خاص الحدث
واحدة من أكثر القضايا أهمية لتداعيات المصالحة الفتحاوية الحمساوية على الوظيفة العمومية المدنية والعسكرية، النقل والانتداب والإعارة، وإن كانت موجودة أصلاً، لكن من المتوقع إجراء حالة تنقلات وانتدابات كبيرة في القطاعين المدني والأمني؛ نظرًا لاستيعاب عشرات آلاف الموظفين المحسوبين على (حماس) ضمن كادر حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة.
ومن خلال استقراء الواقع العملي لحالات النقل والانتداب والإعارة سابقًا، فإنّه من المتوقع أيضًا أن تزداد مظاهر الخلل فيها، والمتمثلة (بحسب باحثين وقانونيين ومراقبين) بعدم الالتزام بسحب الامتيازات الوظيفية لبعض موظفي القطاع العام بعد نقلهم من مراكز عملهم إلى ملاك ديوان الموظفين العام، وذلك على اعتبار أنَّ تلك المزايا مقترنة بالعمل الفعلي، نقل بعض الموظفين من مكان لآخر دون أن يتم التعديل على بدل المواصلات الثابتة لهم بالتخفيض، وأثر ذلك على هدر المال العام، واستخدام مصطلح غير موجود من الناحية القانونية وهو (الفرز)؛ وذلك من خلال قيام رؤساء الأجهزة الأمنية بفرز موظفين للعمل في أجهزة أمنية أخرى، وفرز موظفين من المؤسسات المدنية للعمل في الأجهزة الأمنية، بالإضافة وجود بعض حالات تم فيها فرز لبعض الموظفين من أمنيين أو مدنيين للعمل لدى الفصائل أو لدى شخصيات وطنية أو مؤسسات غير حكومية.
وكلما تمّ الاقتراب من اتمام المصالحة ازدادت المطالبات لإدماج سياسة الانتداب والإعارة الوظيفي ضمن الخطط والسياسات الوطنية، وإقرار قانون خاص بالتدوير الوظيفي باعتباره أحد القوانين المنفذة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والعمل على إجراء تدوير وظيفي لبعض الموظفين الذين يشغلون وظائف حساسة، لأنه يخشى من بقاء الموظفين فترة طويلة في استغلال مواقعهم الوظيفية، وبالتالي ارتكاب أعمال فساد، وأن تصبح القرارات الإدارية التي تصدر عن الإدارة بشكل عام قرارات إدارية مسببة تسبيبًا كافيًا وواضحًا وشافيًا ومكتوبًا على أساس أن يكون القرار مستندًا على أسس قانونية واضحة وسليمة، والتوقف عن إصدار قرارات النقل إلى ديوان الموظفين العام، بخاصة أنّ سندها القانوني غير واضح، والالتزام بالقواعد المتعلقة بقانون الخدمة المدنية، سواء من حيث الجهات التي يتم الانتداب لها أو الجهات التي تتم الإعارة لها، والمدد الزمنية المتعلقة بذلك.
وعلى صعيد القطاع العسكري، تزداد المطالبة بإكمال المنظومة التشريعية المتعلقة ببعض الأجهزة الأمنية، وإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة في قوى الأمن؛ وذلك لسد بعض جوانب النقص الواردة في القانون، وإقرار الهياكل التنظيمية المتعلقة بالأجهزة الأمنية على أساس أن تتم عمليات النقل والانتداب والإعارة وفق الهيكليات المقرة والمعتمدة، وأن يتم تقنين الفرز الحاصل في الأجهزة الأمنية قدر الإمكان، خاصة لغياب الإطار القانوني الناظم له.
إعارة موظفين على مشاريع ممولة من جهات مانحة
وفي هذا السياق، كشف الباحث الدكتور عبد الرحيم طه، عن مخالفة قانون الخدمة المدنية في إعارة موظفين على مشاريع ممولة من جهات مانحة، وتنفذ لدى الدوائر الحكومية، مع أنَّ هذه المشاريع لا تعدّ من الجهات التي حددها القانون في الإعارة، الأمر الذي ينطوي على محاباة واستغلال للموقع الوظيفي.
