الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رحم الله ( حمورابي )! /بقلم: محمد شريم

إشارة

2016-11-02 11:04:21 AM
رحم الله ( حمورابي )! /بقلم: محمد شريم
محمد شريم

     

كثير ما تطالعنا به وسائل الإعلام من  حالات الخروج على القانون، بمختلف مظاهره، ابتداء من مخالفات القوانين والأنظمة المرورية، وانتهاء بجرائم القتل، حتى يصبح الأمر في كثير من الأحيان مقلقاً للناس بشكل عام، وللجهات المسؤولة عن تطبيق القوانين بشكل خاصّ.

      

والأسباب التي قد يخرج الإنسان على القانون لأجلها عديدة، ولا مجال الآن لذكرها. أما الحالات التي يخرج الإنسان فيها على القانون في أي بلد من البلدان، فتنحصر بالنسبة لعدد المنخرطين فيها ـ كما أرى ـ في حالتين : حالة الخروج الفردي، حتى لو قامت به مجموعة من الأفراد، وحالة الخروج الجماعي العام، ومن بين ذلك الثورات الشعبية، وهذه الحالة، أي الثانية منهما، ليست هي موضوع حديثنا في هذا السياق.

      

وما دام حديثنا هو عن الخروج الفردي على القانون، فإنه ليس لعاقل أن يبرر لأي كان أن يأخذ القانون بيديه، وأن يخرج على القانون مهما كانت الأسباب التي قد يتم التذرع بها لهذا الخروج، وجميعنا يذكر قصة رفض ( سقراط ) الهرب من الإعدام بتجرع السم بعد أن أعد له تلاميذه خطة محكمة تفتح أمامه سبيل الهروب، وذلك حتى لا يخرج على القانون، مع أنه قانون جائر. فالقانون هو السياج الذي يؤطّر للفرد والجماعة، للحاكم والمحكوم، مساحة حياتية آمنة لا يتطاول أحد فيها على حقوق الآخر، ولا تبغي فئة فيها على الأخرى، لأن اختراق هذا السياج يدخل الإنسان إلى مساحة من الفوضى والضياع والصراع ، وهي تلك المساحة التي أراد ملك بابل ( حمورابي ) أن يُخرج أبناء شعبه منها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ـ رأفة بهم ورحمة ـ عندما وضع شريعة تعتبر الأولى في التاريخ من حيث كونها متكاملة وشاملة لكل نواحي الحياة ـ على الرغم من قسوة عقوباتها بمقاييسنا المعاصرةـ ألا وهي الشريعة المسماة باسمه، وأعني ( شريعة حمورابي).

     

ومع ذلك، فإننا إذا أردنا أن نؤسس لمبدأ سيادة القانون فعلاً، فيجب علينا ألا نكتفي فقط بتوبيخ أولئك الذين قادهم تفكيرهم غير المتزن إلى الخروج على القانون، بل إن المنطق العملي يفرض علينا أن نسير  للوصول إلى هذا الهدف، أي سيادة القانون، بمسارين متوازيين: المسار الأول هو أن نعمل على إقناع الفرد بشكل عملي، وليس بشكل نظري إرشادي فقط، بأن من مصلحته الخاصة الالتزام بالقانون وعدم الخروج عليه، أما المسار الثاني فهو تطبيق العقوبات العادلة التي يفرضها القانون نفسه على كل من تسول له نفسه الخروج على هذا القانون.

      

وإذا ما أردنا الحديث عن كيفية إقناع الفرد بأن من مصلحته الخاصة الالتزام بالقانون وعدم الخروج عليه، فهنالك الكثير من المتطلبات التي يجب علينا أن نقوم بها لتحقيق هذه الغاية، ولكنها في نهاية المطاف تنحصر في متطلبين اثنين: الأول، يتلخص في وضع قوانين عادلة منصفة للجميع مواكبة للعصر وتفي بالحاجة، أما الثاني، فيتلخّص في وضع آلية لمراقبة تطبيق هذه القوانين على جميع المواطنين، من حاكمين ومحكومين، دون تمييز. فالمواطن الذي يشعر أنه يعيش تحت مظلة قانون مفعّل يحميه ويحمي حقوقه ويستردّ له ما انتُزع منها، ولا يفرق بين شخص وآخر، ولا بين فئة وأخرى، وإلى جانب ذلك يجد أن خروجه على هذا القانون ليس فقط يحرمه من حمايته، وإنما يوجب عليه عقوبة الخروج عليه، لا شك أن هذا المواطن سيشعر أن من مصلحته الالتزام بالقانون، وسيكون هو الرقيب على نفسه في الالتزام به، وهل من رقابة على الإنسان أكثر نجاحاً وأقوى تأثيراً من أن يراقب الإنسان نفسه ؟!

       

وبعد، فإنه لا يشعر الإنسان بقيمة الصحة إلا عندما يفقد العافية، ولا يدرك الإنسان أهمية القانون والنظام إلا حينما تسود الفوضى، وعندما تسود الفوضى وتحكم شريعة الغاب لا يرحم القوي الضعيف، مثلما لا يرحم الذئب الحمل، ولذلك فقد رحم ( حمورابي ) شعبه من الفوضى وما يترتب عليها بشريعته التي وإن كانت ( بدائية ) إلا أنها كانت أسست لمجتمع يسوده قانون شامل متكامل ـ كما أسلفنا ـ فإذا استذكرنا في هذا السياق الحديث الشريف الذي يقول: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) فإنه لمن الواجب علينا ـ بكل تأكيد ـ أن ندعو لـ ( حمورابي ) بالرحمة. رحم الله ( حمورابي )!