الحدث- محاسن أُصرف
قبل ستٌ وثلاثون يومًا تسّحر الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال مُعلنين إضراب الكرامة لانتزاع حقوقٍ نفاها عنهم المحتل الإسرائيلي بلا وجه حق، وإلى اليوم لم يتمكنوا من تناول إفطارهم، في مشهدٍ يعكس مدى الصلف والإرهاب الإسرائيلي بعدم الاستجابة لمطالبهم الإنسانية، كما يعكس الضعف الرسمي في الانتصار لحقوقهم العادلة التي نصّت عليها الشرائع والقوانين الدولية.
اليوم وقد بدأت أجساد الأسرى تتغذى على بعضها وأضحت أوضاعهم الصحية تُنذر برحيل بعضهم شهداء، لم يتحرك الفلسطينيون على المستوى الرسمي إلا بمزيدٍ من التصريحات الإعلامية التي لا تُغير واقعًا ولا تُنذر بقرب انفراج، حتى المقاومة الفلسطينية لم تُحرك ساكنًا، وحدهم أهالي الأسرى وبعض المؤسسات المعنية بشئونهم من تقود الفعاليات هنا وهناك علّها تصل لأصحاب القرار فينظرون في حالهم ويبدئون معركة الانتصار لهم بقرارات نافذة على الأرض.
والدة الأسيرين رمزي وسعيد صالح واللذان تجاوز اعتقالهما في سجون الاحتلال 13 عامًا، أكدت لـ "الحدث" أن حالة التضامن الرسمي والشعبي مع الأسرى ضعيفة ولا يُمكن التعويل عليها لتكون ضاغطة على الاحتلال للاستجابة لمطالبهم العادلة، وقالت السيدة التي بدّت علامات الإعياء على وجهها إذ تُشارك اليوم أبنائها الإضراب عن الطعام: " إن ما يتعرض له الأسرى من قمع وتعذيب يستوجب على القادة الانتصار لهم والضغط على إدارة مصلحة السجون لمنحهم حقوقهم الإنسانية".
أخبرتنا هذه الأم ودمع العين يسبقها أنها لم تزر أبنائها منذ عام تحت ذريعة المنع الأمني والآن لا تجد من يُبلل روحها بخبٍر سار عنهم أنهم بصحة بعد إضراب دام أكثر من شهر لم يتذوقوا فيه شيء إلا ماءٍ وملح، امتنعوا عنه مؤخرًا، تتساءل عن سبب تجاهل الجهات الرسمية لمعاناتهم وهم باتوا على أعتاب الموت؟ وتؤكد أن النظر إلى معاناتهم بلا حراك قوي وفاعل خيانة لتضحياتهم.
ويأسر الاحتلال الإسرائيلي رمزي صالح من بلدة جباليا منذ عام 2005 ويواجه حكمًا بـ 18 عامًا لانتمائه لكتائب شهداء الأقصى بينما شقيقه سعيد فقد أُسر قبله بعام 2004 ويقضي حكمًا بـ 25 عامًا لانتمائه لحركة الجهاد الإسلامي، وبحسب والدتهم فإنهما يخوضان الإضراب مع الأسرى في السجون.
فعاليات فاترة
ورغم أن خيّمة التضامن مع الأسرى في إضرابهم لم تُغلق أبوابها أبدًا منذ اليوم الأول لإعلانه في 17 أبريل الماضي إلا أنها لم تشهد حشودًا جماهيرية ولم تخطو إليها القيادات الفلسطينية في مختلف الفصائل إلا قليلًا وفي أوقات معلومة في إطار الظهور الإعلامي وتوصيل رسالة مفادها أن الأسرى أولوية، لكن يبدو ذلك غير مُقنعًا لأهالي الأسرى خاصة وأن وجودهم لم يُثمر موقفًا ضاغطًا على الاحتلال.
ويُقر "ناصر الفار" القيادي في حزب الشعب بقطاع غزة بضعف الفعاليات الضاغطة التي من شأنها أن تُحرك ساكنًا في ملف الأسرى المضربين عن الطعام، مطالبًا كافة أطياف الشعب الفلسطيني تنظيم أوسع حملة تضامن مع الأسرى، وقال: "إن التحركات السابقة على مدار الـ 35 يوم لم تكن كافية ولم ترتقِ للمستوى المطلوب لإنقاذ الأسرى وإنجاح إضرابهم" وتابع أن الأسرى وقد دخلوا في مرحلة الخطر بأمس الحاجة لأن يشعروا بالتحام الشعب مع معاناتهم وانتصاره لحقوقهم الإنسانية.
