الحدث- محاسن أُصرف
أفضت المفاوضات التي جرت بين "حركة حماس" و" محمد دحلان" النائب المفصول من حركة "فتح"، والمستمرة منذ أشهر إلى تشكيل لجنة في الحادي عشر من أغسطس 2017 الماضي، عُرفت بـ"اللجنة الإماراتية المصرية"، مهمتها الإشراف على المشاريع التي سيتم تنفيذها في القطاع بأموال إماراتية ودعم عربي وأوروبي أحيانًا، فيما يصب تعاملها الأساسي مع اللجنة الوطنية الإسلامية للتكافل الاجتماعي "تكافل" المُشكلة من خمسة فصائل فلسطينية هي "فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهتان الشعبية والديمقراطية".
وبحسب مسؤولين في قطاع غزة، فإنَّ المشاريع التي ستُنفذها اللجنة تستهدف الجوانب الإنسانية في قطاع غزة، والتي تُحددها لجنة التكافل بقيمة إجمالية حوالي 15 مليون دولار أمريكي شهريًّا، ومن المتوقع أن تتعلق بقطاعات الكهرباء، والصحة، والتعليم، والزراعة، والصيد، بالإضافة إلى تمكين الشباب للحصول على فرص عمل وتدعيم التنمية من خلال مشاريع مستدامة وقروض دوارة، فضلًا عن ملف المصالحة المجتمعية.
وفي ظلِّ ذلك يُعول الفلسطينيون في القطاع آمالًا كبيرة بأن تُؤدي هذه اللجنّة دورها المنشود في حلحلة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، وتحسين فرص العيش لديهم؛ بما يُمكِّنهم من الصمود والثبات، آملين أن يتمَّ تنفيذ المشاريع في كلِّ المناطق الفلسطينية، وأن يستفيد منها المواطنون المُنهكون كافة بفعل أزمات القطاع المتوالية بعيدًا عن أيِّ تجاذبات سياسية أو خلافات فصائلية، وأن يتم الإشراف عليها من قبل الإماراتيين لضمان ذلك تمامًا، كما حدث في اللجنة القطرية التي بدأت مشاريعها في القطاع منذ عام 2011.
آمال بحلحلة الأوضاع في غزة
ويقول أحد المواطنين الذين تضرروا من أحداث الانقسام المُسلحة لـ"الحدث": "بالأمس القريب عُقدت جلسة مُصالحة بين العائلات المُقتتلة بدعم من لجنة المصالحة المجتمعية ونأمل أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سواء من تسديد الديّات أو عودة الهاربين، وأن ينتهي أثر الاقتتال بلا رجعة".
فيما أضاف "عبد الله محسن" 25 عامًا من بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس: "ننتظر بلهفة أن تشرع الإمارات بدعم وتنفيذ المشاريع التي أقرتها لجنّة التكافل علّنا نحصل على فرصة عمل"، وكان الشاب "مُحسن" قد تخرج قبل ثلاثة أعوام من كلية الهندسة، لكنه لم يحظَ بفرصة عمل واحدة –وفق تعبيره- وقال لـ"الحدث" ساخرًا: "حتى فرص البطالة المؤقتة كان لها أصحابها"، في إشارة منه إلى تفشي الواسطة والمحسوبية في توزيع الفرص على قلتها.
17 مشروعًا بانتظار غزة
من جانبه قال "صلاح البردويل" عضو المكتب السياسي لحركة حماس: "إنَّ أهم نتائج الزيارة الأخيرة لجمهورية مصر العربية التوافق على 17 مشروعًا لإغاثة قطاع غزة، بقيمة 15 مليون دولار شهريًّا" مؤكدًا أنَّ الداعم المالي الأول لتلك المشاريع هي الإمارات العربية المتحدة، فيما ستتم عملية الإشراف والمتابعة على آليات التنفيذ عبر القاهرة.
