الجمعة  04 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حين نظلم الشيعة ومواكبهم الحسينية وبعض طقوس العبور!

2018-09-21 10:19:30 AM
حين نظلم الشيعة ومواكبهم الحسينية وبعض طقوس العبور!
لطميات الشيعة

 

الحدث- محمد بدر

إن الميت يصبح هامشا، إلا إذا قرر محيطه إعادته للمجتمع وللحياة، من خلال ما أسماها "أرنولد فان" بـ"طقوس" العبور". هي شبيهة الفكرة التي تحدث عنها المفكر الإيراني علي شريعتي في كتابه "فلسفة الشهادة" في حديثه عن شهادة الشهداء في محكمة التاريخ وإعادتهم للحيز من خلال الرسالة، ولعلّ ما لم يفصله شريعتي عن الرسالة أو تعامل معه قيميا، أشار إليه "فان" حين تحدث عن آليات البعث الجديد، والتي تبدأ بالخطاب ولا تنتهي بالممارسات الاجتماعية.

في كل ذكرى لعاشوراء ولاغتيال الحسين بن علي، تساق الانتقادات من جديد على الممارسات التي يقوم بها الشيعة خلال إحيائهم للذكرى، وهذه الانتقادات لا تساق فقط من قبل المخالفين للشيعة طائفيا، بل من قبل بعض الشيعة ومن بعض فرقهم.

تتركز الانتقادات بشكل كبير على مسألة إيذاء الجسد واللطم بشكل عنيف، ولكن مراجعة تاريخية سريعة تضعك أمام حقيقة أن فكرة إيذاء النفس من أجل الأموات ليست مسألة تخص الشيعة دون غيرها، كما أنهم لم يكونوا سباقين لها. فقد ظهرت فكرة العزاء الجماعي في بابل قبل 3000 سنة، حيث كانت تخرج مواكب البكاء على تموز ولندب اله الخصب، والخراب الذي حل بالأرض بعد نزول تموز للعالم السفلي ونواح عشتار عليه. وهناك أسطورة إيرانية تقول إن بداية المواكب الحزينة كانت بعد مقتل "البطل سياوش" غدرا في مقبل عمره وبكاه الإيرانيون بألم وحرارة. كما وكانت كانت طقوس العزاء والمآتم لدى المسيحيين في العصور الوسطى من أشد طقوس العزاء عنفا مقارنة بغيرها، إلى درجة أن أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة القاهرة إبراهيم الدسوقي ذهب إلى الافتراض أن هذه الظاهرة تسللت للشيعة من مسيحيي العصور الوسطى.

ورغم أن صور إيذاء بعض الشيعة لأنفسهم تتصدر الشاشات، إلا أن هذه الشاشات تختزل الصورة بدم الشيعة، رغم أن دما باكيا في أوروبا ما زال ينزف في ما عاد يعرف بـ "يوم مصائب المسيح"، والذي يشتمل على طقوس تتضمن إيذاء كبيرا للجسد، ويتم صلب بعض الأشخاص استذكارا للمسيح؛ خاصة في إسبانيا والفلبين وإيطاليا، بالإضافة للسير مسافات طويلة بالتزامن مع ترديد الأغاني الحزينة.

وحتى لا نبتعد في الطرح أكثر، فلقد ظلت عادة جرح الوجه من قبل بعض النساء الفلسطينيات عادة متوارثة وتعبير عن الحزن الجماعي، كما يشير الباحث عمر عودة، مؤكدا على أنها من الطقوس المرعية التي تطال أجساد الأحياء عند وفاة شخص ما في المجتمع الفلسطيني، موضحا بـأن بعض النساء كنّ يتعمدن جرح وجوههن من أجل إراقة الدم، وكلما كان الحزن على الفقيد أعمق، كان الجرح أشدّ نزفا، و يعلّل (جيمس فريزر) هذه العادة "بأن روح الميت بحاجة إلى الغذاء الأساسي في حياتها الثانية، وأن الدم، تسكن فيه قوة الشخص، وبذلك فإن هذا الدم يمده بمنبع من القوة.

إن هذه المقارنات والاستدراكات ليست من باب إدانة طرف لحساب طرف، وليست كذلك من باب تقليص حجم خطأ من خلال الاستعارة بخطأ، إن صح أن نطلق على ما سبق أخطاء أو نملك التحكيم في الأمر، ولكنه تأكيد على أن هذه الطقوس تتعلق بالأساس بنمو وتطور الوعي الجمعي وتراكمية الصور والأدوات والأساليب الخاصة بالمجتمعات والتي تعبر من خلالها عن تاريخها والأحداث وهويتها الاجتماعية، مع الإشارة إلى أن بعض السلوكيات تتلاشى وبعض السلوكيات والطقوس تستقر وتتحول لثقافة عميقة في مراحل ما.

اللطميات عند الشيعة!

بعيدا عن الطرح القانوني والتاريخي في مسألة الخلاف حول الخلافة أو الإمامة بين "بني أمية" و"آل بيت النبي"، فإن ما لا ينكره أحد أن الحسين بن علي تم اغتياله بطريقة بشعة. وتشير الدراسات التاريخية إلى عكس التنميط في موضوع "ولادة" اللطميات، ففي حين يعتقد كثيرون أن اللطميات بدأت تظهر ما بعد اغتيال الحسين، فإن الرأي الأرجح هو أن الحسين كان قد أخبر أخته زينب، ليلة اغتياله (العاشر من المحرم)، بما ستؤول إليه الأمور في اليوم التالي، نقلاً عن جده النبي، فبكت زينب ومعها النسوة اللواتي رحن يلطمن الخدود وصاحت أم كلثوم حينها: "وامحمداه واعلياه واإماماه واحسيناه واضيعتنا بعدك". هذه الحادثة تشهد على أول ظهور لصور اللّطم فيما يتعلق بواقعة عاشوراء.

