الحدث- ريم أبو لبن
يقلون بعد التخرج: "أبحث عن الواسطة قبل أي عمل"، "سافرت إلى الخارج بحثاً عن عمل في تخصصي"، "درست بكالوريوس الاقتصاد فلماذا أصبح عامل بناء؟"، "الراتب لا يناسبني وهو غير كاف"، "لم أجد عملاً هنا واضطررت للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948.. لدي ديون كثيرة فكيف سأقضيها؟"
قد تثقل هذه الجمل المتكررة كاهل من تخرج من الجامعة ولم يجد عملاً بعد لاسيما وأنه قد يضطر لترك شهادته معلقة في غرفته التي تطل نوافذها على أحلام متراكمة دون تحقيق، ليخطو بعد ذلك وبخطوات مترددة للعمل في مجال مختلف كلياً عن تخصصه الأصلي، حينها لا يخفي سراً فقط يُظهر حسرة من السنوات الأربع التي قضاها وهو يقنع ذاته بأن السوق سيفتح له ذراعيه ويقدم له العمل على طبق من ذهب كما يقول أجدادنا.
و السؤال هنا، لماذا الشبان يرفضون العمل رغم توفر الشواغر؟ هل العمل في (الباطون، والدهان) قد يفقدهم هيبة الشهادة الجامعية؟ وهل فيتامين "و" من يزيد نسبة البطالة؟ وهل هناك فعلاً بطالة بمضمونها الواقعي أم أن الشباب لا يعملون ويكتفون بمصروف المعيل؟
أصحاب الشركات والمقاولين يرددون: "هم لا يتحملون المسؤولية"، "الجيل الجديد مختلف يريد أن يكسب الأجرة دون عمل"، "هو يهتم لتوفير مصروفه اليوم لا لبناء مستقبل له"، "العمال يرفضون العمل حتى لو كان الراتب مناسب"، "يرفضون الدوام الإضافي وفيه أجر إضافي"، "حمل الشهادة أصبحت ثقافة مجتمع ليس أكثر".
"البطالة بين المتعلمين وخريجي الجامعة"
أكد المطور العقاري وصاحب شركة للمقاولات في مدينة رام الله أسامة عمرو بأن البطالة تتكدس بين صفوف المتعلمين وخريجي الجامعات الأكاديمية، لاسيما وأن البطالة غير متجذرة بين صفوف الفنيين والعمال، وأن العمال المدربين والمؤهلين في مجال العقارات والمنشآت وإدارة الخدمات قد يجذبهم الوضع العمالي والاقتصادي داخل الخط الاخضر، مما يضطرون لترك أشغالهم وأعمالهم في الأراضي الفلسطينية والتوجه للعمل في الداخل، مما يساهم هذا سلباً في تقليل نسبة العمالة لدى الأراضي الفلسطينية بحسب ما ذكر عمرو.
أَضاف: "يجب أن نوجه أبناءنا للطريق السليم في مسألة اختيار التخصص، لاسيما وأن السوق الفلسطيني بحاجة إلى فنيين (سباكة، كهرباء، صيانة سيارات، ميكانيك، صيانة معدات)، وهذه التخصصات قد تدر المال بشكل أفضل ممن يحمل الشهادة الجامعية وليس لديه فرصة للعمل".
واستكمل حديثه: "وهنا لا أقلل من أهمية الشهادة الجامعية، ولكن ما يحدث بأن الشبان يختارون التخصصات التي تجعلهم فريسة للبطالة".
وفي ذات السياق، قال عمرو : "هناك مجموعات كبيرة ممن يلتحقون بتخصصات مختلفة كـ إدارة الأعمال، واللغات، والشريعة، والتاريخ والجغرافيا. وهؤلاء قد لا يجدون متسع لهم في السوق الفلسطيني حيث محدودية الوظائف، حتى أنه لا تتوفر لهم وظائف في القطاع الخاص، وإذا أردنا ادخالهم إلى عالم الحرف فعليهم اكتساب المهارات واخضاعهم للتدريب المكثف".
عمرو : "من لا يربح لا يعطي رواتب مرتفعة"
الوضع الاقتصادي مرهون بسيطرة إسرائيلية، فهي تتحكم بالاقتصاد الفلسطيني وتفرض عليه إجراءات تحد من اتساعه.
