الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أفكر الآن بالآن لـ الشاعرة: هلا الشروف

2018-08-30 09:40:23 AM
أفكر الآن بالآن
لـ الشاعرة: هلا الشروف
هلا الشروف

لم أجدهُ بعد

ذلك الحب العظيم الذي من طبيعةٍ خيّرة،

لكنني أرى تجلّيه فيَّ

في الهواء، والأشياء، وصاحبات المكان.

أرى ترجماته الشاعريّة

حينما الليل ماءٌ في هواء يسيل

حينما البريق يسقطُ في بركة الماء مستسلماً للخفوت

وحينما الماء رقراقٌ في المنحدرات إلى مرج ابن عامر

وحينما التينة بيتٌ للحشرات وحارسةٌ للرطوبة.

 

لم أجده بعد،

ذلك الحب الذي من إقامة

ولكنني أرى رسائلهُ في الطريق إلى أي شيء:

أسراب نملٍ، حواكير متروكة للبديهة،

وأخرى سيشغلها صبّارها عن شعلة الصيف،

بيوت من الضوء الداخلي

وضوء إلى الداخل الجبليّ المُستباحِ من الكائنات

ضوء في الحجارة

ضوء في شجرة المجنونة

وفي الدرج الحجري إلى باطن الهواء،

حدائق لم أزرها

ولكنني أعرف أشجارها جيداً، وترتيبها في الشارع الفرعي إلى بيت أمي

والكثير الكثير من الغيم في الأفق

والقليل القليل من الأسى في الطرق.

 

لم أجده بعد

ذلك الحب العظيم الذي من تراب وماء

ومن طينة لا تجف

لكنني أسمع أصوات احتفالات في دمي

تهتف باسمه

أسمع صوتاً بعيداً قريباً، فأكتب

من داخل الوصل أكتب،

من جوفه، من باطنه، ومن قطره الدائري

من يديه، من الحاشية، من هامش ليس هامشياً

ومن بذرة الوصل أكتب، من جنين حبة القمح فيه أكتب

من وصلي لنفسي، وصلي لها، وبها وإليها،

وأفكر الآن بالآن.

 

لا نرد في الحب، ولا حظ

وكأنني منذ الأزل أعرف وجه الحبيب القديم

الحبيب الأول، المقدّر لي منذ بذرتي أُلقيتْ في بطن مريم،

أطالُ عناقيده بالأصابع:

أيها العالي، إن كنتَ من عنبٍ فلتكُن،

وأحمل جرّته فوق كتفي:

أيها العالي، إن كنتَ من ماءٍ فلتكن،

وأشعل جمرته بيديّ:

أيها العالي، إن كنتَ من نارٍ فلتكن،

وأحدسُ وجهته من ميل أغصان الجاكرندا:

أيها العالي، إن كنتَ من هواءٍ فارفعني إليك.

 

مثلما تكبرُ الأضاليا على مهلها قرب دار البلدية

دون أن يراها أحد

أكبرُ في قوتي الهادئة

ويكبر الحب في داخلي دون أن يراه أحد.

 

ومثلما الشوارع ممرّاتٌ لمن يذهبون،

أرى الإياب فقط

وأجمع الكلام الحلو للحبيب الذي سوف يأتي

ويخبرني عن الماضي الذي سنحياه معاً بعد غد.

 

تكدّس في داخلي أيها الكلام، قلتُ

ولكنني مصنوعة من كلام،

فلا خوف إذاً من جفافي.

 

ومثلما الحب يحدث في الداخل

يحدثُ الشعر في الخارج قبل كل شيء،

يحدثُ الشعر خارج الشعر،

لهذا أراني طوال الطريق إلى بلدةٍ في الجنوب

أشيرُ إلى شجرة المجنونة

وأخبر سائق التاكسي: هذا شعرٌ يحدث الآن.

 

يحدث الحب كي ينقذ الشعر قبل فوات الأوان،

يحدث الشعر كي ينقذ الحب بعد فوات الأوان،

وأنا أفكر الآن بالآن.