الحدث - غزة
لم يعد عمل المرأة خارج المنزل نوعًا من الترف أو التسلية، بل بات جزءً من المسؤولية ورغبةً في تحقيق الذات وإثبات الدور البنيوي للمرأة في تنمية المجتمع والمشاركة في إعماره، إضافة إلى تحقيق أعلى درجات الاستقلال المادي، بعيداً عن تبعية الزوج أو الأسرة، لكن هذا الهدف الأخير يُعرضهن للكثير من المشكلات قد تصل إلى فسخ العلاقة الزوجية وإنهائها، وهو ما حدث بالفعل مع السيدة أمينة (40 عاماً) من غزة، والتي أخبرتنا أنها اختارت أن تُنهي خمس سنوات زواج من أجل الحصول على حريتها الاقتصادية، كون الزوج لم يكن يسمح لها بالتصرف بأموالها إلا وفق هواه.
تؤكد السيدة أنها لا تُخالف أبداً مشاركة زوجها في تحمل أعباء الحياة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع منذ عشر سنواتٍ كانت هي الأقسى والأعلى في معدلات الفقر والبطالة بين المواطنين، وتُضيف أمينة لـ "الحدث": "ما أكرهه هو حب السيطرة والتنكر لحقوقي"، وتتابع بمزيد من الألم: "كان زوجي يُجبرني على أن أضع في جيبه كل ما أتقاضاه من راتب جراء عملي في القطاع الخاص، حتى أنه كان يمنعني من شراء الهدايا لأقاربي وأهلي تحت ذريعة أن بيتنا أولى"، هذه الذريعة لم تمر على أمينة التي قررت مُصارحته برغبتها في الاستقلال المادي والتصرف بأموالها وفق ما تشاء مع وضع النصف تقريباً تحت تصرفه لتلبية احتياجات المنزل التي لا يكفي لها راتبه، تقول: "ثارت ثائرته واعتدى عليَّ بالضرب فقررت تركه دون عودة".
تيقن أمينة أن ما تجنيه من عملها هو ملكها الخاص، ووحدها من يمكنها أن تتصرف به وفق احتياجاتها التي قد لا يُسعف راتب الزوج تلبيتها في ظل الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة في السنوات الأخيرة، وتشير أن ذلك لم يجعلها يوماً بخيلة على أسرتها فهي تعمل من أجل أن تُحسّن واقعها، لكن تهرب زوجها من مسؤولياته وحبه للسيطرة على أموالها جعلها تُفضل خلعه أمام القضاء بعد أن رفض طلبها للطلاق.
رفعت الراية البيضاء
وإن كانت أمينة رفضت الاستسلام لإمرة زوجها طلباً لتحقيق استقلالها المادي، فإنَّ هداية (38 عاما) من مخيم المغازي لم تستطع الاستمرار في المجادلة ورفعت الراية البيضاء لزوجها أملاً في حفظ أسرتها من الهلاك، تقول: "بعد خلافات وشد وجذب بيننا.. استسلمت"، وتُضيف أنَّ المحيط الأسري والاجتماعي كان له دوراً في استسلامها، فوالدها كان يرفض استقبالها في بيته بعد كل خلاف مع زوجها قائلاً لها: "البنت مالهاش غير بيتها وزوجها"، وتُضيف أنها وضعت بطاقة الصراف الآلي الخاصة بها تحت تصرفه وما إن يتم إيداع الراتب في البنك حتى يتقاضاه بدلاً عنها ويتصرف به كما يشاء.
السيدة التي تعمل في أحد المراكز الصحية بقطاع غزة، أشارت إلى أنه برغم أنَّ راتبها ملك لها ولا يحق لزوجها أن يتصرف به إلا بإذنها وموافقتها، أكدت أنها لم تعد تملك من راتبها سوى ما يتفضل به زوجها عليها، تقول: "نعم يشتري ما أحتاجه وما يحتاجه أولادي ولكني محرومة من ادخار بعضه أو حتى شراء هديه لأهلي منه.
ماذا يقول الشرع
لعل صعوبة الحياة الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة مقارنة بمعدلات الأجور في المجتمع الفلسطيني كانت سببًا في أن تُشارك المرأة في تحمل أعباء الإنفاق على الأسرة وتوفير بعض متطلبات الأبناء، لكن الشرع أبداً لم يُقر بذلك، وفي رأي أهل الفقه والدين فليس على المرأة تكليفاً شرعيًّا بتحمل النفقات، وإنما المسؤولية الكاملة من توفير المأكل والملبس والمسكن وكل متطلبات الحياة يتحملها الرجل مهما كثر مال الزوجة سواء من راتب أو ميراث أو غيره، وفي هذا الإطار يؤكد د. ماهر السوسي رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية أنه لا يجوز للزوج أن يتصرف بمال زوجته أو يأخذ شيء من راتبها أو ميراثها إلا إذا منحته هي ذلك بطيب نفس، وأضاف أنَّ "المرأة في المجتمع الفلسطيني وخاصة في ظل ما يُعانيه من أزمات كثيرة وندرة في الموارد وفرص العمل وارتفاع مستوى المعيشية ناهيك عن عدم حصول العديد من الأزواج على رواتبهم منتظمة بفعل الخلاف السياسي القائم بين شقي الوطن يجعلها مضطرة في كثير من الحالات للمشاركة في الإنفاق على أسرتها من باب التعاون والإحساس بالمسؤولية".