الحدث - خاص
نشرت يديعوت أحرنوت بالأمس خبرا مفاده أن أجهزة أمن السلطة ضبطت عبوة قرب رام الله وتحديدا قرب بلدة بيت لقيا في "زمن الحقيقة" أي في الوقت المناسب. وبحسب يديعوت، لو انفجرت العبوة لسببت "كارثة" ولأوقعت عددا كبيرا من جنود الاحتلال قتلى؛ خاصة وأنها وضعت في مكان تتجمع فيه قوات الاحتلال ليلا قبل تنفيذها عمليات اعتقالات في البلدات القريبة.
الخبر حمل اتهاما أوليا لعناصر الجهاد الإسلامي في بلدة بيت لقيا، وبحسب تعبير يديعوت: "فإن البلدة فيها نواة من النشطاء المرتبطين الجهاد، وقد يتم تفعيل نشاطهم من قبل حزب الله، من أجل نسف جهود التهدئة من خلال قتل عدد من جنود الاحتلال".
فلسطينيا، تم قراءة الخبر في أكثر من اتجاه؛ البعض رأى في الخبر مادة دسمة لاتهام السلطة بمساعدة "إسرائيل" في احباط عمليات للمقاومة الفلسطينية، فيما رأى البعض الآخر أن الخبر دليل على حيوية ووجود المقاومة المنظمة في الضفة الغربية، بعد سنوات من المقاومة الفردية. إن القراءات الفلسطينية لكل إعلان إسرائيلي تخضع بالضرورة لاعتبارات الانقسام، وعلى هذا الأساس تبنى المواقف والرؤى. وكما اعتبرت فتح التهدئة خيانة، فلقد اعتبرت حماس ضبط العبوة خيانة، ولكن الإسرائيلي ليس هذا ما يهمه.
بناء القصة واستحداث العناصر
المنطقة التي تحدثت عنها يديعوت، منطقة تسلكها قوات الاحتلال بشكل مستمر بالفعل، ولكن وعلى مدار سنوات تم تفجير "عبوات غاز" في تلك المنطقة، وتحديدا على الشارع الذي تسلكه قوات الاحتلال، واعتقلت قوات الاحتلال على مدار سنوات عدة مجموعات بشبهة المسؤولية عن هذه العمليات، وكان معظم المعتقلين في هذه المرات من المقربين من حركة فتح. ولكن المخابرات الإسرائيلية هذه المرة أرادت ما هو آخر من وراء هذا الإعلان.
الطريقة التي أعلن فيها الخبر على يديعوت محل شك، الصحافة العبرية التي تخضع لرقابة أمنية وعسكرية، لم تتورط يوما في الإعلان عن قضية أمنية لم تكتمل عمليات التحقيق فيها، كما أن الجهة المخولة بالإعلان عن الكشف عن عملية معينة أو قضية معينة؛ هو جهاز الشاباك الإسرائيلي ومن خلال بيان رسمي. وهذه القضايا خارج معادلات السبق الصحفي في الصحافة العبرية.
ولكن.. إن التهدئة التي يجري عنها الحديث محل انتقادات من بعض وزراء الكابينيت الإسرائيلي، ومحل تأييد من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبشكل كبير من قبل أجهزة المخابرات؛ خاصة وأن رئيس الشاباك نداف أرجمان من أكثر الشخصيات الإسرائيلية صلة بالمصريين وبالمخابرات المصرية، وبالتالي فإن ضبط العبوة، كما يبدو خضع لعملية استثمار ومونتاج أمني، لتصوير التهدئة على أنها إنجاز إسرائيلي يحاول "المتطرفون" القضاء عليه من خلال عمليات تفجيرية.