ومن بين مخاطر النقل والانتداب التي أكد وجودها الدكتور طه: "بعض الخروقات القانونية في عدم الالتزام بالضوابط الناظمة للنقل والانتداب والإعارة، والإشكاليات التي تركزت في عمليات النقل الوظفي، باعتبار أنَّ بعضها كانت جبرية، ولا تستهدف تحقيق المصلحة العامة، وقد تكون أحيانًا في صورة إجراء تأديبي، وبالتالي محكمة العدل العليا نظرت في بعض القرارات وأرست بعض المبادئ فيما يتعلق بالنقل الوظيفي".
ويؤكد الدكتور طه، أنَّ القانون يضع للانتداب ضوابط لفترات زمنية معينة، وقال: "لا يجوز إعادة انتداب الموظف في فترة معينة، إلا بعد مرور مدد زمنية محددة يتم الانتداب إلى جهات حكومية فقط، ولكن هناك حالات تمت لجهات غير حكومية، وهناك حالات إعارة تمت على مشاريع ممولة، كما حصل في هيئة المدن والمناطق الصناعية، وبالنتيجة فإنّ النقص التشريعي في هذا المجال قد يستغل أحيانًا لممارسة بعض الخروقات.
وقال محمد مناصرة- مستشار قانوني في ديوان الرقابة الإدارية والمالية: "من ضمن أكثر الأمور جدلاً كانت الإعارة لمشاريع ممولة، ففي حين كان الموظف يتلقى راتبًا يتراوح بين 4–5 آلاف شيقل، فإنه يتحول على مشروع؛ ليحصل على راتب يتراوح ما بين 6-10 آلاف دولار. وعددنا هذا المشروع إيرادًا للسلطة، وهو من إيرادات السلطة، ويجب أن يسجل في الخزينة العامة ويدرج ضمن الموازنة العامة، فكيف يمكن أن يتم التحويل عليه، فهو ليس مؤسسة عامة أو حكومية. لذلك تمت مراسلة مجلس الوزراء وصدر قرار بعدم الإعارة على المشاريع، وموضوع الإعارة والندب في نصِّ المادة واضح بأنه الاقتصاد في النفقة والمصلحة العامة هي أساس النقل والإعارة".
النقل والانتداب والإعارة في الوظائف المدنية والعسكرية
وعلى الرغم من عدم وجود سياسات رسمية مكتوبة، فإنّ الدكتور طه، يرى أنَّ هناك بعض الممارسات العملية التي تؤكد التدوير الوظيفي في الجهاز القضائي، والنيابة العامة، الضابطة الجمركية.
ويشدد طه، على ضرورة إجراء النقل والتدوير الوظيفي لسد بعض الاحتياجات الوظيفية والتوفير على الخزينة العامة، مثلما هو معمول به في الأجهزة الأمنية، وبالذات جهاز الشرطة والدفاع المدني والضابطة الجمركية، وهي أجهزة تقع على عاتقها مهمات كبيرة؛ ما يتطلب رفدها بموظفين سواء عبر النقل من أجهزة أخرى بدلاً من تعيينات جديدة، على أساس تمكين هذه الأجهزة من القيام بمهامها.
أما تجربة النيابة العامة التي حصلت في 2016 في النقل الوظيفي، فقال: "نظرًا لعدم وجود اعتمادات مالية خاصة فيها، تمّ الطلب من مجلس الوزراء بنقل عدد من موظفي القطاع العام المدني إلى جهاز النيابة العامة، وتقدمت الطلبات وأجريت المقابلات، وتمت تعيينات معاوني النيابة العامة، وقبل فترة قصيرة تمت ترقيتهم إلى وكيل نيابة عامة. وحصلت بعض التساؤلات على ورود بعض الأسماء لبعض أبناء المسؤولين في هذه القوائم، ولكن تجربة النيابة العامة في هذا المجال كانت تجربة في الاتجاه الصحيح، حيث إنها رشدت من الإنفاق العام، واستفادت من الموظفين الموجودين في وزارات مختلفة بدلاً من تعيين موظفين جدد تمت الاستفادة من الموارد البشرية المتاحة".