وبجانب السيطرة الإسرائيلية. تنخفض الرواتب الشهرية التي يتقاضاها الموظف بشكل شهري أو يحصل عليها العامل بشكل يومي، فهي لا تكفي لسد احتياجاته واحتياجات اسرته.
قال عمرو: " أنا أعمل في القطاع الخاص، وهامش الربح لدى هذا القطاع سيشهد تخلخلاً في القريب العاجل، وسيلمس المجتمع هذا التغيير، لاسيما وأن عدد كبير من الشركات المقاولة سوف تخرج خارج السوق الفلسطيني بسبب الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها نتيجة ارتفاع سعر الأيدي العاملة والمواد وهذا يقابله قلة في الطلب وتحديداً على الشقق والمنازل".
أَضاف : "القطاع العقاري عادة ما يستوعب أعداد كبيرة من العمال، ولكن اليوم هو مهدد، وهذا سيؤثر سلباً على الاقتصاد الفلسطيني".
إذا وحسب ما أشار عمرو فإن "من لا يربح لن يتمكن من تقديم الرواتب المرتفعة لموظفيه". وبالتالي قد يؤثر هذا على قابلية شروع الشبان بالتقديم للوظيفة وتحديدا في القطاع العقاري.
"العامل غير ملتزم وهمه توفير مصروفه"
قالت المحامية و العاملة في قسم الموارد البشرية في الشركة الوطنية لصناعة الألمنيوم والبروفيلات "نابكو" شُهرت عنبتاوي: "الجيل الجديد من الشبان لا يتحملون المسؤولية في العمل، ونحن نتعامل مع العمال الذين لا يحملون الشهادات الجامعية و تتراوح أعمارهم ما بين (15-28) وهم لا يعتبرون هذا العمل من أولوياتهم، وفقط ما يهمهم توفير مصروفهم اليومي".
أضافت :"في الشركة لدينا قرابة 225 عامل و 60 اخرون يعملون في الإدارة، ونحن نواجه صعوبة مع الطبقة العاملة في مسألة الالتزام بالعمل، نحن نوفر لهم البيئة المناسبة للعمل والراتب الجيد والعلاوات والمكافآت ولكن هم غير ملتزمين".
قال مسؤول مبيعات الوسط والجنوب شادي جلاد في شركة "نابكو": "الشاب يبحث عن عمل، وعندما تواتيه الفرصة لا ينتهزها، ومنهم من يفضل الجلوس دون العمل، ومقتنع بحصوله على 200 شيقل من والده".
أضاف : "البعض ممن يقدمون للعمل لا يقيمون ذاتهم وأدائهم بالشكل الصحيح، ففي البداية يوافق الموظف على الراتب وبعد 4 شهور تجده مطالباً براتب أعلى. ولكن السؤال هنا هل يستحق ذلك؟"
واستكمل حديثه: "بعض العمال يرفضون الراتب ويعتبرونه قليل إذا ما قارنوه بما كان يقدم لهم كعمال داخل المستوطنات الإسرائيلية وفي الأراضي المحتلة عام 1948م".
"أحياناُ قد نتحجب داخل عملنا ونحتاج للتغيير". هذا ما قاله جلاد لـ"الحدث" لاسيما وأنه عمل في مجال الصيدلية لمدة 10 سنوات وكان قد درس هذا التخصص في جامعة دمشق. ولكن لماذا عمد جلاد على تغيير مهنته والدخول إلى عالم مختلف كلياً عن تخصصه كصيدلاني . وقال : "كنت أتحدى نفسي، هل يمكن أن اتقن شيئاً اخر؟ ونجحت".
" يفضلون الوظيفة الإدارية"
أما المقاول موسى شبانة (46) عاماً من قرية سنجل الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة رام الله فقد أكد لـ"الحدث" بأن العمال ومن الجيل الجديد أصبحو يفضلون العمل في وظيفة إدارية، ويرفضون العمل في الورش والمنشآت لانخفاض الراتب، غير أن البعض يعتمد على الوالد في حصوله على مصروفه اليومي".