لماذا الجهاد الإسلامي وحزب الله؟
إن تجربة المخابرات الإسرائيلية مع الجهاد الإسلامي غنية في هذا المجال، في عام 2005 في الوقت الذي كانت تصاغ فيه خطة تهدئة شاملة، نفذت مجموعة من الجهاد الإسلامي في طولكرم بقيادة الشهيد لؤي السعدي، عملية استشهادية في "تل أبيب" أوقعت 10 قتلى في صفوف الإسرائيليين، وكان الهدف من العملية نسف اتفاق التهدئة، لما رأت فيه المجموعة أنه انتهاك للعقيدة القتالية ضد "إسرائيل". حينها، أحضرت المخابرات المصرية لبعض الاجتماعات، تسجيلات صوتية لقيادات في الجهاد، يدعون فيها لنسف التهدئة من الضفة الغربية، وبالتالي فإن اختيار تنظيم كالجهاد لإلصاق القضية به، يتأتى بنوع من المصداقية للخبر سواء في الشارع الفلسطيني، أو في ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي.
ومن خلال دراسة لطبيعة المنطقة التي وجدت فيها العبوة وللبلدات المحيطة، فإن بلدة بيت لقيا تعتبر البلدة الأبرز في ذلك المحيط؛ التي يتواجد فيها أسرى محررون من الجهاد وبعض النشاط، وضمنا فإن الحديث هذه البلدة قد يقابل بنوع من التصديق؛ خاصة وأن أحد أبرز قادة الحركة في البلدة خطط لعملية في عام 2012 خلال العدوان على قطاع غزة، وأدت العملية لإصابة 29 إسرائيليا بعد انفجار عبوة ناسفة في "تل أبيب"، قبل أن يتم اغتياله في أواخر عام 2013. وعمليا لم تشهد تلك المنطقة أي عملية اعتقال ضد نشطاء من الجهاد قبل الإعلان الإسرائيلي عن العبوة وبعده.
كما وأن إشراك حزب الله بالشبهات، هو تأكيد على مبدأ يتذرع به قادة "إسرائيل" كثيرا، بخصوص عدم إقدامهم على القيام بعملية عسكرية في قطاع غزة، وتأكيد على النظرية التي يروجون لها بأن "إسرائيل" يجب أن تتفرغ للشمال، فيما يحاول حزب الله وإيران إغراقها في مواجهة في الجنوب، وأن التهدئة مصلحة إسرائيلية يحاول حزب الله إجهاضها والقضاء عليها.
جدل بين جغرافيا الاتفاق وجغرافيا الاستحقاق
ليس هذا فقط.. إن الخطاب الموجود في الخبر خطير، فالحديث عن محاولة إجهاض التهدئة في غزة من الضفة الغربية، يعني رسالة واضحة: "الاستحقاق الأمني (الهدوء) المطلوب من الفصائل لا ينتهي في غزة.. وأن الأمر لا يمكن تقسيمه جغرافيا، ويمكن لعمل عسكري في الضفة أن ينهي التهدئة في غزة"، وهنا نجد أنفسنا مع مطلب إسرائيلي ضمني؛ يلامس المبادئ والخيارات ولا يقتصر وينحصر في الميدان العنوان للتهدئة، وبذلك تفتح "إسرائيل" لنفسها مهربا جديدا من شروط التهدئة ــ إن قامت ــ من خلال الجغرافيا، وتقيم جدلا بين جغرافيا الاتفاق وجغرافيا الاستحقاق.
إن العبوة التي ضبطت بالقرب من بيت لقيا، أحدثت تأثيرا أكبر من تأثيرها لو انفجرت، وأصبحت حبرا غزيرا لرسائل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية؛ مستثمرة في توقيتها وجغرافيتها، وعلى الجميع أن يتنبه لتلك الرسائل؛ خاصة أولئك الذين يفاوضون في موضوع التهدئة، فكما وصفت يديعوت توقيت ضبطها بـ"زمن الحقيقة" فإن الاستثمار بها والرسائل التي صيغت على أساسها كانت "رسائل الحقيقة".