الإثنين  23 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة الحدث | روايات تجمّل الاحتلال داخل زنازين الأسرى الفلسطينيين ‏

2018-02-09 04:57:32 AM
متابعة الحدث | روايات تجمّل الاحتلال داخل زنازين الأسرى الفلسطينيين ‏
مدخل معسكر عوفر الاحتلالي (تصوير الحدث 2018)

 

الحدث - محمد غفري

"قادم جديد يا شباب.. قادم جديد يا شباب"، على وقع هذه الكلمات المدوية التي اعتاد على سماعها من قبل الأسرى في كل مرة يسجن، دخل الشاب (م ب) عند منتصف الليل قسم 14 في سجن عوفر العسكري قرب رام الله.

 

طوال الليل مضى يفكر في زوجته وأمه وطفلته الوحيدة، فصله الدراسي الأخير المهدد بالضياع في الجامعة، وأشياء اخرى كانت من بينها التهم التي ستوجه إليه من قبل مخابرات الاحتلال هذه المرة.

 

كي يتخلص من كل تلك الأفكار التي صدّعت رأسه، راح يقرأ صباح اليوم الأول له في الأسر رواية "حقائب الأمل" بعدما استعارها من مكتبة السجن (إحدى غرف الأسرى وتوضع فيها الكتب).

 

انهى الرواية، مزقها، واتلف ورقها في دورة الحمام، لهذا السبب "الرواية تتحدث عن علاقة صداقة تنشأ بين ضابط إسرائيلي يعمل في جنوب لبنان مع رجل أعمال لبناني، وكيف تطورت العلاقة بينهما، واستطاع رجل الأعمال شراء بضاعته من إسرائيل بمساعدة الضابط، ولاحقاً وافق على أن تنجب زوجته بسبب عقمه باستعارة حيوانات منوية من مركز في إسرائيل، رافضاً أن تكون تلك الحيوانات المنوية لرجل فلسطيني".

 

وكما أفاد الأسير (م ب) فإن مجموعة من الروايات الأخرى من هذا القبيل توجد في مكتبات الأسرى، لا يدري من أين مصدرها.

 

مصادر الكتب للأسرى

يقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، إن الكتب بشكل عام تدخل إلى الأسرى في سجون الاحتلال من الأهالي بالدرجة الأولى، لأن الاحتلال يسمح لهم بذلك خلال الزيارات وفق نظام معين تعمل عليه إدارة السجون.

 

وتقوم الهيئة بحسب ما صرح الوزير قراقع لـ"الحدث"، بإدخال الكتب للأسرى بواسطة الأهل، حيث قامت مؤخراً بإدخال حوالي 4000 كتاب، وصلت إليهم من خلال التبرعات ووزارة الثقافة الفلسطينية.

 

اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الأخرى لديها دور في إدخال الكتب للأسرى، وذلك يتم أثناء زيارات مندوبي اللجنة الدولية للأسرى الفلسطينيين، حيث يقدم ممثلو الأسرى قائمة بالمواضيع والكتب التي يودون قراءتها، وبناءاً على هذه  القائمة تقوم اللجنة الدولية بشراء الكتب ذات العلاقة.

 

وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي قام الصليب الأحمر بحسب ما صرح لـ"الحدث"، بشراء وتوزيع حوالي 500 كتاب على 56 قسم في السجون الإسرائيلية. وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتوفير كتب مرة في السنة.

 

أهمية الكتاب للأسير

الأسير (م ب) الذي روى شهادته لـ"الحدث" حول وجود روايات داخل السجن من شأنها أن تجمل صورة الاحتلال، أمضى سنوات طويلة في الأسر ويعرف جيداً أهمية الكتاب لدى الأسير الفلسطيني، ولذا اختار القراءة في استغلال وقته.

 

وفي السياق، يقول الكاتب المختص في شؤون الأسرى وليد الهودلي، إن القراءة والكتاب هي روح حياة الأسر، وإذا أراد الأسير أن يكسب الوقت في صالحه، يقضي وقته في القراءة والرياضة والعلاقات الاجتماعية.

 

وأضاف الهودلي لـ"الحدث"، أن الأسير يحقق ذاته، ويواصل مسيرته النضالية داخل السجن، من خلال الكتاب والنشاط الثقافي بشكل عام.

