الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

وثيقة حماس السياسية الجديدة: تجاهل للتجربة التاريخية الفلسطينية واصرار على الرؤية الاخوانية

بقلم: محمد مشارقة

2017-04-09 10:21:54 AM
وثيقة حماس السياسية الجديدة: تجاهل للتجربة التاريخية الفلسطينية واصرار على الرؤية الاخوانية
محمد مشارقة

 

بوثيقتها السياسية الجديدة التي لم تعلن رسميا بعد ، تحاول حركة حماس الفلسطينية تسويغ تموضعها في الحركة الوطنية وفق تصوراتها الاسلامية الاخوانية، وتدعو الجميع للالتحاق بمشروعها. ولأن التاريخ عند الاسلاميين يبدأ بهم وعند تجربتهم، فهي تتناسى عن عمد كل التجربة الفلسطينية المريرة والخيارات الصعبة التي اجبرت عليها منظمة التحرير في صراعاتها مع المحيط الاقليمي والبيئة الدولية .

 

واذا ما اخرجنا النصوص المتعلقة بهوية الحركة الاسلامية من سياق الوثيقة الجديدة ، فاننا ازاء برنامج حركة القوميين العرب وذراعها العسكري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في نهاية الستينات، دون النظر الى المألات السياسية والفكرية والسياسية التي وصلها التنظيم .

 

كما أن التنكر للتاريخ يتمثل في تجاهل تجربة الزعيم التاريخي للفلسطينيين ياسر عرفات ورفاقة المؤسسين، ابو جهاد وابواياد الذين خلعوا رداء حركتهم الام " الاحوان المسلمون " واسسوا حركة فتح التي ظلت العمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية وصمام امان وحدتها واستمرارها رغم كل التناقضات والتداخلات الاقليمية.


  تتجاهل حماس في وثيقتها التي تسمى جديدة، الظروف التي سمحت لمنظمة التحرير وفصائلها من العيش والتسلل من شقوق الانقسام الدولي والحرب الباردة بين معسكرين وامتداداته الاقليمية، حيث خاضت المنظمة حروبا دموية بالوكالة في اطار الصراع الدولي - الاقليمي، ومع انهيار المعسكر الاشتراكي في نهاية ثمانينات القرن الماضي ، لم يعد المحيط الاقليمي بقادر على احتمال مثقلات المنظمة العسكرية والسياسية، والتي ظلت تندرج في سياق المشروع التحرري والتغييري للواقع العربي ، فكان اتفاق اوسلو هو الملاذ الاخير للحفاظ على ما اعتبر المنجز الابرز لمنظمة التحررير وهو تحويل قضية الشعب الفلسطيني من قضية انسانية اغاثية للاجئين الى مشروع سياسي تحرري ينشد الاستقلال والتحرر وله سمات هوياتية وثقافية راسخة، وهي السمات التي جعلت من المنظمة وطنا معنويا للفلسطينيين اجمعوا وتوافقوا عليه ، واجتهدوا لتجسيده على جزء من ارضهم ، لا في المنافي التي لم تعد تحتمل مشروعهم . امام هذه التجربة الفلسطينية الدامية والظويلة، ينطرح السؤال، على ماذا تراهن حماس في مسعاها لقياده السفينة الفلسطينية برؤية اسلاموية اخوانية ؟ 


  في السياق يسجل لتجربة حماس انها لم تسع لشراكات وطنية الا وفق شروطها وتصوراتها ، وكل اللغو والخطاب الذي يبدو تصالحيا في الوثيقة الجديدة ، يخفي في الحقيقة فكرة " المغالبة " تجاه الاخرين والتي أن لم تحقق بالقوة والعنف بهدف "التمكين "، فلا باس بلعبة الديمقراطية الشكلية في ظل التشتت والتوزع الجغرافي للفلسطينيين وشروط وجودهم القانوني .

 

فقد حكمت حماس قطاع غزة طيلة عقد من الزمن، دون ان تتمكن خلالها من تقديم تجربة تشاركية او توافقية مع القوى الاجتماعية والسياسية التي تشاركها ذات الرؤية السياسية واحيانا العقائدية ، وقربت اهل الثقة على حساب اهل الكفاءة، وقمعت المعارضين والمختلفين مع نهجها وثقافتها السياسية والثقافية المتزمتة ، تحت ذرائع حماية المقاومة وسلطتها. فساهمت الى جانب استمرار الحصار الظالم والعدوان الاسرائلي التدميري في مضاعفة اثار الكارثة الانسانية ، الاجتماعية والاقتصادية وصولا الى وضع يفضل  فيه نحو 37% من شباب القطاع من عمر 18-29 الهجرة النهائية من الوطن ( اتجاهات الهجرة لدى الشباب ، مركز الاحصاء الفلسطيني ).


