الحدث- ريم أبو لبن
بعد الجلسة الأولى: "لائحة الاتهام المعدلة باطلة، والنيابة لم تحصل على إذن خطي من الرئيس عباس بحق توقيف الداية وإن توفر فلتظهره وما أظهرته بالمحكمة هو إذن شفهي فقط . وقضية محمد ليست من اختصاص المحكمة العسكرية". هذا ما أكدته لـ"الحدث" راوية أبو زهري محامية المتهم العميد محمد الداية.
ومن داخل الجلسة يوم أمس، سأل القاضي محمد الداية: "وجهت لك تهمة ارتكاب أمور خادشة للشرف والاعتبار بناءً على المادة رقم (15) من قانون الجرائم الإلكترونية. هل أنت مذنب؟"
رد العميد محمد الداية من داخل قفص الاتهام وهو يرتدي الكوفية و قميصاً يحمل صورته الشهيرة مع الرئيس الراحل ابو عمار: "غير مذنب".
قالها رفيق الرئيس الراحل ياسر عرفات وهو يوصد يداه خلفه ويلزقهما ببعضهما البعض، وفي ذلك مواجهة دائرة ما بين عسكري وقانون جديد هو محض إثارة للجدل وما زال في طور التعديل.
وقد يتساءل البعض لماذا يتم محاكمة عسكري بالاستناد إلى قرار بقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2017، وهو قانون يتنافى مع الدستور؟ وهل حصلت النيابة فعلياَ على إذن خطي من الرئيس عباس بما يخص توقيف الداية؟
قالت المحامية أبو زهري وأثناء سير جلسة المحاكمة: "هو يمثل أمام المحكمة العسكرية لكن هو متهم بقانون الجرائم الإلكترونية وهي لا تنطبق عليه".
أضافت: "القصد في المحاكمة بالاستناد إلى قانون الجرائم الإلكترونية هو أن نصل للحد الأعلى من العقوبة أي بعقوبة تصل إلى 15 عاماَ، وأصبح الأمر مركزاَ على العقوبة وليس الواقعة".
بدأت الجلسة ...
قبل الجلسة، "قيل لنا أغلقوا الهواتف المحمولة، وسلموا أي أداة من أدوات التسجيل، حتى الأوراق لا تدخلوها إلى المحكمة". هذه هي الأوامر التي وجهها رجل الأمن قبل محاكمة الداية والتي جرت في مبنى هيئة القضاء العسكري برام الله.
وعند بدء الجلسة قدمت لي الأوراق لِأخُطَّ المرافعة الأولى بمضمونها الرافض للتهمة الموجهة إلى محمد، وحينها بدأت جولة المرافعات، وقالت المحامية أمام القاضي: "الدفاع متمسك بعدم قبول لائحة الاتهام المعدلة وبتاريخ 27/12/2017، وبربط قانون الجرائم الالكترونية والذي أصبح حيز التنفيذ مع الواقعة التي تدعيها النيابة بحق الموكل".
واستكملت حديثها: "لا تملك النيابة العامة الحق بتعديل اللائحة بمعزل عن الدفاع أو المحكمة، والتعديل عليه أن يكون بموجب محكمة وليس بقرار فردي من النيابة العامة، وعلى النيابة الالتزام بالائحة قبل التعديل وإسقاط اللائحة المعدلة".
وفي معرض الرد، أكدت النيابة العامة : "يحق للنيابة التعديل إذا ظهر أي قصور في لائحة الاتهام التي قدمت سواء بظهور أخطاء قد تعدلت في جلسة المحكمة أو اخطاء جوهرية مثلما حدث في هذه القضية".
أضافت النيابة: "هو تحديث بتاريخ الواقعة الجرمية المستندة للمتهم. وقد قدمت هذه التعديلات للمحكمة".
واستكملت النيابة مرافعتها ردا على أقوال المحامية بما يخص ربط قانون الجرائم بالواقعة: "إن ربط التهمة المسندة للمتهم بقانون الجرائم الإلكترونية ليس بمحله، لاسيما وأن الوقائع والتواريخ التي تضمنتها لائحة الاتهام جاءت بناءً على معطيات وتحقيقات مثبتة بالتواريخ من خلال المحاضر والتقارير التي ستقدمها النيابة للمحكمة وسيتم مناقشتها من قبلكم".