وكان لظهور "حركة التوابين" في القرن التاسع الميلادي دورا مهما في تعزيز ظاهرة اللطميات، فقد كانت اللطميات تعبيرا سياسيا وأداة من أدوات الاحتجاج السياسي على النظام السياسي القائم، وكانت الحركة بمثابة تنظيم سياسي يحاول الإطاحة بحكم "بني أمية". وغالبا ما تكون هذه الحركة هي من أسست لاحتفالات عاشوراء، من خلال تنظيم الزيارات لقبر الحسين في كربلاء، والقيام ببعض الممارسات التي تظهر الندم والإعتذار بأثر رجعي؛ على عدم تقديم العون للحسين في معركته مع الأمويين. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن المختار بن يوسف الثقفي هو أول من قام بتنظيم عزاء حسيني منظم في دراه في الكوفة، وأرسل نادبات إلى شوارع الكوفة للبكاء على الحسين؛ وذلك من أجل تحريك عواطف المسلمين ضد حكام "بني أمية".

ويوضح الباحث نذير هارون في بحثه "قراءة سيسيولوجية تاريخية للعزاء الحسيني" إلى أنه وفي القرن الثالث عشر ظهر من يلحن القصائد المثرية بالحسين، الشاعر الناشئ الأصغر علي بن عبد الله، وكان يعقد مجالس نياحة في مقتل الحسين، وتطورت النياحة على الحسين لإبن نما وابن طاووس وأطلق على النائحون بالقراء، فالقارئ هو وريث المداح العربي القديم، وخلال القرن الثاني عشر للميلاد أصبحت القرأة في يوم عاشوراء عادة متبعة.  وذكر ابن الجوزي بأن اللطم تطور في القرن الحادي عشر للميلاد ومن ذلك الحين أصبحت كربلاء مزارا للناس، رغم محاولات المنع من قبل حكام بغداد.

وبسبب الاضطهاد والقمع الذي تعرض لها الشيعة في ظل الخلافات الإسلامية المتعاقبة، ومنع هذه الشعائر من قبل الأنظمة السياسية "الخلافات"؛ فقد تعزز انتماء الشيعة لها، حتى جاءت الدولة الصفوية الإيرانية ولاقت هذه الشعائر اهتماما من قبل الصفويين. وأضاف الإيرانيون الصفويين بعض الممارسات على هذه الشعائر مستعيرين من فلوكلورهم الشعبي بعض خصائصه وخصوصياته في ما يتعلق بمراسم العزاء والتأبين، مع الإشارة إلى أن العراقيين كانوا من أوائل من أسسوا لهذه الشعائر أو الممارسات حتى قبل الإيرانيين. وفي القرن التاسع عشر، انتشرت مواكب العزاء الحسيني، وفي بداية القرن العشرين كانت فكرة إحياء ذكرى اغتيال الحسين قد انتشرت و ترسخت، آخذة طابعا فلكلوريا شعبيا خاصة بالمدن المقدسة عند الشيعة ككربلاء والكاظمية والنجف.

لا لإيذاء النفس!

في عام 2016 خرج السيد حسن نصرالله عن صمته متهما بعض الفرق الشيعية بتشويه صورة الشيعة من خلال الممارسات العنيفة التي يقومون بها في ذكرى اغتيال الحسين، ووصف السيد نصرالله هذه الأفعال بالبدع الدخيلة، كما ووصف من يقوم بها بالمتطرفين والمتعصبين. وشدد نصرالله على أن هذه الأفعال تهين الحسين وشيعة الإمام علي، داعيا أنصاره ومحبيه للابتعاد عن هذه الممارسات والالتزام بالذكرى كحادثة تاريخية تؤسس لمعاني العزة والكرامة. إن حديث نصرالله هذا يكشف عن خلافات داخل الشيعة حول طريقة إحياء ذكر اغتيال الحسين، ويكشف أكثر عن مدى تسليط بعض وسائل الإعلام على بعض المظاهر العنيفة خلال إحياء هذه الذكرى  وتجاهل الأصوات الشيعية المنتقدة لهذه الظاهرة.

ولاقت انتقادات السيد نصرالله انتقادات مضادة من قبل الفرقة الشيعية الشيرازية؛ وهي الفرقة التي تمارس بشكل أساسي هذه الممارسات والسلوكيات العنيفة، وهي على خلاف كبير مع الفرقة الاثني عشرية التي ينتمي إليها السيد نصرالله والمرجعية الأعلى في إيران علي خامنائي. كما أن الشيرازيين على خلاف كبير مع النظام السياسي الإيراني، ويتعرض قادتهم للاعتقال من قبل السلطات الإيرانية، ويعرف عن الشيرازيين اهتمامهم البالغ في ممارسة السلوكيات العنيفة خلال الاحتفال بذكرى اغتيال الحسين، وهو ما تسبب باعتقال بعض قادتهم في إيران في كثير من الأحيان.