ويختلف المحامي إبراهيم البرغوثي، مع الدكتور طه، بإهمال مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون، وقال: "لا يجب النظر للوظيفة الحكومية وكأنَّ الحكومة تملك البلد كلها، فالوظيفة الحكومية هي وظيفة تنفيذية تخص السلطة التنفيذية، وبإعمال مبدأ فصل السلطات هناك ضوابط ومعايير لا علاقة للحكومة، فيما يتعلق بالسلطتين الأخريين القضائية والتشريعية، وبالتالي يجب عدم الإشادة بنقل الموظفين إلى النيابة العامة.
توريث النظام وليس تدويره
ويقول البرغوثي: "بالرغم ما شاب المعايير والفساد وإعادة تدوير النظام كلّه، فالأمر لا يتعدى عن كونه (توريث النظام وليس تدويره)؛ لذلك من المهم بمكان ألا نسقط مبدأ دولة القانون، وإنّ هناك ثلاث سلطات، والسلطة التنفيذية عليها ألا تتجاوز حدود صلاحياتها، ويجب ألا تكون راعية ومالكة للوطن، فلسنا في مزرعة خاصة، والقرار الذي صدر عن الحكومة فيما يتعلق بالنيابة العامة مسيء لدولة القانون، ومتجاوز لمبدأ الفصل، ولمبدأ المساواة أمام القانون باعتباره حقًّا دستوريًّا لصيقًا بآدمية الإنسان، وبالتالي من يشغل وظيفة يجب أن تتاح الفرصة للجميع على قاعدة المساواة ووفق معايير".
ويرى البرغوثي، "أنه لا يعقل أن يكون هناك شخص ينقل من وظيفة حكومية إلى أخرى ذات طابع قضائي، أو طابع يمسّ بسيادة القانون، يجب الحفاظ على مبدأ فصل السلطات، والحفاظ على عدم تجاوز السلطة التنفيذية لاختصاصاتها، ويجب الحفاظ على معايير استقلال السلطة القضائية والقضاة، وإذا كانت النيابة شعبة من شعب القضاء، فيجب الحفاظ أيضًا على استقلالها لا سيما أنَّ ثمة توجهًا بنقل الوظيفة من النيابة إلى القضاء".
الحالة الفلسطينية غير مكتملة
وتتفق النائب في المجلس التشريعي الدكتورة نجاة أبو بكر، مع رأي المحامي البرغوثي حينما قالت: "إنَّ الحالة الفلسطينية غير مكتملة في ظلِّ غياب المجلس التشريعي وتعطيله، وعدم الفصل بين السلطات الثلاث تؤدي إلى كلّ إشكاليات النقل والانتداب والإعارة، التي يجري الاجتهاد حولها، ولكن هناك حلقة مفقودة بين الجهة التنفيذية في الحكومة، وبين جهة الاختصاص في التشريع".
وتدعو أبو بكر، للذهاب إلى الحالات العلاجية، وليس التشخيصية، وتقول: "هذه الفجوات القانونية تدلّ على أنَّ الخلل ليس من الموظفين، وإنما هناك خلل عند الوزراء الذين لديهم فائض صلاحيات، وبإمكان الوزير معالجة الإشكال بالقوة العقلية، وليس بالسلطة التقديرية. وأرى اليوم أنه توجد علاقات مؤسساتية، لكنها ليست تكاملية، وأشعر أنَّ الديوان له مملكته، وكذلك الحال بالنسبة لمجلس الوزراء ووزارة الاقتصاد، والوزارات والمؤسسات الحكومية كافة".
وتعدّ النائب أبو بكر، قضية التدوير بالمشكلة الدائمة، لا سيما في ظل تكلّس الموظف حول مسماه الوظيفي، رافضًا أن يحصل عليه غيره، وتقول: "نتيجة غياب التنظيم الحقيقي وقوننة القضايا وسطوة المحسوبية وتحديدًا بإمرة بعض المتنفذين جعلت الموظفين يتكلّسون على مسمياتهم، ويخافون من أن يأخذ المسؤولون مسمياتهم أو مواقعهم".