وعن الحسم في هذا الجانب، قال القاضي رافضاً ما قدمته محامي الدفاع: " النيابة العامة تمتلك الحق وفق الأصول بتقديم بيانات جديدة أثناء النظر في الدعوى وإشعار المحكمة والدفاع بها".
وأضاف :"النيابة أجرت التعديل على اللائحة من واقع الملف وإجراءاته اثناء التحقيق معه، ومن حقها تقديم اللائحة المعدلة، حيث أن هذا التعديل جاء بأمر جوهري، وعليه تم إجراء المحكمة".
لائحة اتهام باطلة ..ومعدلة دون جلسات
قالت المحامية: "الجريمة غير واضحة كما نسب إلى موكلي نص مادة غير واضح أيضا. والمتهم يقول أن الجريمة شيء والوقائع شيء آخر".
العميد محمد الداية تم محاسبته بالاستناد إلى المادة رقم (15) في بندها الثاني وجاء فيها بالنص الصريح: "إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف والاعتبار، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار أردني ولا تزيد عن خمسة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلهما بالعملة المتداولة قانوناً".
تقول المحامية لـ"الحدث": "الواقعة المسجلة في لائحة الاتهام ليس لها علاقة بالمادة التي نسبت لمحمد، النيابة العامة تقول بأنه قام بفعل التهديد، وفي لائحة الاتهام كتب بأنه أساء إلى سمعة أحدهم. وعليه فإن إساءة السمعة لا ترتقي إلى التهديد".
وبرفض التهمة الموجهة للعميد محمد، قالت المحامية في معرض الإفادة: "محامي الدفاع يدفع بعدم قبول التهمة الموجهة لموكلي، حيث أن النيابة قد استندت بموجب اللائحة إليه جريمة التهديد وارتكاب جناية وبإسناد أمور خارج الشرف، واتهامه بنشر منشورات تسيء للسيد حسين حسين (مصور الرئيس عباس) وتمس بشرفه".
أضافت: "لا يوجد في لائحة الاتهام وبموجب القانون أي أركان قانونية أو وقائع حقيقة تدعم هذه الجريمة وتوضح أركانها.
هل يجوز تعديل اللائحة دون قرار المحكمة؟
"لا يجوز تعديل لائحة الاتهام دون قرار المحكمة ومعرفة الدفاع، وما حدث بأنها عدلت دون قرار محكمة وهو إجراء باطل ". هذا ما أكدته لـ"الحدث" محامية المتهم محمد الداية.
أضافت: "سُلمنا الأوراق وبها ورقتين، الأولى للائحة الاتهام والورقة الثانية هي لائحة اتهام معدلة. كيف حدث التعديل دون انعقاد الجلسات؟".
ولتوضيح ما حدث، قالت المحامية: " يبدو أنه وبعد إرسال الأوراق للمحكمة اكتشفت النيابة العامة أن لديها (سهوا) وقد وقعت بخطأ قانوني وأعيد الملف، والأولى من ذلك وقبل إرساله أن تتأكد النيابة وأن تكون واثقة مما أسندته لموكلي".
محاكمة غير قانونية
"المحاكم العسكرية والنيابة العسكرية ليس لديهما الصلاحية بالنظر في هذه القضية، ويعقد الاختصاص فقط للمحاكم النظامية وفق المادة (3) من قانون الجرائم الإلكترونية، وعليه فإن المحاكم العسكرية لا تدخل ضمن إطار محكمة نظامية". هذا ما أكدته لـ"الحدث" راوية أبو زهري محامية المتهم محمد الداية.
وجاء في المادة (3) وبالنص الصريح : "تتولى المحاكم النظامية والنيابة العامة، وفقاً لاختصاصاتها بالنظر في دعاوى الجرائم الإلكترونية".
في ذات السياق، قالت المحامية أبو زهري لـ"الحدث": "النص القانوني واضح وصريح، لا يجوز للنيابة العسكرية أن تسحب اختصاصها وتتعدى على اختصاص محاكم أخرى، وهذا الأمر غير قانوني".
أما النيابة العامة قالت : "المادة (8) من قانون العقوبات العسكرية لعام 1978، تؤكد بأن هذه القضية هي من اختصاص المحاكم العسكرية، والتي تنص على أن الضباط يخضعون لأحكام هذا القانون".
