إسرائيل ليست بحاجة للسلام، إسرائيل دولة متطورة، ربما 40 ألف دولار للجمجمة كل عام هو متوسطة حصة الفرد من الناتج القومي السنوي، لديها ديموقراطية متطورة واقتصاد متطور بدون السلام، ولذلك يمكن لإسرائيل أن تعيش إلى أبد الآبدين بلا سلام”، وأضاف بأن الثمن الذي تريد إسرائيل أن تدفعه من أجل السلام ليس بكبير، وعندما يدرك الفلسطينيون هذا الأمر فإنه سيسهل عليهم المضي قدماً مع توقعات أوطأ من توقعات اليوم.”
بهذا التفكير وبهذه الفجاجة يتحدث بروفيسور في بار إيلان على الهواء، وبمثل هذه الفجاجة يفكر نتنياهو ويتحدث شركاؤه في الائتلاف الحكومي. إنهم يقولون بضم الكتل الاستيطانية الكبرى والتواصل مع المستوطنات المتناثرة على رؤوس جبال الضفة وإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وتموضعه لحماية المستوطنين على الطرق وفي المستوطنات وتقسيم ما يتبقى من الضفة بعد مصادرة المناطق (ج) منها إلى سبع إمارات لا ندري إن كانت متصالحة أو متخاصمة، والسيطرة على المياه الجوفية والسطحية والأغوار والمعابر والاحتفاظ بالقدس عاصمة أبدية وبناء الهيكل على أنقاض الأقصى وسلخ مواطني أم الفحم والمثلث عن أرضهم ووطنهم وضمهم إلى الإمارات السبع المتصالحة وترحيل بدو النقب إلى الخليل أو ربما إلى سيناء كما كان مخططاً لذلك.
هذه هي حدود السلام الذي يمكن أن تقبل به إسرائيل مع الفلسطينيين في الضفة مع بقاء القطاع محاصراً ومنفصلاً عن الضفة، وليرحل مشاكله جنوباً. لقد أعطى أبو مازن فرصة كبيرة للمفاوضات ولجهود الوزير الأمريكي جون كيري الدؤوب وهو يدرك ما ترمي إليه إسرائيل من وراء عملية التفاوض. هو يدرك أن المفاوضات نضال لانتزاع الحقوق وأنه اختار المفاوضات طريقاً لانتزاع الحقوق المشروعة لشعبه الفلسطيني: ولما فاض به الكيل حسم الأمر ووضع النقاط على الحروف أمام ممثلي الشعب الفلسطيني وعلى الملأ وأمام العالم:
أولاً: اعترفنا بإسرائيل في خطوط عام 1967 ولن نعترف بإسرائيل دولة يهودية.
ثانياً: نتوجه إلى الأمم المتحدة للاعتراف بنا كدولة تحت الاحتلال في حدود 4 حزيران 1967.
ثالثاً: لا نقبل على أرضنا جندياً إسرائيلياً ولا مستوطنة صغيرة أو كبيرة ولا مستوطناً واحداً.
رابعاً: القدس الشرقية عاصمة لدولتنا الفلسطينية المستقلة.
خامساً: حق العودة حق مقدس لكل لاجئ فلسطيني إلى أرضه وبيته وفق القرار الأممي رقم 194 وقرارات القمم العربية.
سادساً: الأسرى يجب أن يطلق سراحهم جميعاً ولا نزع لجنسية أحدهم أو إبعاده.
سابعاً: السيادة الكاملة على ثروات أرضنا ومياهنا وأجوائنا.
ثامناً: أنتم أيها الإسرائيليون دولة احتلال وعليكم أن تتحملوا تبعات احتلالكم.
بهذه النقاط وغيرها لم يطلق أبو مازن رصاصة الرحمة على السلام، وإنما أطلق رصاصة على أوهام الحكومة الإسرائيلية وتفكيرها السقيم وهو ما يزال يمسك بغصن الزيتون ويشد عليه.