الخميس  02 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مفارقات حظر السفر العربية... وعلامة رفعه الفكرة / بقلم: نور عودة

2017-02-07 09:37:02 AM
مفارقات حظر السفر العربية... وعلامة رفعه الفكرة / بقلم: نور عودة
نور عودة

 

يتابع العالم باهتمام وقلق ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية من تطورات تهدد النظام العالمي برمته، في ظل إدارة يترأسها رجل يتخذ خطوات ويوقع قرارات تمس حياة الملايين من الناس خارج الولايات المتحدة وداخلها.

 

في أسبوعه الأول في الحكم، قرر ترامب منع الآلاف من اللاجئين والزائرين والمقيمين بشكل شرعي ممن حصلوا على التأشيرات المطلوبة من الدخول إلى الولايات المتحدة لأنهم مواطنو سبع دول ذات أغلبية مسلمة. القرار كان له أثر الصاعقة على الأمريكيين الذين رأوا فيه اعتداءً سافراً على نظرتهم الجمعية لبلادهم، باعتبارها بلاداً بُنيت بعطاء المهاجرين وبلاداً تحترم القانون والدستور الذي لا يقبل التمييز على أساس العرق أو الدين وغيرها منن التصنيفات، والأهم من ذلك أنها بلاد لشعب كريم ومحب للغير.

 

من عاش في الولايات المتحدة وعاشر شعبها يدرك أن هذه الصورة هي صورة حقيقة لكيف يرى الأمريكي نفسه وبلاده بالرغم من مستوى الجهل الكبير الذي يعاني منه المواطن الأمريكي العادي تجاه الشعوب الأخرى في العالم وفي بعض الأحيان الولايات البعيدة عن ولايته التي لا يخرج منها طوال حياته. لكن هذه الجهل لا يغير أن الأمريكي هو جزء من مجتمع متنوع لدرجة يصعب تصورها وهو أيضاً معطاء ومبادر للخير في مجتمعه بشكل عام ويؤمن أن نظامه السياسي على علاته الداخلية نظام مبني على سيادة القانون والمساواة تحت ظله رغم كل التجاوزات.

 

باختصار، هذه الهوية الجمعية كانت أقوى من الخوف الذي أذكاه ترامب حتى يصل للرئاسة. ورغم كل ما يدور من تحريض ضد العرب والمسلمين والإيرانيين وبالرغم من وحشية المشاهد التي يراها على شاشات التلفاز وفي الفضاء الالكتروني من جماعات تقتل الناس نحرا وحرقا وتعذيبا وتسبي النساء وتبيعهن في سوق النخاسة باسم الدين الإسلامي والإله الأوحد، انتفض عشرات الآلاف من الأمريكيين ضد قرار المنع هذا وتظاهروا ليالٍ وأيام في مطارات المدن الكبرى الأمريكية. ولم يقف الرفض عند التظاهر، فقد تطوع المئات من المحامين بوقتهم وجهدهم للترافع بالنيابة عن المتضررين الموقوفين في المطارات وإخراجهم من الاحتجاز إلى الحرية بينما ذهب مدعون عامون وبرلمانيون ومسؤولون منتحبون آخرون في أكثر من ولاية إلى المحاكم الفيدرالية لمواجهة القرار الرئاسي ووقفه. نجح المحامون وفشل ترامب، حيث لم تتمكن وزارة العدل من الدفاع عن هذا القرار ورفضت محكمة استئناف فيدرالية طلب الوزارة بالعودة لتطبيق القرار فوراً. في الأثناء، اضطرت وزارة الخارجية لإصدار تأشيرات جديدة لحوالي مئة ألف شخص أو أقل بقليل ممن تضرروا من تطبيق القرار الرئاسي العنصري لبضعة أيام.

 

جميلة هي الديمقراطية عندما يهب الشعب لحمايتها ويدافع عن هويته الجمعية التي صنعت منه شعباً توحده هوية عمادها المبادئ، لكنها غير مرتبطة بالدين أو العرق أو غيرها من مكونات الهوية الوطنية التقليدية. ولا شك أن مشاهد الاحتجاج والفرح والكرم التي تابعناها جميعاً أثارت في كلٍّ منا مشاعر كثيرة، منها بكل تأكيد الإعجاب والتقدير.

 

المفارقة أننا كعرب لعنّا ترامب وقراراته بينما نعيش أو نتعايش في "وطننا" العربي واسع المساحة وضيق الأفق مع أصناف عديدة من المنع والقيود. ولم نفاجأ بانعدام ردود الفعل من الغالبية العظمى من الدول المتأثرة لأننا ببساطة لا ننتظر من أنظمتها الدفاع عن مبادئ لا تمارسها.

 

الحقيقة أن المواطن العربي لا يحق له السفر بحرية بين دولة عربية وأخرى. والحقيقة أيضاً أن المواطن العربي يفضل الخوض في طلب تأشيرة سفر لزيارة دولة أجنبية رغم القيود المفروضة على العرب بشكل عام بدل أن يحاول زيارة دولة "شقيقة" تتعامل مع طلبه بشكل أمني ودون أي معايير معلنة. لكن ما من مواطن عربي لا يعي ما هي البلدان "الشقيقة" التي لا يمكن أن يسافر إليها أو أن يبحث عن عمل فيها ويعرف تماماً أنه في بعض هذه البلدان لا يمتلك حقوقاً حتى إن عاش وعمل فيها سنوات طويلة تحت بند "العمالة الوافدة".

 

المفارقة المرة أن الملايين من العرب المحاصرين بجحيم الموت والذل والعذاب لا يرون سوى أبواب الغرباء منفذاً من هذا الجحيم. لذلك يذهبون بالآلاف عبر الطرق الشرعية وغيرها ويموت منهم الآلاف كل عام وهم يحاولون الوصول إلى بلاد يحكمها قانون لا يقوى زعيم علليه أو ازدرائه أو تجاهله. لا غرابة إذاً أن يقلق العربي أن بلاد القانون، مهما علت درجة قساوتها وكثرت تعقيدات إجراءاتها، يمكن أن توصد أبوابها هي الأخرى في وجهه.

 

حماية سيادة القانون ومبادئ حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات الراسخة أولوية عالمية لأن السيادة تلك هي ما تبقى من أفق لأمل يتلاشى في منطقتنا بالتغيير والتعددية وسيادة القانون. انتصار القانون على أهواء ترامب سينقذ حياة الآلاف ممن لا ملاذ لهم سوى اللجوء. في الأثناء، حان الوقت أن نرفع مرآة لنرى أنفسنا وواقعنا ونحطم ما نتعايش معه من نفاق وكذب عن أخوة متأصلة بين الناس لكنها لا تمارس من قبل زعاماتهم إلا للاستهلاك الإعلامي. "الوطن العربي" كذبة نربيها حتى نشعر بعزوة نتمناها رغم يقيننا أنها مجرد كذبة بٌني عليها نظام إقليمي يقوم على الرياء ويفضل البكاء والاحتساب إلى الله على دم الشقيق المهدور بدل نصرته أو على الأقل عدم التدخل في شؤونه. نظامٌ يدعي الأخوة لكنه يشيد الأسوار الأمنية المرئية وغير المرئية لمنع الشقيق عن شقيقه بينما يُسهل دخول الغرباء ممن لا يثيرون ريبة الأخوّة. المرآة مهمة حتى وإن عكست لنا بشاعة نريد التهرب منها.