غزة- محاسن أُصرف
ما إن أبدى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" استعداده للوساطة بين الاحتلال وحماس لعقد صفقة تبادل، خلال مقابلة تلفزيونية مع القناة العبرية الثانية قبل أيام؛ حتى عاد الملف الأكثر وجعًا في تاريخ إسرائيل إلى الظهور إعلاميًا، لكن هذه المرة على لسان رئيس الدولة المزعومة "رؤوفين ريفلين" الذي لم يتردد كثيرًا حتى أعلن طلب النجدة من تركيا؛ للتدخل لإعادة جنوده الذين أُسروا لدى المقاومة في غزة خلال حرب 2014، وأعلنت عنهم حماس على مراحل.
ويبدو أن إسرائيل تسير بخطى ثابتة في اتجاه منح تركيا الوساطة الرسمية لإنجاز صفقة التبادل مع "حماس"، مستغلة في ذلك الاتفاق الذي أنهى القطيعة بينهما خلال ست سنواتٍ ماضية، بعد الاعتداء على سفينة مرمرة خلال 2010، وبحسب القناة العبرية الثانية فإن هذه المرة ليست الأولى التي تطلب فيها "إسرائيل" تدخلًا تركيًا، مؤكدة أنها سبق وطلبته خلال مباحثات استئناف العلاقات الثنائية لتحسين العلاقات الاقتصادية وكذلك أخبرت بأن الطلب سيكون موضوعًا على طاولة اعتماد السفير التركي الجديد لدى الاحتلال قريبًا.
لكن هل يُمكن للشرط الذي وضعه أردوغان، والذي ينص على تبني مطالب "حماس" بإخراج الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية وخاصة ذوي الأحكام العالية، وأولئك الذين عاودت إسرائيل اعتقالهم بعد تحريرهم في صفقة التبادل الأولى بالجندي الأسير شاليط؛ هل يمكن أن يجعل تحقيق الصفقة قاب قوسين أو أدنى؟
محللون في الشأن الفلسطيني أكدوا أن أمر "صفقة التبادل" محكوم برغبة إسرائيل في إنجازها، مؤكدين أن تعنتها في الانصياع لشروط المقاومة سبب في عدم إنجازها حتى اللحظة، وتوقعوا في أحاديث منفصلة مع"الحدث" إمكانية توقيع الصفقة قريبًا خاصة في ظل تبني تركيا لمطالب المقاومة في غزة بإنجاز صفقة مُشرفة يخرج فيها أسرى فلسطينيون.
تركيا تتبنى مطالب المقاومة
وقال مصطفى الصواف الكاتب والمحلل السياسي: "إن التصريحات الأخيرة للرئيس التركي من شأنها أن تُحرك المياه الراكدة في الصفقة"، مشيرًا إلى أن التصريحات أكدت للاحتلال أن تركيا لن تكون آداة ضغط على حماس لإتمام الصفقة ،دون أن تدفيع إسرائيل ثمنا باهظا كالإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار الذين اعتقلتهم إسرائيل بعد تحريرهم في الصفقة الأولى المبرمة عام 2011، بالإضافة إلى الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال عمومًا.
وقال الرئيس التركي أردوغان في رده على سؤال القناة العبرية الثانية عن الجنود الأسرى الإسرائيليين لدى حماس أنه "مستعد للمساعدة في هذا الملف إذا استعدت إسرائيل للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين".
ورغم ذلك نفى الصواف أن يكون دور تركيا حتى اللحظة قد تجاوز الأحاديث الإعلامية، مؤكدًا أن لا خطوات عملية على طريق إنجاز الصفقة، وفي هذا السياق طالب المقاومة الفلسطينية في غزة بالعمل على دفع الشارع الإسرائيلي والرأي العام إلى الضغط على حكومته للمضي باتجاه إنجاز الصفقة ودفع استحقاقاتها لدى المقاومة والشعب الفلسطيني والأسرى الذين يقبعون خلف القضبان مُضحين بأرواحهم من أجل القضية والوطن، وتابع بالقول: "إن إنجاز صفقة تبادل جديدة يبدأ من تحريك الجبهة الداخلية الإسرائيلية"، مُشيرًا إلى أن ذلك لا يُقلل من دور أي وسيط لإنجاز الصفقة.
مازالت في مراحلها الأولية
فيما أكد محمد منصور المحلل السياسي، أن الصفقة ما زالت في مراحلها الأولية، ولم يدخل موضوع التبادل حيز الجدية في التفاوض، وقال: "إن ما يجري محاولة إسرائيلية لاستثمار علاقاتها بشكل قوي مع أي دولة يُمكن أن تُشكل ضغطًا على المقاومة".
وحتى الآن لا يُعرف عدد ومصير الجنود الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، فهناك من يقول أنهم أحياء، وهناك من يُشكك، وفي هذا السياق يؤكد "منصور" أن وجود معلومات حقيقية بدلائل من شأنها أن تُعطي زخمًا كبيرًا لعملية التبادل، وأشار إلى أن حديث إسرائيل عن فقدان إسرائيليين اثنين دخلا إلى قطاع غزة بصورة غير قانونية خلال العامين الماضيين، وأن أحدهما من أصل إثيوبي والآخر من البدو، لا يُشكل عامل قوة في تحريك صفقة التبادل، مستدركًا أن المقاومة وحدها من تملك تحريك الملف، خاصة في ظل اقتناع الشارع الإسرائيلي بأن الجنديين الذين كشفت عن وجودهم لديها بعد الحرب على غزة وهما "آرون شاؤول"، و"هدار جولدن" موتى، وأضاف لـ "الحدث": "إسرائيل ستبدأ بالتفاوض بشكل جدي حينما تُيقن مصير جنودها".
وترفض حركة "حماس" بشكل متواصل، تقديم أي معلومات حول الإسرائيليين الأسرى لديها، وتشترط عدم التفاوض في هذا الموضوع إلا بعد الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار التي أُنجزت عام 2011 بتحرير 1027 أسير فلسطيني مقابل الجندي الأسير جلعاد شاليط.
وبيّن "منصور" أن صعود الدور التركي في الآونة الأخيرة، ومطالبة الرئيس الإسرائيلي "ريفلين" للرئيس التركي أردوغان بالقيام بدور في تحريك المياه الراكدة في الصفقة لدى "حماس"، ما هو إلا استجابة للضغط من قبل عائلة الجندي آرون شاؤول التي طالبت مرارًا بالتدخل بعد إبرام اتفاقية تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل من جديد، وتابع أنه على الرغم من عدم احتواء الاتفاق على تدخل تركيا ومساعدتها لإسرائيل في الكشف عن مصير جنودها الأسرى لدى حماس، إلا أن عملية تبادل السفراء وتنصيبهم لدى الدولتين في الأسابيع القادمة من شأنها أن تفتح المجال لصعود صفقة التبادل إلى السطح، واتخاذ إجراءات لتحريكها من قبل تركيا دون تشكيلها ضغطا على أي من الأطراف.