عمليات النقل لا تتم إلا وفق الحاجة وليس لوظيفة أقل
ولكن وائل الريماوي - مدير عام التخطيط الوظيفي وجداول التشكيلات في ديوان الموظفين العام يوضّح (إنّ عمليات النقل كانت تتم سابقًا بنقل مدير لرئيس قسم، واليوم أصبحت لا تتم لوظيفة أقل، ولا تتم إلا وفق حاجة، وهناك مئات الطلبات التي تطلب فيها وزارات نقل موظفين إليها بهدف إغناء تجربة، لكنها لا تتم إلا وفق جدول التشكيلات ونرجئ النظر فيها إلا إذا كانت الأمور تؤكد الحاجة ومصلحة وطنية يتم النظر إليها في إطار اجتماع اللجنة العليا".
أما مناصرة، فذكر أنَّ عدد حالات الإعارة ودون راتب 26 حالة لوزارة التربية والتعليم، 4 لبلديات، 16 للمدرسة الفلسطينية في قطر، 6 لمجمع السلام التعليمي في السعودية. والمتبقون حوالي 12 حالة، موضحين بأنَّ معظمهم لبلديات، وحالة للنيابة بمرسوم رئاسي بقرار لمكافحة تبييض الأموال/ سلطة النقد، وهناك حالتان تمّ إلغاء الإعارة لهما، وذلك من بين حوالي 91 ألف موظف على الكادر المدني. نافيًا وجود أيِّ قضية أو شكاوى من أيّ موظف تجاه الدولة أو ديوان الموظفين، أو أيّ دائرة حكومية كون الإعارة تتم بناء على كتاب خطي من الموظف.
وقال: "أيّ معاملة نقل يتم وقف بدل التنقل الثابت تلقائيًّا، والحالات التي تم نقلها بقرار رئاسي إلى ديوان الموظفين العام لا تتجاوز 5 حالات، وتم إيقاف بدل التنقل الثابت لهم".
غياب المساءلة والمحاسبة تجاه التجاوزات القانونية
وبينما أكد طه، غياب المساءلة والمحاسبة تجاه التجاوزات القانونية التي تحصل في عمليات النقل والانتداب والإعارة، منوها إلى أنه لم يتم العثور على أيِّ قضية جرى التحقيق فيها، أو تحويلها لمحكمة جرائم الفساد بخصوص مخالفات قانونية واستغلال النفوذ الوظيفي لدى قرارات النقل والانتداب والإعارة.
فإنَّ مجدي أبو زيد - المدير التنفيذي لائتلاف (أمان)، يرى أنه رغم التحسن "إلا أنَّ هناك بعض الإشكاليات ما زالت قائمة، فما زال الشعور من أنَّ الانتداب يتم للتهرب من الدوام، وأحيانًا يتم على جهات غير الجهات التي أناط فيها القانون أو سمح فيها، وأحيانًا يحصل الانتداب خارج إطار الوظائف أو قانون الخدمة المدنية، على جهات خارجية تمامًا مثل منظمة التحرير أو أعضاء لجنة مركزية، وأحيانًا يتم الانتداب على جهات أصلاً لا يتم فيها الدوام، وحتى حينما ينتهي الانتداب لا يرجع الموظف لمكان وظيفته الأصلي".
ويقول أبو زيد: "قد يكون النقل بطلب أو بحاجة أو عقاب، والتدوير أحيانًا يحصل دون نقاشات داخلية حولها، ونطالب بالتدوير لأنه أمر صحي ولأسباب تتعلق بزيادة المهارات والقدرات، أو حتى للحدِّ من المحسوبية والواسطة والعلاقات الشخصية التي يمكن أن تتشكل ما بين الموظف وما بين الناس الذين يحصلون منه على الخدمات، ونرى في النقل أحيانًا جوانب فيه سوء استغلال لسلطة أو لصلاحيات عقابية".
