الأحد  08 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث"| الفتاة الفلسطينية المخطوفة: "أريد معرفة نسبي" (فيديو)

الخاطف يتكتم والشؤون الاجتماعية ترفض البوح

2017-07-27 12:54:56 PM
خاص
صور الفتاة الفلسطينية المخطوفة

 

وما يربطني بوالدتي سوى "سرّتي" والمجتمع يرفض تقبّلي

 

الحدث- ريم أبو لبن

 

"أريد معرفة نسبي". هذا ما تريده وما لا يريده من حولها بعد أن أتلفوا ملفها، ولم يتبقَ لها سوى صور من طفولتها الغائبة، واسمها "المستعار" والذي رفضت ذكره تحسبًّا لعواقب اجتماعية.

 

وأكملت "دائمًا ما أنظر إلى جسدي في المرآة، وألقي ببصري تجاه سرّتي فهي الشيء الوحيد الذي يربطني بوالدتي التي لا أعرفها أبدًا". تلك النتوءة الصغيرة التي تظهر في منطقة البطن، لديها قد توقد ذكريات بتفاصيل مغيبة تعود لعام 1987م، حينما تمّ اختطافها وتهريبها عبر الشريط الحدودي من لبنان إلى داخل الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين، حينها كانت تبلغ من العمر أربعة شهور فقط، واليوم تبلغ 30 عامًا.

 

قيل: إن جذورها وملامحها قد نسيت في لبنان وتحديدًا طرابلس، غير أنّ المعطيات الأولية التي تحدثت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية حسب ما ذكرت الفتاة تدلل على نسبها الأصلي الذي يعود لمدينة طرابلس، حيث تعرضت الفتاة لعملية خطف بينما كانت طفلة، وهي اليوم تبحث عن نسبها الحقيقي بعد أن تربت في كنف عائلة فلسطينية حتى بلغت سن 14 عامًا، ثم تزوجت وأنجبت أربعة أطفال.

 

    

 

أصل الحكاية

هي لا تعلم أيَّ معلومات عنها، وما أدركته فقط وبعمر 8 سنوات وبعد معرفة الحقيقة، بأن عائلتها الحاضنة قد قدمت طلبًا للشؤون الاجتماعية في ذاك الوقت لتبني أحد الأطفال، وكانت الفتاة ملاذهم الذي ملأ الحياة بسمة من جديد، وقد قدمت للعائلة مع تبليغ وشهادة ولادتها.

 

وقد تكون لحظة معرفة الحقيقة هي الأصعب خاصة عندما يسمع صداها في محيطنا الذي نعيشه يوميًّا ونعتاش على تفاصيله: "أدركت الحقيقة في عمر 8 سنوات، فقد قال لي أحد الأطفال الذين كنت ألعب معهم: "هو مش أبوكي، وهي مش أمك، انتي بدون أهل".

 

لا معلومات .. ووزارة الشؤون أتلفت مِلفي!

قالت الفتاة لـ"الحدث": "العائلة التي احتضنتني لا تعرف أيَّ معلومات عني، وما قيل لي إنّ رجلين قد قدماني للعائلة التي لا تنجب وكنت أبلغ من العمر أربعة أشهر، وكنت في تلك اللحظة أرتدي فستاني الأصفر والذي لم أعد احتفظ به.. ولا أعرف مكانه وقد أُتلف".

وأضافت: "حتى الشؤون الاجتماعية رفضت إعطائي المعلومات حول نسبي الحقيقي، ولا أعرف السبب حتى اللحظة، وحاولت مرات عدة التواصل معهم وكانت الإجابة: أتلفنا الملف".

واستكملت حديثها: "قامت الشؤون الاجتماعية بتهديد والدي الذي احتضنني إنْ قام بالمطالبة بمعرفة معلومات عني مرة أخرى، لا سيما أنهم أرغموه على توقيع ورقة وتعهده بالكتمان".

