الثلاثاء  08 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

البلاد لم تكن قفرا أو مهملة

2017-09-28 05:47:19 AM
البلاد لم تكن قفرا أو مهملة
باب الاسباط في القدس (تصوير: الحدث 2017)

الحدث الإسرائيلي

 

فيما يلي نص مقال ترجمته صحيفة الغد الأردنية عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

 

نص المقال:

 

نتنياهو يخترع تاريخا؛ "حتى سنوات ليست بالكثيرة، هذه البلاد كانت يبابا ومهملة"، قال رئيس الحكومة نتنياهو في تهنئته لاعضاء حزب "هئيحود هليئومي" في مؤتمره هذا الشهر. بهذا تمسك نتنياهو بمحاولته الفاشلة لإعادة كتابة التاريخ واضافة رواية مصطنعة الى نظريته. تلك النظرية التي تريد أن تعرض الصراع عبر عيون طائر البطريق، بالاسود والابيض، وتتجاهل أن النزاعات والحلول التصالحية موجودة دائما بين تنوعات اللون الرمادي؛ تلك النظرية التي ترفض حل الدولتين، وتقرب إسرائيل من فقدان الرؤيا الصهيونية من خلال تفكك اجهزة الليبرالية والديمقراطية. 


خلال سنوات كثيرة تجذرت مقولة الزعيم الصهيوني يسرائيل زنغفيل: "شعب بدون ارض يعود الى ارض بدون شعب" (هناك من ينسبون هذا القول الى اللورد شفتسبيري الذي كتب في 1884 في مذكراته "ارض بدون شعب لشعب بدون ارض"). من المناسب أن نطرح هنا عدد العرب في ارض إسرائيل والزيادة التي حدثت فيها، كما نشرت من قبل يعقوب شمعوني، سكرتير القسم العربي في الوكالة اليهودية في 1942 – 1946 في كتابه "عرب ارض إسرائيل". 
في العام 1800 كان في ارض إسرائيل 200 ألف عربي، وفي 1830 ارتفع العدد الى 250 ألف، وفي 1905 وصل العدد الى نصف مليون نسمة، وعشية صك الانتداب في سان ريمو في  1920، وصل العدد الى 600 ألف. حسب الاستطلاع الذي أجرته بريطانيا في 1922 عند المصادقة على الانتداب من قبل عصبة الامم كان عدد العرب 673 ألف نسمة واليهود 83 ألف نسمة. 


فقط 15 إلى 20 في المئة من الزيادة السكانية العربية في ارض إسرائيل في فترة الانتداب، من 673 ألف في 1922 الى مليون و300 ألف عشية اقامة الدولة، كانت نتيجة للهجرة. معظم الزيادة جاءت من التكاثر الطبيعي، وكنتيجة للانخفاض الكبير في معدل الوفيات.


اذا كان الامر كذلك فإن ارض إسرائيل لم تكن فارغة تماما. عدد العرب في 1922 كان اكبر من عدد اليهود عندما قامت دولة إسرائيل بعد ربع قرن. كما أنها لم تكن قفرا. في 1891 كتب احاد هعام، مؤسس الصهيونية الروحانية ومن كبار مفكري الصهيونية: "نحن معتادون في الخارج أن نعتقد، أن ارض إسرائيل هي الآن كلها قفرا، صحراء بدون زرع، ولكن في الحقيقة الامر ليس كذلك. في كل البلاد يصعب أن تجد ارض قابلة للزراعة غير مزروعة. فقط المناطق الرملية أو الحجرية (...) فقط هذه غير مفلوحة".


أيضا لم تكن متروكة. يتسحاق افيشتاين، مربي ومن مجددي اللغة العبرية في ارض إسرائيل، كتب في مقال له في 1907 بأن "لقد اخذنا في الحسبان كل المواضيع المتعلقة ببلادنا،.. ولكن امر واحد نسيناه: أنه في الارض التي تطلعنا اليها شعب كامل، يسيطر عليها منذ مئات السنين، ولم يخطر بباله في أي يوم أن يتركها (...) في الوقت الذي نشعر فيه بحب الوطن وبكل الشوق لأرض آبائنا، نحن ننسى أيضا أن للشعب الذي يعيش فيها الآن قلب حساس وروح محبة. العربي، مثل كل انسان، مرتبط بالوطن بروابط قوية.


هذا الواقع الديمغرافي ربما غريب عن رئيس الحكومة، ابن المؤرخ، لكنه هو الذي خلق التحدي الكبير أمام الحركة الصهيونية، التي في تطلعها لإنشاء دولة يهودية وديمقراطية، كما أكد عليه نورداو في المؤتمر الصهيوني في لندن في 1920 عندما قال "من الضروري ايجاد على الاقل 5 آلاف يهودي في ارض إسرائيل في الوقت الذي تحصل فيه بريطانيا على الانتداب على ارض إسرائيل. وإلا سيحكم على الصهيونية بالفشل". هذا التحدي هو الذي أوجد البند 6 في قرار الانتداب الذي نص على "النظام في فلسطين، وهو يتعهد بأن حقوق ومكانة باقي الاقسام السكانية لا يتم الاضرار بها، سيساعد بشروط مناسبة في تشجيع الهجرة اليهودية".