ومن المتوقع أن تضمَّ رزمة المشاريع الـ17 التي ستُنفذها اللجنة في الفترة القادمة في القطاع بالمال الإماراتي، إنشاء محطة لتوليد الكهرباء بقيمة إجمالية حوالي 100 مليون دولار-وفق ما صرّح به دحلان في بداية اللقاءات- وتناقلته عنّه وسائل إعلام محلية، بالإضافة إلى توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطة القائمة حاليًا، وتوفير دعم مالي لصندوق لجنّة المصالحة المجتمعية لدفع الديّات وإنهاء خلافات الانقسام الذي مزّق النسيج المجتمعي، بالإضافة إلى بعض المشاريع التنموية التي تُوفّر فرص عمل للشباب الغزي لانتشاله من مستنقع البطالة.
وفي هذا السياق أكد "ماجد أبو شمالة" رئيس لجنة التكافل في قطاع غزة أنّ مهمة اللجنة التي تم تشكيلها انتشال غزة من مرحلة الانهيار التي وصلت إليها مؤخرًا، والتي تفاقمت بشكل كبير بعد إجراءات الرئيس محمود عبّاس العقابية بحق غزة وأهلها، وقال لـ"الحدث": "نعمل بشكل متناسق ومع مصر والإمارات من أجل إنهاء الواقع المأساوي الذي وصل إليه الناس".
وكان الرئيس محمود عبّاس، اتخذ منذ مارس الماضي سلسلة قرارات عقابية بحق قطاع غزة بدأت بفرض ضريبة على الوقود المُورد لغزة لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة هناك، ثم قلَّص المبالغ التي تدفعها السلطة لإسرائيل مقابل تزويد القطاع بالكهرباء بنسبة 45%؛ ما أسهم في إغراق غزة بالظلام لأكثر من 20 ساعة يوميًّا، وعمد في وقتٍ لاحق إلى تقليص رواتب موظفي السلطة في القطاع بنسب تتراوح بين 30-50%، ولم يتوقف عند هذا الحدِّ، بل قرر إحالة أكثر من 6 آلاف موظف إلى التقاعد المبكر، وبرر وقتها إجراءاته بأنها وسيلة للضغط على حركة حماس في قطاع غزة لأن تتخلى عن إجراءاتها الانقلابية بالسيطرة والتحكم في القطاع، وربط تراجعه عن إجراءاته بحلِّ "حماس" اللجنة الإدارية التي شكلتها والسماح لحكومة الوفاق الوطني بالقيام بمسؤولياتها في إدارة شؤون القطاع بشكل كامل، بالإضافة إلى التحضير لإجراء الانتخابات العامة.
وبحسب مصدر في لجنّة التكافل، أكد لـ"الحدث" أنَّ المشاريع الـ 17 التي سيتم تمويلها عاجلًا من الإمارات تخدم قطاعات الصحة، وبخاصة شراء الأدوية لتحسين مخزون وزارة الصحة منها، والتقليل من نسب تحويلات العلاج إلى الخارج، إضافة إلى مشاريع الطاقة الشمسية ومشاريع إسكانية ومشاريع لدعم قطاع الصيد الذي تضرر كثيرًا من ممارسات الاحتلال خلال السنوات العشر الماضية، لافتًا إلى أنَّ مصر اتخذت أولى خطواتها في تنفيذ التفاهمات التي رعتها على مرّ الأشهر السابقة بـزيادة كمية الكهرباء الواصلة عبرها للقطاع إلى 50 ميجا واط، كما توسطت لدى "إسرائيل" لتمكين "حماس" من شراء الوقود بشكل مباشر منها بعيدًا عن السلطة الفلسطينية في رام الله، وهو ما يُخلصها من عبء الضرائب الإضافي الذي يتوجب عليها دفعه.
