الأربعاء  02 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة الحدث | الطريق إلى تل أبيب.. ما الصواب؟

2017-11-29 05:19:51 AM
متابعة الحدث | الطريق إلى تل أبيب.. ما الصواب؟
تل أبيب

 

الحدث- علاء صبيحات 

 

جلسات الاستراحة بين كل تعذيبين كانت لا تسمح له بتكوين أجوبة لما هو متأكد عن ما سيُسأل عنه، كان بالكاد يحاور أصابع رجليه علها تخفف حدة "النمنمة" المبكية، ويقسم على عظام ظهره التي تتحول إلى قطع من جليد أن تتوقف عن "مزحها ثقيل الدم"، هذه المرة تجاوزت الاستراحة الخمس عشرة دقيقة ..على غير العادة.

 

أجلسوه في مكان دافئ وحضر محقق وجهه بشوش إلى حد ما .. طبعا إذا ما قورن مع "التطور الدارويني" الذي كان يسحله ويجلسه على الخازوق مرات عدة كل يوم.

 

قال المحقق لكفاح "لا وقت صحيح لفعل الخطأ ولا وقت خاطئ لفعل الصواب" ونظر بابتسامة رقيقة وناعمة.. أملس حتى من جلد أفعى غيّرت جلدها للتوّ، وارتشف من كأس زجاجيٍ يُشبه إلى حد بعيد الكأس الذي كُسِر وجرح الجندي في وجهه.

 

هناك فقط يمكن لرشفة القهوة أن تصبح رصاصا يحفر أسفل منتصف الهدف آلاف المرات.. وكأن المحقق يقول لكفاح ها أنت وها أنا ..كلانا نحب القهوة ..أنت شربتها فانتهى بك المطاف بين ذراعيّ أعذبك كيف أشاء وأمزق كبريائك وأعلمك الصواب من الخطأ بطريقتي.. أما أنا فأشربها بكأس زجاجي وأعذّبك برائحتها وأفكاري وألفاظي وحتى بمثولك أمامي ..كما أشاء.

 

الأفكار تجمّعت في رأس كفاح لأول مرة منذ اعتقاله.. بدأ يفهم ..فُكّ التشفير عن الرسائل التي كانت تصله منذ اللحظة الأولى ولم يفهم منها شيئا ..حتى أنها أجبرت رأسه على النزول لثقلها.

 

ابتسم كفاح ابتسامة مرهقة وقال للمحقق الصامت منذ أكثر من 5 دقائق محافظا على ابتسامته اللاذعة "افعل الصحيح وآمن أن الصدق جيّد" ..وهنا تتحول الحوارات إلى روايةٍ سريالية بين متهم لم يفعل أي شيء وكل شيء في آن معا ..ومحقق يحب الحوارات الفلسفية حتى مع متهميه.

 

المحقق: إذا لماذا حاولت طعن الجندي؟


كفاح: ألا ترى أن السؤال الأبدى هو "عن أي صوّاب يتحدث كل منا؟"


المحقق: الصواب هو أن تخبرني بالحقيقة.. فقد قلت بلسانك أنه أمر جيّد.


كفاح: الصواب أنني كنت في أمان الله فدخل الجنود.


المحقق: فطعنته حتى تهرب أليس كذلك؟

 

أيقن كفاح في أجزاء من ثانية أن المحقق يريد أن يجره نحو الدفاع عن نفسه بأسلوب اللاهث خلف إقناع خصمه أنه لم يفعل شيء، فأكمل حديثه كأن المحقق لم يقل شيئا..رموني أرضا وأنا أمسك كأس القهوة فانكسر وجُرح الجندي.. وأريد رؤية محاميّ فورا.

 

المحقق: محامٍ؟! يا لك من وقح.. عرف كفاح أنه فجّر داخل المحقق قنبلة كبيرة من الحقد.. وعلم أن ساعات الشبح ستتزامن مع نهاية حديثه.. فقرر أن لا يزيد أي كلمة.

 

هو في داخله يريد شفّة من القهوة ترممُّ عظمه.. رغم ما فعلته به في المرة الأخيرة إلا أنه لا يستطيع نسيان فضل القهوة عليه في كل المرات التي سبقت الحادث الذي قلب حياته، لكنه لم ينظر إلى كأس القهوة التي بيد المحقق أبدا واستمر يحدّق إلى الأرض ..المحقق أمام الطاولة لا يفهم إن كان هزم كفاح "فهو يرى رجلا مطأطأ الرأس مهدّم الجدران"، أم أن كفاح هزم المحقق "فقد سمع المحقق كلاما مختصرا قويا لا مبعثرا ولا فلسفيا انتهى بانتهاء المناسبة".

 

نظر المحقق بوجهه الحقيقي إلى كفاح ..الآن ما عاد يختلف كثيرا عن أشباهه خارج الباب وفي الغرف الأخرى، حتى أن كفاح كاد يجزم أن المحقق طالت قامته ضعفا أو ضعفا ونصف مباشرة بعد انتهائه من الإجابة.. وردد المحقق قائلا "لا وقت أبدا لفعل الخطأ ..الشبح قليل عليك".


دارت في رأس كفاح أسئلة عن الصواب، كلانا نرى أنه على صواب فما هو الصواب؟ هو لا يشكك طبعا لكنه يريد أن يعرف كيف يمكن للصواب أن يتعدد مفهومه ..حتى أن الخطأ يكون صوابا في ذهن البعض ، الصواب بيد من يمتلك القوة وإن كان خاطئا فهو صواب، سأل نفسه وهو مسحول على الأرض للمرة الأخيرة قبل أن يغيب عن الوعي ..ما الصواب؟.. كل هذا وأكثر.

 

لقراءة الحلقة السابقة إضغط هنا