أضافت: "المتهم هو ضابط وبرتبة سامية ومنتسب لحهاز أمني، وانضباط أفراد القوات والتزامهم بالقوانين هو شأن عسكري".
ومن داخل المحكمة، قال القاضي بعد أن استمع لمرافعة كل من المحامية والنيابة العامة: "وفقا للمادة 8 من قانون العقوبات، فإن المحكمة العسكرية الخاصة هي صاحبة الصلاحية في محاكمة الضباط من رتبة رائد وما فوق".
أضاف: "وفيما يتعلق بالمادة 101 من القانون الأساسي والتي تتحدث عن الشأن العسكري، فإن المتهم عسكري ومن منتسبي قوى الأمن ولا زال، وبالتالي فإن المحاكم العسكرية هي صاحبة الصلاحية في محاكمته بل وأن القانون أعطى هذه المحاكم مسؤولية محاكمة العسكري مرتكب الجرائم أثناء الوظيفة وحتى إن تقاعد".
واستكمل حديثه: "كما أن قانون العقوبات في مادته الأخيرة (386) قد منح المحكمة صلاحيات بالمحاكمة دون الرجوع إلى القوانين الخاصة كـ قانون الجرائم الإلكترونية، ودون النظر إلى المادة رقم (3) الفقرة الثانية من ذات القانون، والتي جاءت بنص يولي المحاكم النظامية والنيابة العامة النظر إلى هذه الدعاوى، إلا أننا أمام قضاء خاص، وقواعد القانون ومبادؤه تقضي بأن الخاص يقيد العام".
وختم قوله: "وعليه يقرر السير في إجراءات المحاكمة".
وبعد الحسم، قالت المحامية رداَ على ما سبق: "بناءً على قرار المحكمة، فإن الدفاع يحتفظ بتقديم طلب خطي للسيد وزير العدل لتفسير نص المادة 3 فقرة 2 من قانون الجرائم الإلكترونية من خلال المحكمة الدستورية، ويتمسك بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في هذه الدعوى".
وبعد انتهاء الجلسة، قالت المحامية معلقة على ما سبق: "بما يخص قوله بان الخاص يقيد العام هذا أمر غير موفق لأن المحكمة الخاصة هي استثناء ولا يجوز الأخذ بالاستثناء".
مضيفة: "لذا نلتمس من المحكمة إطلاق سراح محمد لعدم الاختصاص".
شكوى بلا مشتك
قالت المحامية أمام القاضي: " الأدهى من ذلك كله بأنه لا يوجد مشتك في هذه الشكوى، من أجل التحقق من التهم المنسوبة إلى موكلي".
وفي معرض المرافعة من قبل النيابة العامة، أكدت النيابة بأن المشتكي حسين حسين قد تقدم بشكوى لدى الشرطة.
وعن التهمة الموجهة للعميد محمد الداية، قالت المحامية: "يتم محاكمته وفق المادة 15 وبالفقرة الثانية وفيها (من قام بتهديد شخص أو ابتزه للقيام بفعل عمل) إذا أين الابتزاز الذي قام به محمد؟ وما هو التهديد المنسب له؟ كيف تتحدث النيابة عن تهديد وهي لم تستمع للمشتكي (حسين حسين) ولم يُعرض عليها وفقط استمعت لأقواله في الشرطة".
وهنا يطرح السؤال، هل يجوز تحريك دعوى الحق العام دون أن تحركها النيابة؟
قالت المحامية: "لا يجوز ذلك، النيابة قالت في المحكمة بأن الحق العام يُحرك من قبل النيابة، وهي سلطة الاتهام والوحيدة وليست الشرطة، لذا لا يجوز للنيابة أن تستند إلى إفادة مشتك أمام الشرطة لتحريك الحق العام، الحق العام تحركه فقط النيابة بناءًعلى استماعها لأقوال المشتكي وبالقسم".
" لم يحدث من قبل بأن النيابة العسكرية ولا حتى المحكمة العسكرية قد قبلت بتحريك دعوى دون الاستماع للمشتكي أمامها، كيف قبلت بذلك لا علم !"
هل يوجد إذن من الرئيس؟
قالت المحامية لـ"الحدث": " ليس هناك إذن قد قدم من سيادة الرئيس بحق توقيف الداية، وقالوا بأن رئيس الهيئة قد تم تفويضه بذلك، غير أن النيابة أوضحت بمحضر التحقيق وجود إذن مقدم من الرئيس بالتوقيف، إن توفر، فعلى النيابة إظهاره وليس إظهار إذن من رئيس الهيئة".