دور مصري لافت
ويتوقّع الخبراء أن يكون لمصر دور لافت في تنفيذ التفاهمات على الأرض، وتسهيل عمل اللجنّة الإماراتية التي ستُراقب دخول الأموال إلى لجنة "التكافل" من أجل إنفاقها في الوجهات المُخصصة لها، حيث أكد المسؤول "أبو شمالة" رئيس لجنة التكافل، أنَّ مصر سيكون لها دور أساسي في تسهيل دخول احتياجات القطاع سواء السولار أو الأدوية أو غيرها من البضائع والاحتياجات التي تُحسن واقع الحياة الإنسانية والاقتصادية لسكان القطاع وفق الخطة الإستراتيجية التي أعدتها اللجنة، وشدد على أنَّ قرار صرف الأموال المُخصصة لتنفيذ المشاريع صدر، وأنه بمجرد انتهاء الإجراءات الفنية سيتم البدء بالعمل قريبًا، وتوقع أن تُحدث المشاريع حالة من الانتعاش في الحياة الاقتصادية بغزة.
من جهته عدّ "خالد البطش" عضو لجنة التكافل عن حركة الجهاد الإسلامي أنَّ الدور المصري محكوم بتفاهمات أمنية بين مصر وحماس، وأضاف لـ"الحدث" أنَّ حماس ماضية في تأمين الحدود العازلة مع مصر في إطار الحصول على تسهيلات المصريين؛ لتخفيف واقع الأزمات التي يعاني منها سكان القطاع عمومًا.
وفي سياقٍ متصل شدد على ضرورة تحقيق المصالحة الشاملة والكاملة مع الأطراف الفلسطينية وفق المصلحة العامة للمواطن وبعيدًا عن التسلط، لافتًا إلى أنَّ التفاهمات الأخيرة لن تكون البديل، وإنما خطوة على طريق تحسن الأوضاع في غزة، وقال: "إنّ أيَّ مساعدات من مصر أو الإمارات لن تكون مدفوعة بثمن سياسي، ولن تُشكِّل مخرجًا جذريًا لأزمات القطاع"، داعيًا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من الفصائل الفلسطينية كافة تخدم المواطن الفلسطيني أولًا، وتتولى مسؤولياتها تجاهه دون نزاعات سياسية أو تجاذبات فصائلية.
فيما كشف "سمير المشهراوي" القيادي في فتح أنَّ مصر تسعى إلى إنشاء معبر تجاري، وهو ما يُفسّر برأيه التأخير في فتح معبر رفح بشكل كامل ودائم مطلع سبتمبر الحالي، كما كان متفقًا عليه، وأشار في مقابلة على تلفزيون الغد تابعتها "الحدث" إلى أنَّ العمليات الإرهابية الأخيرة في سيناء كانت سببًا آخر في التعطيل، يؤمل أن ينتهي سريعًا باستتباب الأمن هناك، وإنهاء معاناة الفلسطينيين على المعبر قائلًا: هناك بعض التصرفات الفردية التي لا تليق بمصر تجاه الفلسطينيين على المعبر، والقيادة المصرية غير راضية عنها، لكن تضطر إليها لحماية أمنها القومي ونأمل أن تنتهي عاجلًا.
أثر إيجابي
من جانبهم، ينظر خبراء الاقتصاد في غزة إلى المشاريع التي ستتولى تنفيذها اللجنة الإماراتية المصرية، سواء بالمال الإماراتي أو الإشراف المصري ستدعم الاقتصاد الفلسطيني على أكثر من صعيد سواء بتقليص نسب البطالة بين الشباب عبر توفير فرص عمل، أو بإنعاش الحالة الإنتاجية في القطاعات المختلفة الصناعة والزراعة وغيرها.
ويقول "د. معين رجب" أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر: إنَّ المشاريع القائمة ستعمل على فكفكة الأزمات المتراكمة في القطاع بسبب الحصار والانقسام المستمرين منذ 10 أعوام، كما ستُساهم في تنمية العديد من القطاعات وتحريك العجلة الاقتصادية، وتشغيل المؤسسات الإنتاجية في قطاع الصناعة والمقاولات، لا سيما التجارة بالتصدير إلى الخارج والحصول على العملة الصعبة التي تُعدّ مصدر قوة لأيِّ اقتصاد.