 

الاحتلال يراقب الكتب

بحسب الوزير عيسى قراقع فإن الاحتلال الإسرائيلي هو من يراقب على الكتب التي تدخل إلى الأسرى، ولو كان ذلك بدرجة أقل من السابق.

 

وكشف قراقع، أن الاحتلال خلال الأشهر الماضية هاجم مكتبة الأسرى في سجن هداريم التي تحوي أكثر من عشرة ألاف كتاب، وصادر وقتها أكثر من النصف.

 

أما الجانب الرسمي الفلسطيني فلا يراقب على مضمون الكتب التي يقوم بادخالها للأسرى، حيث أكد قراقع لـ"الحدث"، "نحن لا نقوم بالرقابة، ولكن أغلب الكتب هي كتب وطنية واجتماعية وثقافية، وأغلبها تأتي من وزارة الثقافة، وأحيانا يرسل إلينا الأسرى قوائم بالكتب والروايات والدراسات الفكرية والكتب التعليمية لمن يكمل تعليمه، ونعمل على إدخالها إليهم".

 

من يتحمل مسؤولية دخول كتب مضللة؟

رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع يقول إن السجن مجتمع كبير، وأحياناً يقوم الأهالي بادخال كتب للأسرى لا يعرفون مضمونها نتيجة قلة الوعي.

 

وأضاف قراقع، أن المكتبات في السجون ممتلئة بالكتب، وقد تدخل كتب من هذا النوع (رواية حقائب الأمل)، ولكن هناك وعي لدى المعتقلين حول ماذا يختارون للقراءة.

 

ولم يستبعد الوزير قراقع احتمالية قيام الاحتلال بدس كتب للأسرى بشكل مقصود وفق مضامين معينة، وهو ما حصل معهم في الأسر خلال ثمانينيات القرن الماضي.

 

أما الهودلي فقد استبعد قيام الاحتلال بنفسه بادخال الكتب إلى الأسرى، ولكن اتفق مع قراقع في قيام الاحتلال بالسماح والمنع في دخول الكتب للأسرى، ومثل رواية "حقائب السلام" يسهل دخولها إليهم.

 

وأكد الهودلي، أنه في حال وجود كتب لها علاقة بالتطبيع أو تجميل الاحتلال فإنها تدخل عن طريق خلل فني، أو بالخطأ عن طريق الأهالي، أو من قبل مؤسسات تعمل في هذا المجال، من الممكن أنها من أدخلت الكتب للأسرى.

 

لكن الصليب الأحمر في تعقيبه الخاص لـ"الحدث"، نفى أن يقوم بدور وساطة لطرف ثالث في إدخال الكتب، وإنما يحتفظ بعلاقة مباشرة مع الأسرى، ويقوم فقط بإدخال ما يتم شراؤه من قبلهم، وبناء على رغبة الأسير.

 

هل تؤثر مثل هذه الروايات في الأسرى؟

الكاتب وليد الهودلي وهو أسير سابق أمضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال، قال إن تأثير الكتب بشكل عام غالباً يكون إيجابياً على الأسرى وليس سلبي، مشيراً إلى أن كل القراءات الموجودة في السجون هي كتب جيدة، وتقوم ببناء شخصية الأسير بشكل جيد.

 

وأضاف الهودلي لـ"الحدث"، أن هذه الكتب تطور من وضع الأسير الثقافي من حيث الارتقاء في حجم المعلومات التي يمتلكها، والارتقاء في طريقة التفكير التي يفكر بها، والارتقاء في نفسيته.

 

أما التأثر السلبي فهو ضئيل جداً، لأن الحياة العامة داخل السجن هي بيئة نضالية عالية، وحتى لو وجد بعض الكتب المضللة، في المقابل هناك كمية كبيرة من الكتب الجيدة، واللجان الثقافية للأسرى داخل السجون اذا انتبهت لهذه الكتب لن تتركها بينهم.

 

وفي الوقت الذي نتفق فيه على أهمية الكتب والحياة الثقافة في إثراء وتشكيل وعي الأسرى الفلسطينيين، لابد من دور أكثر جدية في متابعة كافة المطبوعات التي تدخل إلى غرف الأسرى، سواء من قبل قيادة الحركة الأسيرة داخل السجون، أو من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية في الخارج، خاصة وأن مئات الأطفال الفلسطينيين يقبعون خلف قضبان الاحتلال.