رئيس الحكومة يواصل ويضيف "عملا" آخر الى نظريته "ولكن منذ عودتنا الى صهيون بعد اجيال من سنوات الشتات، ارض إسرائيل تزدهر". خلافا لأقواله فإن عالم الجغرافيا دافيد غروسمان يقول إنه "من ناحية تجارية عرفت ارض إسرائيل تطورا كبيرا في الثلاثين سنة التي سبقت الهجرة الاولى". إن الزيادة البارزة في عدد السكان العرب في ارض إسرائيل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يفسرها غروسمان بالزيادة الدراماتيكية في عدد الحجاج للاماكن المقدسة في القدس، بعد الاتفاقات في نهاية حرب القرم (1853 – 1856)، وشق قناة السويس. 


فرع الحج الى الاماكن المقدسة أدى الى تدفق الاموال، وخلق ضغط على السلطة العثمانية لتحسين طرق المواصلات، وزيادة نجاعة الاجهزة البيروقراطية وزيادة الأمن الشخصي. هكذا شقت الطريق من يافا الى القدس في 1869، وتم تمديد سكة حديد في 1892. فتح قناة السويس في 1869 حسن قدرة التصدير واعطى دفعة قوية لتطور فروع البستنة والحمضيات في العقد الذي سبق الهجرة الاولى.


مع ذلك، يجب أن نسجل لصالح الهجرة الاولى كما يقول المؤرخ افرايم كارش أن متوسط العمر لدى عرب ارض إسرائيل زاد من 37.5 سنة في الأعوام 1926 – 1927 الى 50 سنة في الاعوام 1942 – 1944، مقارنة مع 33 سنة في مصر.  كارش يدعي أن حقيقة أن هذا التحسين لم يحدث في دول عربية اخرى تقع تحت حكم بريطانيا، تعزز الادعاء بدور الاستيطان اليهودي في تحسين وضع عرب إسرائيل. في تقرير لجنة التحقيق برئاسة بيل في 1937، الحكومة البريطانية تشير الى أنه حسب الاحصاء السكاني في 1922 و1931 يمكن رؤية زيادة واضحة في عدد السكان العرب في المدن المختلطة (86 في المئة في حيفا و62 في المئة في يافا و37 في المئة في القدس). مقابل زيادة معتدلة في مدن عربية مثل نابلس والخليل (فقط 70 في المئة) أو حتى هبوط (2 في المئة) في غزة.


"نحن نبني البلاد ونسكنها، في الجبل، الغور، الجليل والنقب، وفي يهودا والسامرة أيضا. لأن هذه البلاد هي بلادنا". يواصل رئيس الحكومة فيلمه، متجاهلا حقيقة أنه في 1922 أحصى البريطانيون 850 بلدة عربية في ارجاء ارض إسرائيل. ويؤكد على هذا في 1969 وزير الأمن في حينه موشيه ديان الذي قال "جئنا الى هنا، الى هذا الجزء من البلاد، الذي كان مسكونا من قبل العرب، نحن نقيم هنا دولة عبرية يهودية. في جزء كبير من الاماكن اشترينا الارض من أيدي العرب. في مكان القرى العربية أنشئت قرى يهودية (...) ليس هناك مكان واحد لم يقم بدلا مما كان بلدة عربية سابقة". 


بالنسبة للبناء الإسرائيلي في يهودا والسامرة علينا أن نحيل نتنياهو مرة اخرى الى اقوال احاد هعام، الذي كتب بخصوص مجموعات معينة: "علينا أن نكون حذرين في تصرفاتنا مع الاغيار الذين نأتي للعيش داخلهم من جديد، علينا أن نتعامل معهم بحب واحترام، وليس هناك مكان للقول بعدل ونزاهة. وماذا يعمل اخوتنا في ارض إسرائيل؟ العكس تماما. عبيدا كانوا في بلاد منفاهم، وفجأة يجدون انفسهم في حرية مطلقة العنان (...) عندما يحدث دائما لعبد أن يسود، وها هم يتعاملون مع العرب بعداء وبقسوة. يحققون غاياتهم بدون عدل". 


الادعاءات الكاذبة والصبيانية التي يتمسك في احيان كثيرة بها نتنياهو تحاول تعزيز الادعاء الصهيوني في مجالات ليست ذات صلة والتي تحوله وتحولها الى مضحكين، شبيها لعدد من ادعاءات فلسطينية. ابتداء من المذكرة التي قدمت لتشرتشل من قبل اللجنة التنفيذية العربية اثناء زيارته للبلاد في آذار 1921 والتي كتب فيها "لا يغيب عن سياسي محنك مثلك أن الاوائل الذين سكنوا في فلسطين منذ الأزل ليسوا سوى العرب العماليق، آباؤنا الأوائل"، وانتهاء بادعاء عرفات في كامب ديفيد 2000 الذي ينفي فيه وجود الهيكل في منطقة الحرم في القدس.


هذه الادعاءات التي يتم اسماعها فقط من قبل من يشعر بضعف أحقيته، وبموقفه وايمانه، تضر بالرواية الصهيونية وتضعف قوتها السياسية والقانونية والتاريخية والاخلاقية الثابتة. كما اختار بن غوريون أن يلخص في وثيقة الاستقلال "هذا الاعتراف للأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي بإقامة دولته غير قابل للمصادرة. هذا حق طبيعي للشعب اليهودي بأن يكون مثل كل شعب آخر يمسك مصيره بيديه في دولته السيادية... ومن خلال حقه الطبيعي والتاريخي وعلى أساس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، نحن نعلن بهذا عن اقامة دولة يهودية في ارض إسرائيل، وهي دولة إسرائيل".