الحدث- عامر بعلوش
تمرّ أعوام المعاناة، و لا زال قطاع غزة رهينة الخلافات والتجاذبات السياسية على كافة المستويات، سواءً بالإنقسام الفلسطيني الرئيس يين حماس وفتح، أو الخلاف الفتحاوي الفتحاوي بين محمد دحلان والرئيس محمود عباس.
هذا الأمر بدوره يُعطي دائماً مجالاً لوضع المزيد من السيناريوهات على صعيد ما سيجري، في ظل الخطوات المتسارعة التي تتخذها كافة الأطراف في الآونة الأخيرة، سواءً بتفاهمات بين حماس ودحلان، ووعودات بفتح المعابر وحل مشكلة الكهرباء من الطرف المصري وبرعاية دحلانية من جهة، وبين إجراءات أبو مازن الأخيرة بحق القطاع، إبتداءً بخصم نسبة 30 بالمئة من رواتب الموظفين، ووصولاً للإحالة إلى التقاعد و منع الكهرباء والأدوية للضغط على حماس من جهة أخرى، الأمر الذي يدع مجالاً للسؤال: هل تدفع إجراءات الرئيس أبو مازن بحق غزة و الموظفين بالخصوص، من الذهاب نحو تأييد دحلان، إذا ما استعد الأخير بتوفير كامل الحقوق والمتطلبات ؟
المجتمعات لا تعرف الفراغ
في هذا الإطار أجاب الكاتب والمحلل السياسي محسن أبو رمضان (للحدث): "الاجراءات الأخيرة شكلت ضربة لدى قطاع اجتماعي واسع لدى المواطنين وخاصة الموظفين العموميين الذين جلّهم يتبعون لحركة فتح وهم موالين للرئيس، وفي ظل هذه الإجراءات من خصم العلاوات والتقاعد وآخره، بدوره ذلك خلق حالة من الإرباك بين الموظفين الذين هم موالين للشرعية الفتحاوية".
وأضاف أبو رمضان في مقابلة مع مراسل (الحدث): "المجتمع والطبيعة لا تقبل الفراغ، وأعتقد بأنه إذا تم توفير شبكة حماية لهؤلاء الناس، خصوصاً بما يتعلق بموضوع فرص العمل وحركة المعبر والمرضى والطلاب وغيرها من الملفات، بالتأكيد وبغض النظر عن التأييد الشخصي، سوف يقبلون بهذا الواقع".
وتابع:"ربما قطاعات ستنحاز بشكل كامل للسيد محمد دحلان وقطاعات ستصفه بشبكة إنقاذ إجتماعي لهذا القطاع الإجتماعي، الذي يدفع السيد الرئيس بخطواته تجاه عزله وإقصاءه".
وأشار أبو رمضان: "الإجراءات التي يتبعها الرئيس غير مقنعة لأحد بأنها للضغط على حركة حماس، فلا ذنب للمريض بحركة حماس، وهي بشكل عام غير مقنعة للرأي العام".
ونوّه أبو رمضان في حديثه لمراسل الحدث: "الخطوات التي يتبعها أبو مازن من شأنها تعزيز عملية الإنفصال والتجزئة، وهذا ما ترتضيه إسرائيل وتطمح له، ولا أعتقد أنها يمكن أن تصب في صالح الوحدة والدولة الفلسطينية"
هل هو إنتماء أم إنتفاع ؟
وفي السياق ذاته قال الكاتب والناشط الفتحاوي أحمد الملفوح (للحدث): "الحقيقة أننا جميعاً بِتنا نعلم، بأن مفهوم الإنتماء لدينا تحوّل للإنتفاع منذ زمن، والكثير من الموظفين أبناء الشرعية (بالإشارة إلى أتباع أبو مازن)، لا يربطهم بفتح سوى الراتب، وإن انعدم هذا الراتب وذهب، من الطبيعي أن يلجأوا إلى من يوفره".
وأضاف الملفوح لمراسل الحدث: "بغض النظر عمّا يحمل الطرفين من توجه أو فكر أو ما يدعك تتبعه أو تنتمي له، ليس الجميع يكترث لهذه المفاهيم، بقدر ما يكترثون لمصلحتهم وحياتهم ومستقبلهم".
ومن زاوية أخرى قال الناشط محمد التلولي، أحد منظميّ الحراك الشعبي في غزة (للحدث): "شعبنا لم يعد يحتمل المزيد من الضغط، ويجب على جميع الأطراف أن تنظر لمصلحة هذا الشعب، وتحيّده من تجاذباتهم ومناكفاتهم".
وأضاف التلولي (للحدث): "ليس المهم من يحلّ الأزمة، بقدر ما يهم متى سوف يتم حلّها، ومعظم شباب غزة لم يعد يهمهم أي أبعاد سياسية أخرى، بقدر ما يهمهم حياتهم ومستقبلهم، ولكن طبعاً بالحدود التي لا تضر مصلحة قضيتنا الوطنية".
وأشار التلولي إلى أن المواطن البسيط يقف على مسافة واحدة بين كافة الأطراف، ومن الممكن طبعاً أن يلجأ نحو دحلان أو غير دحلان، إذا ما كان ذلك يؤمن له حياته و يُغيّر منها.
ونوّه التلولي إلى أن الأحزاب ومشكلاتها هي من أوصلت شعبنا في غزة إلى هذه المرحلة، بأن يتعلّق بأي ورقة رابحة، بعد أن فقد كامل حقوقه ومقوّمات حياته.
ولم يختلف موقف الحقوقي والمحامي وديع العرابيد كثيراً عمّن سبقوه، حيث قال في حديثه لمراسل (الحدث): "بغض النظر عن اختلافي الكامل مع توجهّات محمد دحلان، ولكن لا يمكن الإنكار بأن تياره بات الآن يشكّل شريحة من أبناء شعبنا، لا يمكن إقصائها".
وتابع العرابيد: "جيل كامل من الشباب قد تم إعدامه في هذه الحقبة الممتدة طوال سنوات الإنقسام والحصار، والجميع الآن بات بحاجة لمن يوفّر له فرصة، ولا أعتقد أن كثير منهم يهمه من وأين تكون هذه الفرصة".
وأشار العرابيد متمنيّاً، بأن يكون هناك بيّرق أمل من كل التفاهمات الجارية، وأن يعود لم الشمل الفلسطيني والفتحاوي، لتتحقق أحلام الجميع، على حد قوله.
ويُذكر بأن حركة فتح في غزة قد أعلنت عن تجميد كافة أعمالها التنظيمية والحركية في وقت سابق من الأسبوع الجاري، وكان ذلك في إطار الإحتجاج على إجراءات الرئيس أبو مازن بحق الموظفين، وخصوصاً ملف الإحالة إلى التقاعد، وهددت بتصعيد الإجراءات الإحتجاجية إذا لم يتم النظر فوراً لملف الموظفين وحلّه من قبل الرئاسة الفلسطينية.