لكن مناصرة يقول: "أكثر ما هو مزعج في الوظيفة العامة هو موضوع النقل، وهو يستخدم ويساء في استخدام السلطة، ولكن الإعارة والندب رغم وجود مخالفات فيها، ولكن لا توجد فيها سوابق قضائية. وكانت محل شكوى لدينا في الديوان موضوع النقل الداخلي والتعسف في استخدام صلاحية الوزير أو المسؤول عن النقل، فهناك نقل يتم بناء على عقوبة، ونقل آخر يتم نتيجة عدم رضا المسؤول عن الموظف، ونقل آخر يتم دون رضا الموظف حسب نصّ المادة 58 في بند يقول فيها "يجوز نقل الموظف دون موافقته"، ودون ضوابط، والديوان اجتهد في هذا الموضوع نتيجة الشكاوى المقدمة له".
وأضاف "هناك أشياء يمكن وضع ضوابط لها، ولكن للأسف لغاية الآن لم توضع ضوابط مع أنه هناك تعسف في استخدام السلطة. وربطنا النقل والإعارة بمدونة السلوك عندنا في ديوان الرقابة الندب ممنوع حسب نصّ القانون".
في حين يرى عبد الله نواهضة - موظف سابق في مجلس القضاء الأعلى كان يعمل في محكمة العدل العليا، وجوب تسبيب قرارات النقل، وقال: "المراحل التي مرت بها محكمة العدل العليا فيما يتعلق بنقل الموظفين غير مستقرة، وفي الوقت نفسه مضطربة، أحيانًا تقول: معيار النقل هو فقط عدم التأثير على الدرجة الوظيفية أو الراتب، وأحيانًا أخرى تقول: إنّ النقل من وظيفة إلى أخرى من غير المستوى حتى لو لم تؤثر على الراتب أو الدرجة، وإنما هو قرار مشوب بعقوبة إدارية".
ويتابع: "ممكن أن يتم نقل موظف مسماه الوظيفي مدير على درجة "C" للعمل بوظيفة كاتب أو مساعد إداري، وتنظر محكمة العدل العليا إلى الدرجة والراتب في قرار النقل، بالإضافة إلى المهام والصلاحيات المنقول إليها هذا الموظف، وغير ذلك يكون تعسفًا، وبالتالي يجب تسبيب القرارات الإدارية فيما يتعلق بالنقل؛ لأن الكلمات الفضفاضة التي دائمًا تستخدم للمصلحة العامة تحتمل أكثر من معنى ومحكمة العدل العليا، قالت فيما يتعلق بالمصلحة العامة عبء إثبات التعسف يقع على عاتق الموظف".
وأشار نواهضة، إلى قرارات كثيرة توفقت محكمة العدل العليا في اتخاذها، ولكنه قال: "هذا يعود لقوة تأثير المحامي الذي كان يقدم بينات تثبت ترقيات كانت تتم بغير الطرق الرسمية، وبالتالي الوزير أو مجلس الوزراء كان يعترض على هذه الترقية ومن ثم يتم نقل الموظف، وجاء قرار محكمة العدل العليا مؤكدًا أنَّ قيام الإدارة بنقل الموظف بعد أسبوع من ترقيته هو تعسف، "عقوبة إدارية مقنعة". كما أكدت أنَّ تقديم شكوى بحق المسؤول المباشر بنقل الموظف عقوبة إدارية مقنعة. وكانت الكثير من القرارات المجتهدة اجتهادات تؤكد أنَّ النقل بدافع العقوبة الإدارية هو تعسف باستعمال السلطة.
غياب اللوائح التنفيذية واختلاف المرجعيات القانونية
من خلال فحص التشريعات الفلسطينية، يقول الدكتور طه: "لم نجد قانونًا خاصًّا بالتدوير الوظيفي، وإن كان صار أحد المطالب التي من شأنها مكافحة الفساد في مجال القطاع العام، وخاصة أنَّ وجود بعض الموظفين فترة طويلة في مواقعهم الوظيفية قد يخشى منه نسج علاقات واسطة ومحسوبية واستغلال نفوذ وظيفي، وبالتالي التدوير الوظيفي يحدّ من هذه المسألة".
