الأربعاء  14 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحليل الحدث | ماذا تعني استقالة الحريري في الإستراتيجية الإسرائيلية؟

2017-11-05 11:15:49 AM
تحليل الحدث | ماذا تعني استقالة الحريري في الإستراتيجية الإسرائيلية؟
رئيس الوزراء لبنان الحريري (رويترز )

 

الحدث ـــ محمد بدر

 

تعتبر الساحة الللبنانية السياسية وتحولاتها من أهم أولويات البحث الإستراتيجي الإسرائيلي، معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وفي ورقة بحثية له يسلط الضوء على الإستراتيجية الإسرائيلية في تشخيص الحالة السياسة اللبنانية الداخلية، وبالتالي من الممكن  الإعتماد على هذه الورقة البحثية منهجيا في تحليل الرؤية  الإسرائيلية  لاستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وما تعكسه من معطيات لاحقة.

 

في عام 2005 وبعد اغتيال الحريري كان الإعتقاد السائد في إسرائيل أن حزب الله سيفقد رمزيته القيمية والأخلاقية كحزب مقاوم مدافع عن لبنان، وسيتحول لرمز لميليشيا تتحرك بأوامر عابرة للحدود الوطنية اللبنانية، فقدان حزب الله للبيئة المؤيدة له يعني أن الحزب سيتحول من حالة سياسية إلى حالة أمنية تخضع للنقاش، من المصلحة الإسرائيلية أن يتحول حزب الله في بنية وعي اللبنانين إلى حالة أمنية لأن ذلك يقلص فرصه في مهاجمة إسرائيل، لأنه عمليا تنتفي  الشرعية الأخلاقية للعمل وللسلاح.

 

في عام 2006 خاض حزب الله حرب مع إسرائيل لمدة 33 يوم، بنية الحزب العسكرية والتحتية تضررت، لكن الحرب أعادت تأهيل شرعية الحزب في الشارع اللبناني، حتى الوزراء الذين كانوا ينتقدون حزب الله والحرب في الغرف المغلقة لم يمتلكوا الجرأة على انتقاد الحزب في العلن وشاركوا في احتفالات الحزب بالنصر، وبذلك عاد حزب الله للمعادلة السياسة بقوة من بوابة الحرب التي تعتبر إسرائيل أن أحد اسباب اختلاقه لها إعادة تأهيل شرعيته بعد اغتيال الحريري.

 

الحياة السياسية اللبنانية حياة معقدة، حياة مليئة بالحروب الأهلية وبالتفاهمات، بالفوضى والهدوء، لبنان يعتبر مركز تجاذبات إقليمية وحتى دولية، ورغم صغر مساحته إلا إن ساحته تشهد معركة كبيرة بين محورين في المنطقة، بين إيران والتي يمثلها حزب الله وفريق 8 آذار، وبين السعودية ودول "الاعتدال" والتي يمثلها في لبنان فريق 14 آذار، بينما يتوزع المسيحيين على المعسكرين، عون مع حزب الله وجعجع وحزب الكتائب مع الحريري الذي يعتبر ممثل 14 آذار في لبنان.

 

مع بداية انخراط حزب الله في الأزمة السورية بدأ فريق 14 آذار حملة ضد الحزب، المعضلة الرئيسية بالنسبة لهم أن الحزب يقحم لبنان في موجة عنيفة تكتسح الواقع العربي، الشق القانوني في الاحتجاج أن حزب الله يتحرك بأوامر من ولي الفقيه، ما يعني أن تعامل الحزب مع مؤسسات الدولة هو تعامل شكلي للبقاء داخل معادلة النظام السياسي حتى لا يتم التعامل معه كميليشيا أو كجيش أهلي، وخلال الحرب السورية زاد منطق التوصيف الميليشياتي للحزب، وهو ما كانت ترى فيه إسرائيل انتقام اللبنانين من الحزب وهو ما كانت تتابعه إسرائيل.