يُطالب الفار، كافة الفصائل الفلسطينية بقواها المختلفة العسكرية والميدانية أن تُكثف من تضامنها مع الأسرى وأن تتواجد في خيمة التضامن بشكل يومي وعلى مدار الساعة بالإضافة إلى تنفيذ العديد من الفعاليات الضاغطة سواء بالمسيرات تجاه الحدود وخطوط التماس مع الاحتلال أو بالمسيرات الشعبية للضغط على الحكومتين في الضفة المحتلة وقطاع غزة بأن تتبنى موقفًا جادًا وحاسمًا لإسناد الأسرى، ودعا إلى ضرورة استثمار زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأراضي المحتلة الفلسطينية بتوسيع حملات التضامن وفعاليات الإسناد الشعبية والرسمية للضغط على الاحتلال للإذعان وتلبية مطالب الأسرى التي تُعد حقوق واجبة.
وفي سياق متصل انتقد "الفار" حالة الصمت الدائمة من المؤسسات الدولية تجاه قضية الأسرى، وأكد في حديثه لنا أن ذلك الصمت كان بمثابة تعزيز للنظرة الإسرائيلية بأنها دولة فوق القانون وفوق المحاسبة الدولية، وقال: " على المؤسسات الدولية القيام بدورها المنوط بإجبار الاحتلال على تنفيذ القوانين الدولية التي أقرتها ويدعي الاحتلال أنه جزء منها ويُنفذها".
ولا يختلف عنه "عبد الرحمن شديد" مدير مكتب إعلام الأسرى بغزة، فهو يرى أن الفعاليات أيضًا فاترة وتتسم بالضعف، داعيًا إلى العمل الجاد عبر الفعاليات أن تصل إلى حيز تهديد أمن الاحتلال من أجل انتزاع مطالب الأسرى التي هي بمثابة حقوق شرعتها القوانين الدولية.
أين الرئاسة والمقاومة؟
في خيمة الاعتصام التي تتجدد كل اثنين في مقر الصليب الأحمر غرب مدينة غزة التقينا الأسير المُحرر والمبعد إلى غزة "أيمن الشراونة" كان يصرخ بعلو الصوت بأن أنقذوا الأسرى من موتٍ محقق وأهلهم من ألم لا يجبره أي عزاء، الشراونة أكد لـ "الحدث" أن الأسرى دخلوا مرحلة الخطر بعد امتناعهم عن تناول الماء منذ أسبوع تقريبًا، واستنكر حالة التجاهل من قبل الرئاسة الفلسطينية لإضراب الأسرى، لافتًا إلى أنه حتى اللحظة لم يصدر عن الرئاسة تصريح واضح وداعم بحق الأسرى.
ويبدو لـ "الشراونة" أن عدم وجود قيادة سياسية تضع قضية الأسرى على سلم أولوياتها بالإضافة إلى غياب الإرادة الرسمية وعدم تحركها للانتصار للأسرى سبب جاد في ضعف التضامن الشعبي مع الأسرى في هذا الإضراب، مطالبًا المقاومة الفلسطينية بتعجيل إبرام صفقة وفاء أحرار 2 من شأنها أن تُبيض السجون من الأسرى وتُنهي عذاباتهم بالتحرر.
وخيّمت مظاهر الألم على ملامح أمهات الأسرى في خيمة الاعتصام اليوم أكدوا خشيتهم أن يُواروا الثرى دون أن يُبصروا نور وجه أبنائهم كما حال الحاجة أم فارس بارود التي لم تستطع أن تبقى على قيد الانتظار لاحتضان نجلها فارس، تتساءل أم أحد الأسرى المحكومون بالمؤبد من محافظة خان يونس، هل سنعاني ذات الانتظار؟ مطالبة المقاومة الفلسطينية بكافة أوجهها بالانتصار للأسرى بضرب الاحتلال في عقر داره وأثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقالت بحزم "أبنائنا يموتون ولا يُوجد لهم راعٍ إلا الله" واستكملت: إلى متى هذا الهوان العربي والفلسطيني بحقهم؟ مؤكدة أن الانتصار لقضية الأسرى واجب وطني وأخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى، فلا تدعونا ننتظرهم شهداء!.