وقالت: وهي تقلّب صورها القديمة حينما كانت ترتدي الفستان الأبيض وترقص على عتبة الطفولة: "من حقي الطبيعي معرفة أهلي الحقيقيين، لماذا يخفون الأمر عني؟ إحدى الموظفات في الشؤون الاجتماعية، وهي معروفة لدى العائلة هي الوحيدة التي تعرف نسبي، وقد رفضت إعطائي أي معلومة واكتفت بقولها: إن أصولي لبنانية، وقد منحتني اسمًا وهميًّا  وهو" سماح إبراهيم"،  وهو بكل تأكيد ليس اسمي الحقيقي، ويطلقون الأسماء  عبثًا حتى يميزون الأطفال".

 

وأكملت حديثها: "وقالت لي: إن كنت تريدين معرفة المزيد توجهي إلى مؤسسة كريش للراهبات في بيت لحم، وذهبت هناك وأعلموني بأنّ لا معلومات لديهم وما يعرفونه فقط بأنهم احتضنوني وأنا طفلة".

 

وتوقفت الفتاة برهةً عن سرد حكاية قد يعجز العقل عن إدراكها، وقالت بعد تأمل في ردائها: "إذًا قد تكون ديانتي مسيحية، وأنا مسلمة الآن ومتزوجة من مسلم".

 

الخاطف (أنا مش متذكر شو أكلت مبارح)

لم تكمل الفتاة مشوار بحثها عن نسبها بمفردها، فقد جذبني الفضول الصحفي لمعرفة تفاصيل هذه القصة والتي تروي حكاية رجل هو معروف داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، وبدوره الذي كان قائمًا في عهد الإدارة المدنية، حيث كان موظفًا في الشؤون الاجتماعية ويقوم بمتابعة حالات الأطفال واحتضانهم وإرسالهم إلى الأهالي الذين لا ينجبون الأطفال.

 

لقد عرف الخاطف، ولكنه امتنع عن تقديم أيّ معلومات للفتاة المخطوفة حسب قولها، وهو ووفق عمله يقوم بتهريب الأطفال من اليمن والبوسنة والهرسك ولبنان وإدخالهم إلى الأراضي المحتلة، والفتاة هي واحدة من عشرات الأطفال الذين تم تهريبهم من خلاله ولم يعرف نسبهم بعد..

 

وبالحديث عن هوية الخاطف، قالت الفتاة: "قيل لي حسب وصف العائلة بأن عيونه خضراء وطويل القامة، وقد بحثت عنه فيما بعد وعرفت اسمه ووجدت رقمه وقمت بالاتصال به، وتوسلت إليه لكي يعطيني المعلومات واكتفى بالقول: "أنا مش متذكر شو أكلت مبارح".

 

ولكن السؤال هنا، لماذا الشؤون الاجتماعية ترفض إعطاءها المعلومات؟ غير أن خاطفها أيضًا وهو معروف لديهم يرفض هو الآخر منحها أية معلومات تتعلق بها وبنسبها الحقيقي؟ ومؤسسة كريش للراهبات ألا تحتفظ بأي دليل؟

 

حاولت مراسلة "الحدث" عدة مرات التواصل مع هذه الجهات حتى يستدل على خيوط قد توصلنا للحقيقة. في البداية، طرقنا باب مؤسسة كريش للراهبات في بيت لحم لعلنا نحصل على معلومات حول نسب الفتاة.. وكان الرد: "ليس لدينا أيُّ معلومات عن الفتاة، وإن كانت متوفرة فليس لدي الصلاحية لإطلاعك عليها، فأنا موظف جديد والملف قديم، ولم أسمع عن هذه الحالة من قبل".

 

وأضاف: "في ذاك الوقت المسوؤلية الإدارية كانت للإدارة المدنية، وكان هناك موظف يعمل في الشؤون الاجتماعية وكان يتابع أمور الأطفال ممن لا يعرف نسبهم ويقوم باحتضانهم".

 

واستكمل حديثه: "إن تردْ معرفة أهلها هي مشكلة بحد ذاتها، هو بطبيعة الحال حق لها ولكن سيترتب عليه كوارث لا تحسب عواقبها، وعاداتنا وتقاليدنا قد لا تدرك هذه الحالة".

