الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فتح والامتحان تحت المجهر/ بقلم: نور عودة

وعلامة رفعه الفكرة

2016-11-22 09:36:30 AM
فتح والامتحان تحت المجهر/ بقلم: نور عودة
نور عودة

مراسلة تلفزيون القدس التعليمي تتجول في شوارع رام الله حاملة صورة لخليل الوزير (أبو جهاد) رحمه الله وتسأل المارة من الشباب والكبار عن هوية الصورة. معظم الأجوبة كانت خاطئة، وكان هناك من قال إنه يعرف أن الوجه يعود لشخصية وطنية ما لكنه لا يذكر الاسم. التقرير في حد ذاته رسالة لكل الأحزاب السياسية وعلى رأسها حركة التحرير الوطني (فتح)؛ رسالة مفادها أن الاستكانة عنوان التدهور وأن الارتكاز على الشعارات لا يمكن أن يبني ذاكرة جمعية لمجتمع لا زال يقارع احتلالا يستهدف ذاكرته وهويته وثقته في قدرته على إنجاز الهدف الوطني المتمثل بالحرية. التقرير أيضاً يكشف مسؤولية المجتمع الذي حول المناسبات الوطنية إلى كرنفالات تخلو من أي عمق، ينفر منها جيل الشباب لأنها لا تحتوي إلا على بيانات تجتر شعارات كبيرة ورنانة لا تعني له شيئا. هو مكاشفة لمن لجأ للقشور في تعريف الذات؛ فسلخ الحاضر عن الماضي بدل أن يرسخه امتداداً لنضال وتضحيات من سبقوا وبهذا قزم ماضينا واختصره بشواهد القبور، محدثاً حالة عامة من التفكك وغيابٍ أو تغييبٍ للذاكرة الجمعية.

 

وقد سبق تقرير القدس التعليمي دلالات أخرى على ما نحن فيه من تسطيح للأمور وغياب للوعي الجمعي الذي يربط أي مجتمع قوي وحيوي، من هذه الدلالات حملة من التهكم والاستهزاء بذكرى إعلان وثيقة الاستقلال. في الوقت الذي ازدحمت فيه وسائل الإعلام التقليدية ببيانات فصائلية حول هذا اليوم، أُثقلت بالعبارات المكررة والمصطلحات الرنانة، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بآلاف التعليقات الساخرة حول ذات المناسبة باعتبار أنها عطلة رسمية أقرب إلى النكتة كونها تحتفل باستقلال غير منجز. هذا الانفصام جسد الهوة الموجودة بين غالبية الشعب الفلسطيني والقيادة السياسية التي أنجزت بهذا الإعلان الذي جاء نتاج إجماع وطني وسياسي قل نظيره، وأحدث نقلة نوعية في العمل السياسي، وعكس سيادة القرار الوطني الفلسطيني واستقلاله، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة لنضال الشعب الفلسطيني ظلت موصده أمامه لعقود قبل ذلك.

 

هذه الهوة لن تختفي بشكل ذاتي ولن ترمم الفجوة الصارخة في الوعي الوطني نفسها بالبيانات والشعارات. في عصر السرعة والمسافات المتقلصة، لا يمكن لشعبنا أن يعيد بناء نظرة وطنية تجمعه وتوحده دون نقلة نوعية في الآداء ترتقي لمستوى التحديات وتلامس مكامن الخلل دونما مكابرة.

 

في هذه الأيام، تستعد حركة فتح لعقد مؤتمرها السابع وسط اهتمام فلسطيني وعربي ودولي كبير، وصخب عادة ما يصاحب مؤتمرات فتح التي أسس كلٌّ منها لمرحلة جديدة في مسيرة النضال الطويلة لفلسطين ولفتح. لكن المؤتمر السابع لفتح يواجه مصاعب وتحديات جديدة لا تنحصر في مواجهة ضغوط خارجية وداخلية تريد حرف مسار تاريخ وسيرة شعب بأكمله، بل تتخطى هذه المخاطر لتصل للحبل الشوكي للحركة والمتمثل بقاعدتها الشعبية التي باتت تناصر فتح دون أن تعرفها أو تلامس هويتها.

 

وبالعودة للمؤتمر، فتح تعقد مؤتمرها هذا تحت المجهر، بحيث يشارك كل أبناء الشعب الفلسطيني في النقاش حول انعقاده وعضوية أعضاءه وأهلية مرشحيه وغيرها من التفاصيل. والحق يقال إن ما من فصيل فلسطيني آخر يتعرض لمثل هذا التمحيص في مؤتمراته التي – إن عُقِدَت – فهي تُعقد بعيداً عن مساءلة الإعلام، وشفافية الانكشاف على الكل الفلسطيني. هذه المكاشفة تعود لأسباب عدة أحدها هو طبيعة الحركة التي نسجت نفسها في تفاصيل حياة الشعب، وباتت تخصّ الجميع بغض النظر عن الانتماء الحركي. البعض يرى في ذلك أحد مكامن قوى فتح التي تخطت نصف قرن من الريادة والقيادة في الساحة الفلسطينية، وآخرون يرون هدا الانكشاف أحد عناوين الخلل الذي أفقد فتح خصوصيتها التنظيمية، وأسقط عنها حق أي تنظيم في التداول بشأن السياسات والمواقف في الأطر التنظيمية المغلقة بحيث أصبح الجدال والخلاف داخلها شأناً عاماً ومتداولاً بين الناس. في كل الأحوال، الحقيقة أن الوطن ينتظر نتائج مؤتمر فتح السابع.

 

المطلوب من أعضاء المؤتمر أن يقودوا نقاشاً عميقاً وجدياً حول القضايا المتعلقة بالكل الوطني وليس فقط بالكل الفتحاوي. لدى فتح فرصة ذهبية في هذا المؤتمر أن تثبت لنفسها وكوادرها من الشباب أولاً أنها قادرة على مواجهة التحديات واجتثاث المعيقات من جهة، ووضع سياسات قادرة على إعادة الروح للوعي الجمعي الفلسطيني الذي يشكل نقطة ارتكاز أساسية لصمود المجتمع في وجه الاحتلال وانتصاره على محاولات الطمس والتهجير والنفي إلى غياهب النسيان.

 

فتح مطالبة أن تثبت لنفسها وللشعب الذي يتابع تفاصيل حراكها التنظيمي أنها قادرة على التجديد في الفكر والأشخاص والفئات العمرية. القيادة ليست قدراً ومقاعد الهيئات القيادية في فتح، لا يجب أن تكون قدراً مقدراً أو حكراً على أحد. المطلوب دماء جديدة عمرياً وفكرياً وتركيبة تنظيمية لا تستكين للآداء الإعلامي والمهرجانات الشعبية سبيلاً لتعزيز وجود الحركة ودورها القيادي؛ لأن تركيبة المؤتمر السادس أثبتت قصورها في هذا السياق وكشف آداؤها عن مكامن ضعف وجب معالجتها. فتح ارتضت أن تخوض هذا الامتحان على الملأ، ولها ذلك، وللمجتمع أيضاً أن يرى ويقيم الآداء في هذا الامتحان.