وانتقد طه، عدم إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة في قوى الأمن، حيث أحال القانون إلى تلك اللائحة بشأن شروط الإلحاق والنقل والإعارة لضباط الصف والأفراد العاملين في الخدمة العسكرية في قوى الأمن، إضافة إلى عدم إصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون السلطة القضائية، وبالتالي غياب الضوابط التفصيلية بشأن نقل وانتداب وإعارة القضاة وأعضاء النيابة العامة، كما انتقد تعدد المرجعيات القانونية الناظمة للنقل والانتداب والإعارة والوظيفي، واختلاف تلك المرجعيات في القطاع العام المدني عنه في القطاع العسكري، واختلافها داخل القطاع ذاته من قانون لآخر.
ويرى أبو زيد، وجود بعض المصطلحات الفلسطينية التي يصعب فهمها أو تعريفها، مثل الفرق ما بين النقل والتدوير، والفرز في الأجهزة الأمنية لأخرى غير واضح أو فرز عسكريين على مؤسسات مدنية أو العكس وتفتقد لأسانيد قانونية.
في حين يعترف الريماوي، بأنَّ القانون الحالي لا يلبي ولا يستجيب لمتطلبات التطوير والتحسين كافة، لكنه قال: "أينما لاحظنا وجود ضرورة لاستصدار قرار إداري، نظام من مجلس الوزراء، أو من الرئيس نسعى إلى ذلك، هدفنا عمل اختراق في سياسة الإصلاح والتطوير حيث نفي بالتزاماتنا كمؤسسات خدمية تجاه المواطن، أي عمليات تتم في الإدارة أهم ما فيها الأداء المؤسسي والكلفة".
فيما قال مناصرة: "الضوابط والمعايير موجودة في نصّ القانون، ولكن أعمال هذه النصوص للأسف الشديد عدم إعمالها بشكلها السليم للمصلحة العامة، ويتم إعمالها بسبب ممكن سوء استخدام أو لدوافع شخصية في الإدارة، فيتم إعمالها بطريقة يمكن أن تكون خاطئة، لكنها ليست بنسب عالية".
بينما يؤكد نواهضة، عدم وجود أي غطاء قانوني لتدوير الموظفين، وقال: "صحيح لا يوجد نظام صادر عن مجلس الوزراء يتعلق بتدوير الموظفين، لكن هناك قرار صادر عن مجلس الوزراء عام 2014 يتحدث عن تدويرهم، وتمت مخاطبة الدوائر الوظيفية كلّ فيما يتعلق بوزارته من أجل العمل على تدوير الموظفين".
وترجع النائب أبو بكر إشكاليات النقل والانتداب والإعارة إلى ما وصفته "بالفجوات القانونية والتي عددتُها مجتمعًا وعرًا، فحينما بدأت بالتحدث ونوينا أن نصلح، هاجمونا، فلو لم تكن الفجوات القانونية لكان لدينا استقلال قضاء، ولا يتم تعيين أبناء المسؤولين، ولتمت قضية التدوير بشفافية، ولكان هناك مجال لانتداب موظف مميز ضمن منظومة قانونية، ولكن في واقعنا كل وزير هو رئيس حكومة، ولكن بوجود القانون تنعدم الهفوات، وبوجود الفصل بين السلطات ينعدم الاستئساد على المسميات الوظيفية، وعلينا أن نؤمن أنَّ القانون هو سيد الموقف، واستقلالية القضاء هي التي تقودنا إلى كلّ التنحي والتخلي والتصفي من كلّ الأمراض".
غياب الخطط والسياسات الوطنية
وبينما أشار الدكتور طه، إلى غياب الخطط والسياسات الوطنية، بشأن الندب والإعارة والتدوير الوظيفي، ولم تتم الإشارة إلى الأوضاع الوظيفية باعتبارها إحدى أدوات إصلاح الإدارة العامة والخدمة المدنية وترشيد الجهاز الحكومي وترشيد الإنفاق العام، وأحد الأساليب الوقائية لمكافحة الفساد الإداري.
فإنّ الريماوي، أكد إلزامية الدوائر الحكومية بإجراء عملية التدوير في الوقت المحدد والصورة المحددة التي رسمناها وخططنا لها كسياسة في الحكومة. وفيما يخص عملية النقل، فإنه قال: "تتم العمليات الإدارية كافة وفق جدول التشكيلات وعملية التخطيط الوظيفي".
