خاص " الحدث" جميل عليان
تحت شمس دافئة، وفوق أرض مشبعة بالماء، يمضي حراثون قضاء نهارهم في استغلال الايام الجافة من الامطار لزراعة القمح في غير منطقة شمال الضفة الغربية.
حاملين عبوات بلاستيكية مليئة بحبوب القمح، سائرين في خطوط متوازية أمام جرار زراعي يبذر رجلان الحبوب بسرعة ومهارة. من وجهة نظرهم فإن الأمر لا يتعدى عادة قديمة عكف الفلاحون الفلسطينيون على زراعة القمح في هذه الأيام التي تسبق دخول الشتاء، ومن وجهة نظر وزارة الزراعة، فان الامر يتعدى ذلك، الى ما يصفه مسؤول حكومي بانه عودة وشيكة لزراعة القمح كما كان قبل عقود عندما كانت البلاد تنتج أفضل اصناف هذه الحبوب.
خلال العقود الثلاثة الماضية بدت زراعة القمح تنحسر سنة بعد سنة حتى تناقصت كميات الانتاج السنوي الى ارقام لا تتعدى 10٪ من حاجة الفلسطينيين السنوية لهـذه الحبوب.
وقال واحد من الحراثين الاثنين اللذين كانا يرشقان بذار القمح بخفة وسط أرض قرب بلدة طوباس المشهورة تاريخيا بهذه الزراعة إن القمح صار شيئا من الماضي.
لكن اتساع رقعة المساحات المزروعة بهذا الصاف من الحبوب يشي بعكس النظرة السلبية التي ينظر بها الفلاحون لهذه الزراعة.
ويقول مجدي عودة مدير زراعة طوباس إن هناك عودة محمودة وظاهرة صحية لزراعة القمح في المنطقة. وعلى امتداد عدة سهول يشاهد هـذه الأيام عشرات الفلاحين منخرطين في زراعة أصناف مختلفة من الحبوب على رأسها القمح والشعير.
ويعزو مختصون انحسار زراعة القمح خلال العقود الماضية إلى التغير في الخارطة الزراعة من ناحية، وشح الأمطار من ناحية أخرى.
لكن عودة يقول إن السنوات الثلاثة الماضية شهدت إدخال أصناف جديدة من القمح المحسن تتناسب مع كميات الأمطار الهاطلة.
وتساعد جمعيات وطنية في رفد المزارعين بالبذار والأسمدة والإرشادات الحقلية المتعلقة بهذا الصنف من الزراعات التي تعتمد فقط على مياه الامطار الساقطة خلال الشتاء.
وقال عودة بدأنا بمشاريع زراعة القمح من خلال تلك الجمعيات ومراكز الابحاث الزراعية وحصدنا نتائج مبشرة.
ويقول مهندسون زراعيون ان ادخال الماكينات في عملية الزراعة بشكل كامل ساعد الكثير من المزارعين بالعودة الجدية لهذه الزراعة.
ويستطيع المزارعون الفلسطينيون الان الاعتماد بشكل كامل على ماكينات الحصاد التي طورت خصيصا في فلسطين لتلائم طبيعة الارض.
وقال عودة "الماكينات ساعدتنا بشكل كبير في اعطاء هذه الزراعة دفعة قوية. الان يستطيع المزارع اتمام عملية الحصاد والحصول على الحبوب والقش المدروس في الوقت ذاته".
تاريخيا عرفت زراعة القمح، بأنها عمل عائلي يعتمد على أيد عاملة كثيرة تزرع وتحصد وتفصل الحبوب عن القش.
وقال عودة ان كثير من المزارعين خاصة في منطقة الفارعة بدؤوا بعملية تدوير الزراعات المروية وادخال القمح كواحد من المواسم الرئيسة في حقولهم.
ويقول مزارعون في منطقة طوباس والتي تضم الي جانب جنين واحدة من أشهر السهول الفسيحة التي تزرع فيها الحبوب ان انتاج القمح يتفاوت من عام لآخضر تبعا لكمية الامطار الهاطلة خلال الاشهر الثلاث الاولى من فصل الشتاء.
وغالبا ما يزرع القمح واصناف اخرى من الحبوب في مناطق البعل التي تفتقر لموارد مائية جوفية.
وحسب مدير زراعة طوباس فان الفلاحين يزرعون سنويا نحو 45 ألف دونم بالحبوب أكثر من نصفها القمح.
وقال عودة لو ان الفلسطينيين زرعوا كل الاراضي الصالح لزراعة الحبوب في فلسطين بالقمح، فانهم لن يحصلوا على اكثر من 30٪ من احتياجاتهم السنوية من هذه الحبوب.
وتشير ارقام متطابقة الى ان مساحة الاراضي الكلية التي تزرع بالقمح في فلسطين تتجاور ال 200 ألف دونم لا يتجاوز معدل انتاج الدونم أكثر من 200 كيلو لكل دونم واحد. فيما لا يغطي ذلك الانتاج أكثر من 10٪ من الاحتياج العام.
ويقول الفلاحون المتمرسون بهذه الزراعات ان اصنافا بلدية تلائم طبيعة الاراضي الجافة وقليلة الامطار لم تعد متوفرة بين أيديهم.
ويعزو الفلاحون انخفاض كمية الانتاج الى دخول اصناف عشوائية لا تلائم المنطقة الى السوق.
غالبا تبدأ عملية زراعة القمح في كانون الثاني ويبدأ الحصاد في حزيران، وفي الشهور الستة التي تستغرقها هذه العملية يظل الفلاحون ينتظرون هطول المطر الذي يحدد غالبا كمية الانتاج.