وقد تقع المسؤولية هنا على عاتق الأهل حسب ما ذكر شبانة لـ"الحدث" لاسيما وأنهم يغرقونهم بـالدلال الزائد على حد تعبيره مما يجعلهم أفراد غير مسؤولين وغير مكترثين للحصول على العمل".
أَضاف : "الأيدي العاملة فضلت العمل داخل المستوطنات والأراضي المحتلة، وقد قدمت لهم التسهيلات في مسألة الحصول على تصاريح للعمل في الداخل، وبالتالي السوق الفلسطيني قد خسر هؤلاء العمال".
أشار شبانة والعامل في مجال المقاولات لأكثر من 30عاماً، بأن التصاريح الإسرائيلية المخصصة للعمال للعمل في الداخل المحتل قد أثرت سلباً في تقليل أعداد الأيدي العاملة لديه، حيث يشرف شبانة اليوم على 6 عمال فقط في قرية سنجل، بينما وقبل إصدار التصاريح كان يتناوب على أداء العمل معه 30 عاملاً.
في ذات السياق، قال شبانة : "كان العامل الفلسطيني يحصل على 90 شيقل في اليوم الواحد، ولكن مع تزايد أعداد الوافدين للداخل أصبح العامل يطالب بيومية تتراوح ما بين (250-350) شيقل كما العامل في الداخل المحتل، وقد لا يدرك العامل بأن الظروف الاقتصادية لدينا تختلف عن الداخل، لاسميا وأن كلما ارتفع الراتب كلما ارتفعت أسعار مواد البناء وهنا يزيد العبئ على جيبة المواطن".
ولكن السؤال هنا، هقل يقبل العامل الفلسطيني العمل وتحت أشعة الشمس وعلى مدار12 ساعة يوماً وبمبلغ لا يزيد عن 90 شيقل؟
" الـ 1500 شيقل .. شو بكفو؟"
عامل البناء داخل الأراضي المحتلة يوسف عزمي قال لـ"الحدث": " اذا أردت العمل في مؤسسة حكومية أو خاصة فقد تحصل على راتب 1500 أي اقل من مستوى الدخل، وفي ظل الغلاء المعيشي.. السؤال هدول شو بكفو؟".
شبانة حصل على شهادة البكالوريوس وبتخصص الاقتصاد من جامعة القدس- أبو ديس، وعمل في وزارة التربية والتعلن لمدة 6 أشهر، وكان يحصل بحسب ما ذكر لـ"الحدث" على راتب منخفض لا يكفيه لتوفير احتياجاته الأساسية، لذا لجأ للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
أضاف : " رفضت العمل كعامل في البناء في الأراضي الفلسطينية إذ أن العامل يحصل على يومية قليلة مقارنة بالداخل، وقد يكون العمل في الداخل المحتل متعب نوعاً ما خاصة حيث استيقظت الساعة الرابعة صباحاً لاتوجه للعمل، ولكن بالمقابل أحصل على راتب يصل شهرياً إلى 6000 شيقل، وهذا كفيل بسد احتياجات عائلتي وأبنائي".
واستكمل شبانة حديثه : "المواطن الفلسطيني يعمل كي يسدد الفواتير، وبأقل من 4000 شيقل لا تستطيع العيش".
" أبحث عن الواسطة في أي عمل"
"اتأكد من وجود الواسطة ثم أتوجه للعمل .. لا يوجد حل آخر". هذا ما يقوم به الشاب رامز الحافظ (27) عاماً من مدينة الخليل للحصول على الوظيفة، غير أنه يرفض التقدم لأي وظيفة دون وجود ما نصفه بـ (فيتامين و).
قال الحافظ لـ"الحدث" : " لو أنني وجدت فرصة في بلادي لما سافرت للخارج".
الشاب رامز الحافظ حاصل على شهادة البكالوريوس وبتخصص الصحافة، وهو الان يعمل في شركة للانتاج الفني في مدينة دبي، بعد أن كان يبحث عن وظيفة في مجال عمله ولم يجد سوى الواسطة على حد تعبيره.
أضاف : "لم أجد وظيفة في مجال عملي لذا عملت كعامل باطون في الداخل المحتل، وقد اضطررت حينها للعمل رغم رفضي للعمل نفسياً واخلاقياً"
وأنهى حديثه : "العيب مش في طبيعة العمل، العيب في المسيطرين على هالبلد".