وأشاد الريماوي، بما قيل إنّ هناك تحسنًا ملحوظًا يلمسه الموظف نفسه في عملية ضبط الحراك الوظيفي وفق عملية التخطيط الوظيفي من جهة بطاقة الوصف الوظيفي، ومن جهة أخرى عملية التخطيط المسبق، بمعنى آخر إدراج احتياجات الدوائر الحكومية مسبقًا على جدول التشكيلات.
ويقول: "لا يسمح الآن بإجراء عملية نقل أو انتداب خارج إطار التشكيلات ووفق القانون، وحدد 30 وظيفة في الخدمة المدنية تخضع للنقل والانتداب ولسياسة مكتوبة والتحدي اليوم في إجراءات تنفيذها بشراكة كاملة مع الدوائر الحكومية، فالانتداب يجب أن يكون بهدف نقل الخبرة من دائرة حكومية إلى أخرى وفقًا للقانون". لكنه لم ينفِ وجود بعض الاستثناءات.
ويتابع الريماوي: "سابقًا كانت هناك بعض الممارسات التي لم يكن بقصد المنفذ الإداري أن يسيء لعملية الانتداب قانونيًّا أو إداريًّا، بقدر ما كانت عمليات عرف متداولة، ولكن اليوم لا تتم إلا وفق جدول التشكيلات، والإعارة تتم في الإدارة العامة للشؤون المدنية وفق المعايير المنصوص عليها، وهناك تحسّن في هذه العملية، ولا يتم نقل أو إعارة موظفين إلا وفق القانون".
وقال: "نعمل اليوم على إعادة دراسة بدل موصلات ثابتة لموظفي الخدمات، ولاحظنا أنَّ بعضهم قد يعمل مراسلاً ويتقاضى أجرًا أكبر من راتبه، ولكننا اليوم نعيد النظر في هذه السياسة وكيف ندوّر الموظفين في إطار الدائرة نفسها بالتنسيق الوثيق مع ديوان الرقابة بهدف ترشيد النفقات وإعمال القرار الإداري، بحيث يكون الموظف أقرب إلى مكان سكنه".
بطالة مقنَّعة وهدر للمال العام
يقول الدكتور طه: "تنطوي قرارات نقل بعض الموظفين من مختلف المؤسسات الحكومية إلى ديوان الموظفين العام على بطالة مقنعة وهدر للمال العام، حيث يستمر هؤلاء الموظفون فعليًّا بتقاضي رواتبهم دون أي عمل يقومون به، ومخالفة الضوابط القانونية المتعلقة بالانتداب، وذلك من خلال انتداب بعض موظفي الوزارات لدوائر غير حكومية، وانتهاء انتداب بعض الموظفين وعدم عودتهم لدوائرهم الأصلية، بل وعدم دوامهم أصلاً في الجهات التي تم انتدابهم إليها رغم استمرار تقاضيهم لرواتبهم بانتظام".
ويوضّح الباحث طه، أنّه من مراجعة قانون الخدمة المدنية واللائحة التنفيذية "لا يوجد شيء اسمه نقل إلى ديوان الموظفين العام، وإنما كلّ دائرة حكومية تبلغ الديوان في بداية كل سنة بعدد الموظفين الفائضين عن الحاجة، لتضعهم في متناول الديوان لإجراء عمليات النقل حسب الاحتياج والمتطلبات بدلاً من أن يتم تعيينات جديدة".
ويرى طه، "أنَّ هنالك الكثير من القرارات الرئاسية المتعلقة بالنقل إلى ديوان الموظفين، وأحيانًا قد يكون النقل للديوان ناتجًا عن مشكلة حصلت بين الوزير والوكيل أو ما مع المدير العام والذين يحتلون مناصب عليا، فبدلاً من صرفه، تتم إحالته على كادر الديوان دون أي سند قانوني واضح وصريح، وإن كان الديوان في الآونة الأخيرة بين أنه ليس مكانًا لتجميع الموظفين فيه، ومع ذلك ما زالت هذه الظاهرة موجودة".