 

مع تزايد حجم المساحة التي يسيطر عليها الجيش السوري، بدأت التقارير الإسرائيلية والدولية تتحدث عن انسحابات جزئية يقوم بها الحزب من سوريا، وأنه يعيد بعض من قواته تدريجيا إلى لبنان، الأمر الذي تعتبره إسرائيل قمة في الخطورة، حزب الله خاض حربا شرسة لسنوات ضد الجماعات المسلحة في سوريا ما يعني أن مقاتلي الحزب وقادته أصبح لديهم كفاءة وقدرة أكبر من التي كانت قبل الحرب في سوريا، الأمر الآخر المزعج لإسرائيل هو أن سوريا ولبنان أصبحتا تجمعا كبيرا للمقاتلين الشيعة الذي يعملون ضمن رؤية الولي الفقيه الإيراني، وهو القلق الذي عبر عنه رئيس معهد الأمن القومي الإسرائيلي "عاموس يالدين" حين قال بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على حمص  أن  هجمات جيش الإحتلال تأتي لتقليص فرص حزب الله في  الحصول على أسلحة متطورة ودقيقة، وتقليص التواجد المعادي لإسرائيل في الجولان، إذا فإنه من الواضح أن إسرائيل قلقة من المتغيرات التي تحدث على حدودها وهو ما يبرر تدخلها المباشر في قصف بعض القوافل التي تدعي أنها أسلحة متطورة تنقل لحزب الله.

 

والسؤال هل الفراغ الذي أحدثه الحريري سيقود لحرب لبنانبة داخلية في لبنان وما المصلحة الإسرائيلية في ذلك؟ ، عمليا تصريحات الحريري تدعم إسرائيل وترامب وتحديدا ترامب في الحجج التي يسوقها لإبطال الإتفاق النووي، فمن جهته يعتبر أن إيران عمليا تتدخل في الإقليم بشكل لا يعكس المصلحة الأمريكية، وهذا كاف بالنسبة له لإبطال الإتفاق النووي، إن إشغال حزب الله في ملفات عدة مصلحة إسرائيلية، فالحزب له فاتورة حساب مع إسرائيل لم تدفع إسرائيل جزءا منها، إضافة إن استقرار الحزب بالنسبة لإسرائيل يعني أنه سينشغل في الجبهة الجنوبية وسيرد على كل خرق إسرائيلي.

 

فمن الواضح أن إسرائيل تتابع باهتمام استقالة الحريري، وما يؤكد ذلك تصريح رئيس وزراء الإحتلال بنيامين نتانياهو تأييدا للإستقالة، في الحقيقة أن مسألة حرب أهلية في لبنان تبدو مستحيلة، فالجار السوري نموذج مرعب بالنسبة للبنانين لأي حرب أهلية، كما أن توازن القوى على الأرض ليست في صالح فريق 14 آذار وفي ذات الوقت فإن الحزب لا يسعى لمواجهة كهذه، سيلعب القانون الفوقي الضمني الطائفي في لبنان دورا في ترتيب الحالة اللبنانية فيما يشبه حالة القانون واللاقانون، ومن المهم التذكر أن لبنان بقيت بلا رئيس لعامين مع العلم أنها نظام رئاسي ويلعب الرئيس الدور الرئيسي في قرارات الدولة، لكن التوازن الطائفي الضمني حافظ على حالة الهدوء النسبي ولم يسمح باشتباك داخل مكونات الشعب اللبناني، اللبنانيون ذاقوا مرارة الحرب الأهلية ومن غير المرجح أن يعودوا إليها ولكن المطلوب أمريكيا وإسرائيليا في هذه المرحلة إرباك حسابات المحور الإيراني بعد فشل الإستراتيجية في سوريا حتى يتمكنوا من تصميم إستراتيجية أخرى تراعي نتائج متغيرات المنطقة، إنها أختبارات كيمائية للمعطيات الداخلية في لبنان، وقبلها بأيام في فلسطين من خلال المصالحة وتفجير النفق. في النهاية فإن حديث الحريري بمنطق الإغتيالات واستحضاره مشهد اغتيال والده يؤكد فرضيتنا أن المطلوب هو تفكيك الشعارات الأخلاقية التي يتحرك من خلالها الحزب.