 

هذه المؤسسة التي تأسست في عام 1880م، تحتضن الحالات الإنسانية ومنها من وضع على الطرقات، أو الأطفال (غير الشرعيين)، وحتى من يبلغون سن 6 أعوام، تقدم لهم الخدمات الاجتماعية بعد تعرضهم للعنف من قبل أسرهم.

 

من المسؤول؟

أما الشؤون الاجتماعية، وبحسب المعلومات التي وردت على لسان الفتاة، فقد تمّ التعرف على هوية الموظفة التي كانت تعمل آنذاك في الشؤون أي في عام 1952م، وتمّ التعرف على رقم التعيين الوظيفي في الشؤون حيث يبدأ بـالرقم (7000).

 

وبعد التعرف على هوية الموظفة، حاولت "الحدث" الاتصال بها مرات عدة، ولكن لم تجب ..

 

 في ذات السياق، أكد زوج الفتاة بأنه توجه مرات عدة إلى منزل الموظفة في الشؤون لمعرفة معلومات حول نسب زوجته، ولكنها كانت ترفض إعطاءه المعلومات وتكتفي بالقول: هي من لبنان، ولا أعرف غير ذلك.

أما الخاطف، فهو يرفض التعامل مع أي زائر طبيعي، فكيف له أن يفتح الأبواب لمن يبحث عن نسب فتاة هو خاطفها؟

 

قال زوج الفتاة: "حاولت الوصول إلى الخاطف، وتحدثت إليه من وراء الباب ورفض فتح الباب وإعطائي أيّ معلومة، وقد قيل لنا: إنه رجل مقعد ولكنه في واقع الأمر ليس كذلك".

 

وهنا أكدت الفتاة لـ"الحدث" بأن الخاطف قد فرّ هاربًا متوجهًا إلى فرنسا بعد انتشار قصتها وعبر وسائل الإعلام في لبنان. حيث هرب بعد اكتشاف عملية خطف الأطفال وبيعهم للعائلات اليهودية المقيمة في الأراضي المحتلة. ويقال: إنه فرّ هاربًا خوفًا من عقوبات قاسية قد تلحق به من قبل السلطات الإسرائيلية نتيجة تشدد الطوائف اليهودية في الميراث والنسب.

فكيف لو أنّ الفتاة قد أصبحت تنتمي لجذور وعقيدة يهودية؟؟؟

 

DNA .. وبيني وبين نسبي شعرة

يتم بواسطة تحليل DNA كشف الأبوة، كما هو معرف عالميًّا، لذا لجأت الفتاة لإجراء هذا التحليل أملاً في التعرف على عائلتها الحقيقية وكانت النتيجة!

 

قالت الفتاة: "بعد انتشار قصتي في الإعلام اللبناني، قامت عائلة لبنانية تقطن في أمريكا بالاتصال بي، وهم أيضًا يبحثون عن ابنتهم المفقودة، وطلبت العائلة مني أن أقوم بعمل تحليل (DNA)، وكنت أشعر حينها بأنني لست الفتاة التي يبحثون عنها، وأجريت التحليل مرات عدة".

 

وأَضافت: "وقد تبيّن من خلال تحليل أجريته من خلال السفارة الأمريكية بأنني لا أنتمي لهذه العائلة، بعد أن طلبوا مني أن أوقّع على ورقة تمنحني الجنسبة الفلسطينية واللبنانية والأمريكية ورفضت".

 

" المجتمع لم يتقبلني"

"أنا صرت فرجة للعالم في منطقتي". هكذا بدأت الفتاة حديثها واصفة ردة فعل المجتمع ومحيطها تجاه حالتها.

 

وقالت: "المجتمع لم يتفهم حالتي، وعندما أسير في الشارع بجانب والدي الذي احتضني استمع للكلام الجارح".

 

وأضافت: "هذا الأمر لن يضعفني أبدًا، وسأظل أبحث عن عائلتي حتى أتوفى".