الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أنا .. مطلقة !! / بقلم : ريم أبو لبن

2016-12-01 01:05:26 PM
 أنا .. مطلقة !! / بقلم : ريم أبو لبن
طلاق

 

 

كانت ترتدي الساعة الذهبية في يدها اليسرى، وعلى غير عادة، فهي لا تحب اقتناص الوقت، او انحناء النظر للأسفل؛ لتتعقب عقارب الساعة وترصد الوقت.

 

ولكن في غرفة الانتظار، كان الوقت يداهم انشغالها بالنظر إلى مرآتها، التي لطالما أطاعت جمالها، وأرضت أنوثتها، والتي وجدها البعض ملاذا بعد أن لقبوها بـ "المطلقة".

 

تنصلت من نظرات المحدقين إليها في غرفة الانتظار داخل المحكمة الشرعية في رام الله، وأمعنت بما فيها داخلها، وهي لم تشبع بذلك فضول البعض لمعرفة سبب قدومها للمحكمة، وجلوسها في زاوية المكان، وعلى كرسي أصفر اللون، وبجانبها سامية (23) عاماً، والتي حرمها زوجها من رؤية أبنائها بعد الطلاق، وقد لجأت للقضاء، ظناً بالإنصاف، وقد تمسكت بخيوط الذكريات، واكتفت بقصاصة الورق التي تناثرت من بين يديها، وقد كُتب عليها "أمي نشتاق لك"، وكانت قد مزقتها في لحظة اشتياق للأمومة، ولوهلة احتضنت لعبة "لولو كاتي"، واشتمت رائحة طفلتها سلمى. سلمى التي لم يجفَّ عن فمها بعد حليب أمها.

 

تجلس هناك، وتدير ظهرها للمارة، وكأنها تخفي خلف ملامحها قصصاً وحكايات مخبَّأة داخل حقيبتها الملونة، وقد تستدير لوهلة لتسترق بعض الجمل السعيدة، والتي كتبت في قصة ساندريلا، وكانت تنظر لقدميها طيلة جلوسها، ظناً بأنها نسيت حذاءها، وبأنَّ فارس أحلامها سيلتقطه ويعدها بالزواج. وهي لا تعلم بأنَّ أحلامها ستتكئ على رجل عجوز يتكئ على عكازة.

 

تُرى.. لماذا كانت علياء ترتدي معطف زوجها المنقوش بالخطوط العريضة حول عنقها؟ فهل تخاف أن تنسيها حاسة الشم رائحة زوجها "المؤقت"، أم أنها تخفي كدمات سوداء لن تنساها طوال حياتها؟

 

اقتربت مني وتنهدت، وأوقعت خاتم الزواج مصادفة، وقالت: "أذكر حين قيل لي في ليلة زفافي، علقي العجينة على الباب، فإن تماسكت، فتكونين خيراً، وتستمر الحياة الزوجية في عسل، وإن سقطت.. فلا حول ولا قوة إلا بالله، وها أنا الآن أنتظر القرار.

 

الساعة الثانية عشرة ظهراً، والأقدام لم تتوقف عن الحركة ذهاباً واياباً، وعيناي لم تكفان عن التقاط صور الأحذية المارة وبماركات مختلفة، حيث كانت تسير بخطى واثقة، حتى أنَّ البعض أسرف في الحفاظ على لمعانها، وتلك الخطى الثابتة تعكس لهفة المحامي للتسابق من أجل اقتناص القضية والفوز بها، بعد أن قضى ساعات وأيام في تجميع الأدلة والشهادات، والمخبأة في أسرار داخل الحقائب الجلدية السوداء أو البنية.

 

كنت دائماً أتساءل عما تحويه تلك الحقائب!، وأذكر أنه قيل لي ذات يوم، بأنَّ الحقائب لا تعلم مصير ما بداخلها، فماذا سيكون مصير هؤلاء، وكذلك أنا؟!

 

اقترب موعد الجلسة، وتخاذل عن القدوم من جلس على منصة الزفاف (اللوج)، وكان يرتدي البدلة السوداء، ويعتلي الـ "أنا"، فلم يغيّر طباعه، ولم يبدل أحواله، وهو قد أخلف الوعد مجدداً، كما أخلف الموعد مع السعادة.

 

وقد قيل لي بأنه غادر، وترك آخر ما تبقى من الذكريات، وجمد أوراق السفر داخل محفظته السوداء، وأقلع إلى غير عودة، ولم أتفاجأ من تكرار ما حدث، وكان لا بد أن يحدث..

 

قد يكون علمني أهمية الوقت، واغتنام الفرص، ولكنه لم يعلمني الحنين إليه، حينما أصبحت القضية بيد الحاكم، وكنت أنتظر وسمي "بالمطلقة".

 

وكان الذي يدور في ذهني حينها، هل تستحق 5 أشهر قضيت في الزواج، أن يثبت نتاجها في الهوية الشخصية، وحسب ما حددته السلطة الفلسطينية في خانة الحالة الشخصية، بأنني مطلقة؟ هل سأستحي من إخراجها عند إجراء المعاملات الحكومية؟ وهل يحتاج الطلاق إثباتاً أمام إجراءات السفر؟ وكيف لي أن أخفيها أمام أعين الجندي الإسرائيلي، حتى لا يشمت بي! وقد أبالغ في التوقعات، ولكن الكلمة بحد ذاتها قد تحتمل الانتقادات، وقد تذاع في مجتمع لا يدرك معنى الكلمة، ولا  يترقب سوى الكلمات التي تقال على لسان فلان وفلان.

 

وبعد أن تحررت علياء، ألقت بمعطف زوجها أرضاً، وأشهرت الستار عن الكدمات.. ولكن ماذا قيل عنها؟ وكيف نظرت بعض فئات المجتمع لجسدها؟ فهل تمكنت من العودة لمنزل والدها الساعة 9 مساءً، دون أن تراقب من أعين البعض، ودون أن تتشاجر مع أخيها الصغير، الذي رفض تطليقها.. وماذا كانت النهاية؟ فقد قتلت لأنها لم تراقب الساعة، ولكن أبناء المنطقة لا يعلمون بأنها طبيبة، وبأنها تقضى وقتها ليلاً ونهاراً في معالجة الأطفال، فكيف لمن تعمل بإنسانية أن تُقتل هكذا على عجل؟ فقط لأنها "طُلّقت"، فالعيب ليس بالكلمة، وإنما في المجتمع ذاته!.