معاناة "قاسم" تختصر مأساة أطفال غزة بعد الحرب الأخيرة
غزة- محاسن أُصرف
صَدمت صورة الطفل "قاسم سليم قلجة" من منطقة السنافور شرق مدينة غزة، بوجهه البريء وجسده المُلطخ بالسواد غير المبرر طبيًا حتى الآن؛ الفلسطينيين في كل مكان خاصة بعد مناشدة عاجلة قدمها والده عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لإنقاذ ابنه "قاسم" والعائلة جميعها من دوامة الفقر التي قد تودي به وبطفليه "نبيل، وقاسم" لموتٍ مُحقق حيث يُعاني نبيل 3 سنوات من فشل كلوي وينتظر الخروج من غزة لمستشفيات الداخل المحتل غير أنه لا يملك من المال ما يُمكنه أن يصل به إلى المستشفى هناك.
وتصدرت صورة الطفل الغزي "قاسم" الذي أتم عامه الثاني مطلع يناير الحالي، صفحات المواقع الإخبارية وتناولها رواد التواصل الاجتماعي، في وقتٍ اعتبرت أمُه "إيمان قلجة" 24 عامًا أن مصاب فلذة كبدها يعود إلى استنشاقها غاز القتل الإسرائيلي أثناء حرب 2014 حين كان مستقرًا في أحشائها جنينًا.
وبحسب الأم "إيمان قلجة" فإن ابنها "قاسم" وهو أصغر أبنائها الأربعة، منذ اللحظة الأولى لولادته وجدت على جسده بقع سوداء كبيرة تُغطي معظم جسده من أعلى الصدر والظهر حتى أسفل الفخذين، وتُشير بألم يخنق صوتها أن أحدًا من الأطباء في مستشفيات غزة استطاع منذ ولادته حتى الآن تشخيص حالته المرضية، تقول: "كل ما أخبرونّا به ضرورة نقله للخارج علّه يجد علاجًا يُعيد له صحته ويجعله يمارس حياته طبيعية كأي طفل في عمره"، تصمت قليلًا وتتجاذب أطراف الحديث جدته (أمه لأبيه) تؤكد: بعد ولادته جاءتني القابلة لتُخبرني بأن جسد الطفل غير طبيعي وسألتني إن كان ذلك يوحي بمرض وراثي في العائلة، تدمع عينا الجدة وتُشير أنها لم تحتمل رؤية جسده في ذلك الوقت وسقطت مغشيٌ عليها، تقول: "إن والديه لم يتركا باب طبيب أطفال تخصصي في غزة إلا وطرقاه لكن دون جدوى، لم يعرف أحد سبب علته"
انتشار البقع وظهور شعر كثيف عليها
"إيمان" والدة الطفل التي يبدو أنها اعتادت الألم وقسوة الحياة بدت أكثر تماسكًا وهي تُشير لحالة ابنها، أكدت لي أنه بعد بلوغ "قاسم" شهره السادس بدأ الشعر يظهر على جسده بشكل كثيف بالإضافة إلى انتشار بقع صغيرة أخرى في يديه وقدميه، وتخشى السيدة إن لم تُشخص حالة ابنها بالشكل السليم ويتلقى العلاج العاجل أن يستمر انتشار البقع فتغيب ملامح وجهه البريئة ويُصبح بلون الليل، وتُضيف: أنها لا تملك له شيئًا في ظل الوضع الاقتصادي الذي يُعانيه زوجها وحالته المرضية التي تُعجزه عن العمل الثقيل، تقول:" إن قاسم بحاجة لملابس خاصة "قطنية ناعمة" لكنها أبدًا لا تستطيع توفيرها فهي ربة منزل وزوجها عاطل عن العمل ولا أحد من عائلة زوجها أو عائلة والدها باستطاعته المساعدة كونهم جميعًا كما حال أهل غزة يُعانون الفقر والعوز بعد الحرب الأخيرة 2014".
فيما يروي لنا "سليم قلجة" 34 عامًا والد الطفل والذي تخرج من تخصصين جامعيين إحداهما لغة عربية والآخر علوم سياسية، كيف عجز عن توفير متطلبات الحياة الكريمة لأسرته، فبالتزامن مع تخرجه من الجامعة واجه الانقسام الفلسطيني وانعدام التوظيف في المؤسسات الحكومية، وبعدها بوقتٍ قصير اضطر أن يتبرع بإحدى كليتيه لابنه "نبيل" ثلاث سنوات الذي ولد بمرض ضمور في كليتيه أدت إلى فشل كلوي لاحقًا.
أراد الأب أن يمنحه ابنه نبيل، بعض الأمل ليستمر عمره بالتقدم والحياة، وبالفعل استطاع ذلك وأُجريت العملية في إحدى مستشفيات الداخل ومكث برفقته هناك أربعة أشهر، لكتّه يأسف على ما آل إليه حاله من ضعف في الصحة أعجزته عن العمل، يقول: "أصبح جسدي هزيلًا لا أقوى على العمل الشاق"، وأضاف أنّه يُعاني من ارتفاع تحليل إحدى هرمونات وظائف الكلى وهو "الكراتينين" إذ من المفترض أن يكون 0.5 لكن في التحليل لديه يبدو مرتفعًا بشكل يُهدد حياته حيث وصل إلى 1.7. يؤكد الرجل أن معاناته مزدوجة متشابكة فهو واثنين من أبنائه ينهش المرض أجسادهم بينما يُقاسي أوضاعًا اقتصادية مأساوية لا يُمكن معها إيجاد سبيل للنجاة.
مناشدة وإجابة لكن الإجراءات مُعقدة
وفي سياقٍ متصل أكد "سليم" أنه حين كان في الداخل المحتل بالمستشفى يقوم وابنه نبيل بعملية التبرع وزراعة الكلى، استطاع أن يعرض صور ابنه على الأطباء هناك وكانت النتيجة أنّ عملية التشخيص تحتاج إلى بعض التحاليل النوعية، وأشار أنها متوفرة لديهم، يقول: " منذ ذلك الوقت أسعى للحصول على تحويلة لكن لم أحظَّ بها إلا بعد المناشدة التي تقدمت بها".
يُذكر أن قلجة ناشد قبل أيام عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بضرورة النظر بعين الرحمة لحالة ابنه قاسم والعمل على تحويله للعلاج في الخارج، يقول:" تمت الإجابة بشكل عاجل وقتها" لكنه يستدرك أنها ما زالت متوقفة نظرًا لصعوبة إجراءات التشخيص وفق تعبيره، وأضاف بالقول: إن الإجابة التي أبداها مدير مكتب وزير الصحة في رام الله د. جواد العلي لا زالت صورية"، والسبب وفق تقديره: أن إجراء معاملة التحويل للخارج وفق ما أخبره د. بسام البدري مدير دائرة العلاج بالخارج بغزة تحتاج إلى تقرير طبي وهو ما لم يستطع أن يحصل عليه من أطباء غزة لجهلهم بطبيعة المرض وتشخيصه، ويُتابع بألم: أتمنى أن يتم التحويل عاجلًا لإنقاذ حياة طفلي.