الحدث- روان سمارة
البحث عن مصدر رزق في هذه البلاد هو كالبحث عن إبرة أضعتها في كومة قش، وهو ما يجعل من الأيدي العاملة على اختلاف أشكالها هدفا سهلا للمستغلين من التجار وأصحاب رؤوس الأموال.
تعبئة التبغ، أو "لف الدخان" بحسب اللغة الدارجة، مهنة جديدة تعمل بها آلاف الأيدي العاملة الفلسطينية، ويتنوع العاملون بها بين العاطلين عن العمل والذين يجدون فيها مصدر رزق وحيد، وبين موظفين وعمال يمارسونها للحصول على دخل ثانوي يعينهم على نفقات الحياة.
سارة عبد الحميد، طالبة جامعية في سنتها الأخيرة تقول لـ"الحدث": "هي ليست مهنة قانونية، وهي تشهد أشكال استغلال كبيرة للأيدي العاملة من نساء ورجال وحتى أطفال، ولا أدري إن كانت حرفة لكن ما أعلمه من متابعتي واطلاعي هو أنها تؤمن دخلا لا بأس به لعدد من الأسر".
تعمل سارة في تعبئة الدخان لاثنين من التجار وتتقاضى على كل مئة سيجارة ما لا يتجاوز أربعة شواقل، تقول سارة: "يختلف السعر بين الدخان العربي ودخان الشركات، فالمئة سيجارة من الدخان العربي أتقاضى عنها 3.5 شيقل، بينما أتقاضى عن نفس الكمية من دخان الشركات 4 شيقل".
تقضي سارة في تعبئة المئة سيجارة ما يقارب النصف ساعة، وهي ترى أن مبلغ 4 شواقل هو مبلغ زهيد جدا مقابل حجم العمل والجهد الذي تبذله، وتروي لـ"الحدث": "أقضي نصف ساعة في تعبئة مئة سيجارة، والأمر لا يتوقف على التعبئة فقط، فنحن نضطر أحيانا لتجفيف الدخان أو ترطيبه؛ ليصبح مناسبا للتعبئة".
سارة التي تقيم في إحدى قرى محافظة سلفيت تقول أن "لف الدخان" ساعدها على تأمين مصروفها الشخصي، وجمع جزء من قسطها الجامعي على مدار ثلاثة أعوام، دون أن تضطر للخروج للعمل خارج المنزل، تقول: "بدأت في هذ العمل منذ عامين، وجعلني هذا العمل أحقق استقلالا اقتصاديا عن عائلتي التي تعتمد في تأمين رزقها على مردود مالي بسيط من دكان بقالة".
يؤمن التاجر الدخان، والفلاتر، إضافة لماكينة التعبئة، والأغلفة ليقوم العاملون بتعبئة الدخان، يقول حمادة اشتيه من سلفيت لـ"الحدث": "يعمل معي ما يقارب الثلاثين عاملا وعاملة، وهم جميعا يقومون بتعبئة الدخان، وأنا أتكفل بجلب كل الأدوات اللازمة والمواد الخام لأحصل على الدخان في مغلف جاهز للتسويق، حيث أقوم بتوزيعه على المحال التجارية".
فلاتر الدخان التي يتم تهريبها من اسرائيل
وعن تغليف الدخان المعبأ يقول اشتيه: "هناك ما يعبء في أكياس بلاستيكية، وهذه هي الطريق التقليدية أما حديثا فقد أصبح الزبائن يطلبون غلافا كرتونيا يشبه أغلفة الدخان العادية".
ويذكر أن تجار الدخان يستخدمون أغلفة مزورة تحمل أسماء علامات تجارية كبرى في عالم الدخان، وعن ذلك يقول اشتيه: "الزبائن يفضلون الباكيتات الكرتونية فهي أفضل في الشكل، والتخزين، فقد كنا نعاني من تساقط الدخان في الأكياس العادية عند نقلها".
لم تتطور أغلفة الدخان المعبأ فقط، بل تطورت أشكال التعبئة وأدواته أيضا، تقول رجاء أحمد إحدى العاملات في تعبئة الدخان لـ"الحدث": "كنت أعبء الدخان باستخدام الماكينة التقليدية، أما الآن فتوجد ماكينات تعمل على الكهرباء، وأخرى تعبء خمس سجائر في المرة الواحدة، وهو ما يعني إنتاجية أكبر، وجهدا أقل".
وعن الفرق في التعبئة بين الماكينات التقليدية والحديثة تقول رجاء: "بعيدا عن الجهد والوقت، فالتعبئة بالطريقة التقليدية من الممكن أن تتسبب في إتلاف السيجارة، أو عدم تعبئتها بالشكل المناسب، وفي حال التلف فنحن من يتحمل المسؤولية، فالتاجر يسلمنا عدد فلاتر محدد، والفرق في عدد السجائر المسلم يخصم مما نتقاضاه".
النقص في عدد السجائر لا يكون سببه تلف الفلاتر فقط، يقول خالد سلامة لـ"الحدث": "قد يكون النقص نتيجة للدخان وليس الفلتر فقط، فالتجار يقومون بتسليمنا الدخان بالكيلو، وكيلو الدخان الواحد من المفترض أن يكفي لتعبئة ألف سيجارة، لكننا قد نستلم الدخان رطبا مما يزيد في وزنه، وعند جفافه يكون هناك نقص في كمية السجائر ونحن من يتحمل النتيجة".
تعمل في تعبئة التبغ فئات عديدة من المجتمع الفلسطيني، فمن القرى للمدن، ومن الطلاب للمعلمين، ومن العاطلين عن العمل لموظفين، يقول سلامة لـ"الحدث": "أنا أعمل في وظيفة حكومية، وينتهي دوامي قرابة الثالثة، ولأنني لا أستطيع الاعتماد على راتبي الحكومي، ولا أستطيع العمل في مهنة أخرى لجأت لهذه المهنة، التي وإن كانت مرهقة جسديا لكنها تعينني على العبء الاقتصادي المترتب علي نتيجة بناء منزلي".
سلامة لا يعمل وحده فعائلته جميعا تعمل في تعبئة التبغ، يقول: "أنا وزوجتي وابني نعمل جميعا في "لف الدخان" فهي مهنة مرهقة لكنها بسيطة، ولا تحتاج لكثير من الجهد لاكتساب مهاراتها".
عائلة سلامة ليست الوحيدة التي تعمل في هذه المهنة بشكل عائلي، يقول سلامة: "أنا من نابلس، وأعرف أسرا كاملة تعمل في هذا المجال من جنين وحتى الخليل، والرابط الوحيد بينهم هو الحاجة، لكن الفرق هو في حجم العائد، فهو قد ينخفض لـ2.5 شيقل في مناطق جنين بينما يصل في سلفيت لـ 4 شواقل لكل مئة سيجارة".
التاجر خليل الأشقر يقول أن الاستغلال هو أمر غير حقيقي، فالتاجر يشتري كيلو الدخان بمبلغ 120 شيقل، ويدفع للعاملين على التعبئة 40 أو 35 شيقل، أي أن هامش الربح لا يتجاوز 90 شيقل للكيلو الواحد.
ويرى الأشقر أن من يحقق الربح من الدخان هم تجار الجملة والمزارعون، أما تجار التجزئة فهم مستغلون أيضا.