يحسب لوثيقة حماس الجديدة انها بعد نحو نصف قرن من نشوء الحركة الوطنية المعاصرة ، تقترب من برنامج المنظمة وتعترف بها كممثل شرعي وحيد . فالمنظمة باتت اليوم " اطارا وطنيا للشعب يجب المحافظة عليه ، مع ضرورة تظويره واعادة بنائه على اسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات الشعب ". ويحسب لحماس ايضا انها تقر رسميا ب " بقيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، على خطوط الرابع من خزيران /يونيو 1967 مع عودة اللاجئين والنازحين الى منازلهم التي خرجوا منها " وتؤكد الوثيقة ان ذلك ليس اقتناعا او قبولا باتفاقيات اوسلو والقرارات الدولية ذات الصلة ، ولا تنازلا عن اي شبر من ارض فلسطين التناريخية ولا اعترافا باسرائيل ، وانما هي صيغة توافقية وطنية مشتركة . كما ان خماس تعرف ذاتها في هذه الوثيقة التي ينتظر ان تحدث اختراقات دولية واقليمية ، بانها " حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية اسلامية " وللتمايز الاختلاف عن الحركة الوطنية تعيد حماس التاكيد بان" الاسلام مرجعيتها الفكرية  تجكم منظلقاتها واهدافها السامية ". ولا ندري من اين خرج البعض ياستخلاص ان هذه العبارة تعني التخلي عن ارتباط الحركة بالتنظيم الدولي للاخوان.


  يبدو واضحا ان الوثيقة بحلتها الجديدة ، لا تستهدف الداخل الفلسطيني ولا الكتلة الوطنية الواسعة في اطار المنظمة  وانما هي موجهة للخارج وتسعى للقاء في منتصف الطريق مع الطلبات والضغوطات الدولية والاقليمية التي تسعى لتاهيل حماس واخراجها من دائرة التهديد باضافتها على قوائم الارهاب ،وهو السيف المسلط على رقبة التنظيم الدولي للاخوان في اوروبا وامريكا وبعض الدول العربية .


  ولا يخفي مهندسو هذه الوثيقة طموحهم المشروع لوراثة منظمة التحرير التي عملت قيادة السلطة الفلسطينية على تهميشها واضعافها وتحويلها الى اداة طيعة تستدعى وقت الحاجة لدعم الرئيس محمود عباس. فمخطط حماس منذ حوارات المصالحة الاولى يشابه لعبة ياسر عرفات تماما عام 1968 لانتزاع قيادة المنظمة من سيطرة القوميين العرب، ومع تاكل المشروع الوطني وضعف تيار الوطنية الفلسطينة وانحساره في سلطة هزيلة في الضفة الغربية، تتقدم حماس وتحت عناوين الحفاظ على حق العودة والمقاومة، لانشاء مؤسساتها التمثيلية البديلة في الخارج وتبني منظماتها ومؤسساتها السياسية والمالية والاعلامية الخاصة انتظارا للحظة قطف الثمار في هذه اللحظة المريضة، وكما فعل ياسر عرفات بين اعوام 1965-1968، حين استخدم ورقة المستقلين والخارجين من تجاربهم الخائبة في تنظيمات البعث والقوميين والشيوعيين والاسلاميين ، تعود حماس الى ذات السيناريو ، لكن بمفارقة تاريخية ان عرفات استخدم ثقل هذه الفئات من المستقلين لدعم مشروعه في بناء اطارالوطنية الجامعة ولمواجهة امتدادات الانظمة العربية من خلال الفصائل المحتلفة ، فهذه القوى والشخصيات ارتضت خلع اقنعتها الايديولوجية لصالح فلسطين، في حين تدعو حماس كل التيارات الاخرى والمستقلين الى الالتحاق ببرنامجها ورؤيتها السياسية والفكرية ، اذ تعلن ابتداء من السطر الاول في الوثيقة هويتها ومرجعيتها الاسلامية، وان هدفها هو الدفاع عن اسلامية فلسطين ووسطية مشروعها الديني الذي يتطابق مع البرنامج الاخواني .

 

يقينا ان حماس بهذه الوثيقة البرنامجية تعيش في غربة عن التحولات الدولية الجارية، وهي لم تصل بعد الى الاستخلاصات الهامة التي خرج بها اخوانهم في تونس والمغرب ، بالعمل الجدي على التحول الى حزب مدني سياسي، يفصل الدعاوي الديني عن السياسي ، فالخلط والتشابك اثمر تجارب سياسية كارثية في اكثر من بلد عربي، حين صدق الاخوان ان الولايات المتحدة ستدعم " الاسلام السياسي المعتدل " في تسلم السطة في العالم العربي كممر اجباري نحو الديمقراطية ..