الثلاثاء  11 تشرين الثاني 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 74| "اذا رحلت انثروني في جوامع الدعاء".. لهذا السبب سجنت جورين

2016-11-22 11:31:25 AM
في العدد 74|
جورين

 

الحدث- ضحى زهران

كان من المفترض أن تستيقظ كعادتها، وممارستها لـ "الروتين" المعتاد والذهاب إلى الجامعة، إلا أنها في ذلك اليوم لم تستيقظ على صوت أمها، بل على أصوات مختلفة لجنود الاحتلال، وصورة مجندة طبعت في عيني جورين طالبة الإعلام في جامعة بيرزيت، لتبقى المجندة معها في الغرفة وتبدأ بتفتيشها.

 

لبست جورين ملابسها الجامعية للذهاب إلى حيث لا تعلم، وانطلق صوتها بالنداء على والداها لتتفاجأ بضربة ألصقت رأسها بالحائط وأدت لتساقط قطرات من الدماء.

 

بقيت لمدة يومين في الجيب العسكري دون طعام ولا شراب، ولا قضاء حاجة حتى نهاية اليوم التالي، واقتادوها إلى معسكر آخر، أوراق كثيرة وضعت أمام جورين، تتعلق بحالتها الصحية وإذا ما كانت تعاني من أمراض، وسؤال أجابه الخوف "هل تعرضت للضرب؟"، فأجاب خوفها "لا"، ومن ثم وقعت على الأوراق، ليبدأ الضرب مجدداَ ولم تستطع بعدها الوقوف.

 

ساعة واحدة من النوم استطاعت جورين الحصول عليها بعد ما نالته من الضرب المبرح، كانت الساعة الثانية عشر منتصف الليل، ليوقظها صوت السجانة "قومي عليكي محكمة".

 

بدأت معاناة جديدة من ألوان المعاناة التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيين وهي "طريق البوسطا" بين السجن والمحكمة عندما يقيدون يداها بالسلاسل، وهبات هواء باردة تأتي من مكيف داخل "البوسطة" لا يرحم فيها برد الشتاء القارص، وملابس رقيقة أشبه ما تكون بملابس الصيف، أما نقاط الدماء فكانت تنزل على وجهها باردة، عندما يوقفون السيارة بشكل مفاجىء حتى يصطدم رأسها بجدار حديدي في السيارة.

 

وصلت جورين إلى المحكمة وما زال إصبعها الذي اعتاد على حمل القلم في الصحافة على التبصيم، في غرفة التحقيق أجبرت فيها على خلع الحجاب، ليأتي جندي يقوم بتصويرها مصحوبة بالألفاظ البذيئة، وأنهى التحقيق معها "هل تنتمين لحزب معين؟".

 

ظلت جورين حتى يوم المحكمة لا تعلم ما هي تهمتها، وبعد عقد الجلسة علمت بتهمتها من محامي الجامعة، وكانت بسبب منشور دونته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "إذا رحلت اندثروني في جوامع الدعاء"، كانت قد نشرته قبل شهرين من سجنها.

عادت جورين مجدداً إلى السجن، وقضت أيامها تستيقظ من الصباح للتفتيش والذي كان أغلب الوقت عاري، واختصرت معاناة أيامها بكلمة "شوفت الذل بحد عينه".

 

داخل سجن هشارون قضت مدة شهر ونصف من فترة اعتقالها، ليأتي موعد المحكمة الثانية وقتها حكم القاضي عليها حكما ظالما بالسجن لثلاثة أشهر إدارية، في الوقت الذي لم تعلم فيه جورين معنى الاعتقال الإداري، لأنها كانت طالبة سنة أولى في كلية الإعلام، ولم تتعرف على هذه المفاهيم، لتكون جورين أول أسيرة إدارية بعمرها في فلسطين.

 

ساءت حالة جورين في السجن وتم نقلها إلى مستشفى الرملة بعد أن علمت بمعنى السجن الإداري، واعتبرت قضاءها لبعض الوقت في المستشفى أفضل من السجن، رغم نومها على الأرض هناك، والألفاظ التي كانت تلقى عليها من فوق.

 

عادت جورين من المستشفى إلى سجن "رامون"، وازداد الوضع سوءا، كانت هي والأسيرات يجلسن مع شخص آخر لم يكن يعلمن أنه من "شبكة الإسقاط" داخل السجن الجنائي.

 

يوم 27 كانون الثاني مطلع هذا العام كان من المفترض أن تعانق جورين حريتها، وتعود إلى المنزل وإلى أحضان أهلها الذين لم تكن تعلم عنهم أي شيء طيلة الشهور الثلاثة.

 

صلت جورين صلاتها الأخيرة على أرضية سجن لا يرحم، راجية الله أن يفك أسرها، بعدها قامت الأسيرات بعمل حفلة وداع لها في طقوس تقليدية لدى الأسرى الفلسطينيين، ولكن الفرحة غلفها خوف تجديد الاعتقال الإداري، ونادت السجانة للمرة الأخيرة على جورين لتجهز نفسها بعبارة "جورين شحرور".

 

خرجت جورين من الباب تاركة خلفها قصص أخرى تستحق أن ترى النور لـ 61 أسيرة فلسطينية.

 

وتقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الهبة الجماهيرية (انتفاضة القدس) في شهر أكتوبر العام الماضي، بفرض رقابة مشددة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وما يدونه الفلسطينيون، بذريعة التخوفات من التحريض على الإرهاب.

 

وبلغت حالات الاعتقال على خلفيه التحريض على "الفيس بوك" (250) حالة اعتقال منذ اندلاع "انتفاضة القدس"، من بينها نساء وأطفال، منهم من تم تحويله إلى الاعتقال الإداري كما حصل مع جورين، وبعضهم فرضت عليه محاكم الاحتلال أحكام فعلية وغرامات مالية كالأسيرة الصحفية سماح دويك من القدس، والتي أمضت 6 اشهر في السجون على خلفيه التحريض .

 

كما ويقوم الاحتلال عادة بإغلاق صفحات الشهداء الفلسطينيين، حتى لا تصبح تدويناتهم مشجعة لتنفيذ عمليات جديدة، وهو ما حصل مؤخراً عندما أغلق الاحتلال صفحة الشهيد مصباح أبو صبيح.

 

كل هذه التخوفات دفعت الاحتلال إلى الضغط على "الفيس بوك" ومطالبة إدارته بزيارة إسرائيل، وهو ما أدى توقيع اتفاقية بين إدارة "فيس بوك" وسلطات الاحتلال خلال هذه الزيارة في شهر سبتمبر الماضي، وتقضي هذه الاتفاقية بإزالة صفحات شخصيات، وصفحات مواقع إلكترونية فلسطينية عن الموقع الشهير بداعي التحريض.

 

ضحى زهران: طالبة إعلام في سنتها الرابعة في جامعة بيرزيت، متدربة في صحيفة "الحدث".