من داخل المحكمة ومن أمام القاضي والنيابة العامة وبحضور ابنه العميد وأقربائه، قدمت المحامية اعتراضا بخصوص إذن التوقيف وقالت: "الدفاع متمسك بحقه بالاطلاع على إذن سيادة الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة بحسب ما أفادت به النيابة في محضر التحقيق واستندت إليه بتوقيف موكلي إعمالا بصحيح القانون حسب ما ذكرت النيابة في هذه الجلسة".
أضافت : "الدفاع لم يرى هذا الإذن ولا حتى موكلي وهذا حق نتمسك به من قبل إبراز المحضر التحقيقي".
وفي رد للنيابة العامة : "هناك إذن شفهي مقدم من الرئيس بتوقيف المتهم وبتاريخ 21/12/2017، وهناك موافقة خطية ومكتوبة بتاريخ 25/12/2017".
قالت المحامية في مرافعة بعد رصد أقوال النيابة بخصوص الإذن الشفهي: " الإذن كان شفهياَ، وعليه فإن الدفاع متمسك بأن غاية المشرع اشتراط أن يكون الإذن من سيادة الرئيس للرتب السامية وحسب المادة رقم (89) من قانون أصول المحكمات العسكرية وذلك حماية لحق أصحاب الرتب السامية".
أضافت: "إن موكلي متمسك بعدم وجود إذن إلا أذا كان خطياَ، وعليه ألتمس من المحكمة عدم قبول ما قالته النيابة العامة بما يتنافى مع القانون".
وأثناء المرافعة، قال القاضي: "إذا حكالي الرئيس أطخ بطخ .. هي تعليمات عسكرية ووفق الأصول".
أضاف: "المادة 89 وما جاء بشأنها منحت القائد الأعلى الصلاحيات، والمنظومة العسكرية تقتضي تنفيذ الأوامر الصادرة سواء شفاهة أو كتابة أو بالإشارة، وهذا إجراء ضمن الأنظمة والقواعد العسكرية المعمول بها".
واستكمل حديثه: "رئيس هيئة النيابة قد حصل على إذن شفاهة من القائد الأعلى وكلف النيابة العسكرية باتخاذ إجراءاتها القانونية بما يخص التوقيف ومتابعة ملف الدعوى وما أثارته المحامية فهو أمر إداري والنيابة وضعت يدها على الملف، غير أن محاضر التحقيق لا يطعن بها إلا بالتزوير".
احتجازه..قانوني؟
قالت المحامية في مرافعة لها أمام القاضي : "إن موكلي وقبل عرضه على النيابة العامة كان محتجزاَ وبصفة غير قانونية لدى جهاز الاستخبارات وفي تاريخ 20/12/2017، أي أن هناك فارق بـ 4 أيام ما بين توقيفه لدى الاستخبارات وعرضه على النيابة العامة، وهذا الأمر يخالف بشكل صريح ما نصت عليه المادة رقم (79) من قانون أصول المحاكمات ثورية، مما يجعل محضر التحقيق هذا مبني على إجراءات باطلة ويترتب عليه البطلان".
وفي معرض الرد على مرافعة المحامية، قالت النيابة العامة : "إجراءات عرض المتهم ما قبل النيابة هي إجراءات سليمة ولا يوجد أي بطلان، وأن إبقاء المتهم محتجزاَ بعد انتهاء 48 ساعة ومن ثم عرضه على النيابة هو تجاوز إداري فقط لا غير من قبل أفراد الضابطة القضائية".
رفعت الجلسة
قال القاضي بعد أن استمع لمرافعة النيابة العامة وحاجتها لاستكمال إعداد باقي البينات : " تقرر المحكمة استجابةً لطلب النيابة برفع الجلسة ليوم الثلاثاء الموافق 9/1/2018 الساعة العاشرة صباحاَ".
وعن نية التوجه لوزير العدل علي أبو دياك، قالت المحامية: "هذا الأمر قيد الدراسة، ومن المحتمل أن اتوجه للمحكمة الدستورية لأحصل على إجابة حول قانونية تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية على العساكر؟ وسيتم ذلك بعد استشارة موكلي محمد الداية فهو من يقرر بهذا الأمر".