الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الأشجار وأشياء أخرى.. مصطفى بشارات

2018-12-13 07:56:16 AM
الأشجار وأشياء أخرى..
مصطفى بشارات
مصطفى بشارات

(إلى صديقي: الذي أحب النص وتمنى نشره، وذلك الذي تمنى لو كان شجرة)

◊◊◊

إن الأشجار ”تستوحش“ غيبة أصحابها إذا لم يعودوها، فما بالك إذا لم يتعهدوها؟. قال لي أحدهم مؤكدا.

شخصيا، اختبرت هذا الأمر، ورأيت بأم عيني كيف تخضر أوراق الأشجار و“تونع“ كلما واظبنا على ريها وانتظمنا في ذلك. كما توصلت إلى نتيجة مفادها أن لا شيء يعوض فرصة أن تتبع الغرسة التي زرعتها، وترقب، فصلا إثر آخر، كيف تكبر هذه الغرسة شيئا.. فشيئا، فتصير شجرة.

۞۞۞

فيض غامر من الراحة أستشعره وأنا ”أعزق“ الأرض حول أشجار الحديقة، أو حين ”أرشها“ بالماء فيسقط ما علق بأوراقها من غبار وغيره.. وحين يحل موسم قطاف الزيتون- الأثير على قلبي- كانت على الدوام تنتابني حالة من السكينة لم أشهد مثيلا لها، وأنا أقطف ثمار هذا ”الذهب الأخضر“، فتنداح الحبات الخضر مطواعة/لينة/لامعة بين يدي.

۞۞۞

كلما عاد جنود الاحتلال للعبتهم الأثيرة في مطاردة كل ما هو جميل، بما في ذلك الأشجار، كنت أتأكد أكثر أن المعركة بيننا وبينهم في هذي البلاد تدور حول أصل الاخضرار: أي نبتة فينا أصيلة ومن هي الطارئة، زيتون الــ K18 أم الزيتون البلدي، ومن منهما الأنقى، والأكثر تدفقا، وأيهما أقدر على الصمود في الأرض ؟

۞۞۞

الشهداء هم الأشجار الوارفة التي تحمي الوطن!

۞۞۞

بين أغصان الأشجار، على أوراقها، وفي ثمارها، تراءى لي الله في بديع صنعه.. وفي ظلالها كنت أراك تستريحين!

۞۞۞

مع كل ذلك، لا تزال تحضرني عديد الأسئلة:

▪ما هي تلك الطلاسم التي تشكل مجموعة الحفر والخطوط التي تنشأ على طول سيقان الأشجار كلما تقدم بها العمر؟.. هل هي كلمات الأشجار أم حكايا السنين التي مرت عليها؟

▪هل حقا تتحدث الأشجار؟ ما علاقتها بالانسان خصوصا، والكون عموما؟.. أولم تكن في الكتب السماوية آية للانسان لتدبر عظمة خلق الله والاستدلال عليه جلت قدرته؟.. حتى في الأساطير، كم من شجرة كانت مزارا لالتماس البركة أو تلبية حاجة، ولدى الكتاب والشعراء والفنانين مصدر الهام!

▪هل صحيح ما يقال بأن نشأة العديد من القرى في بلادنا ارتبط بوجود شجرة أو أكثر في المكان، علامة على أن الجو لطيف هناك وهو الأنسب للسكنى؟..

▪ما علاقة الأشجار بهوية وتاريخ الشعوب ومستوى الرقي الثقافي والحضاري الذي وصلت إليه؟

۞۞۞

يعتقد بعض سكان أمريكا اللاتينية أن أرواح أحبتهم الذين غادروهم لا تزال تحوم على سرب الأشجار التي تطوق بيوتهم، أما أنا فلا تزال روحي عالقة في مكان ما في تلك المساحات الشاسعة من ”بيارات“ الحمضيات التي كانت تكسو ذات يوم غابر أراضي قرية الجفتلك، شمال أريحا، قبل أن يجف ”درع“ الأرض وتداهمها الجرافات فتحيلها إلى غابة من الدفيئات البلاستيكية!

۞۞۞

في عالم قلق يبحث عن يقينه.. تبقين أنت المؤكد.. أنت وحدك تبقين.. وحدك تبقين غابتي.

۞۞۞

في داخل كل منا شجرة.. شجرتي أنا في غابتها.. ربما هي، في حالتي، شجرة السرو التي كنت ألهو تحتها مع أقراني الصغار، نجمع الثمار المكورة التي تتساقط من أغصانها، ننشؤ حفرة لها، ونتنافس أينا يسدد ثمارا أكثر في الحفرة..

لا تزال الحفرة تكبر فيّ.. وأنا أكبر.. والسرو يكبر..

۞۞۞

ريقي جف.. أبحث عن لحاء شجرة كي أستاك!

۞۞۞

لعل جوستاين غاردر تسرع حين قال ”إن الحياة زهرة تنبت بين هاويتين“ وكان الأجدر به أن يقول عنها شجرة؛ فتلك الأخيرة ”أطول عمرا، وأطيب أثرا، وأقرب مجتنى“ حين تحدث الجاحظ عن الكتاب واصفا إياه.

۞۞۞

عالم الكتب، بالنسبة، لي غابة من الأشجار لكل لونها وثمرها.. وكلما قرأت كتابا فتعرفت فيه لأجمة من الأشجار الكثيفة وقلت إن هذه الأجمل والأطيب، كنت أعود فأغير رأيي لدى قراءتي لكتاب آخر.. فاستنتجت ”الكتب نهر يتدفق أشجار“.

۞۞۞

الأشجار تموت واقفة ولا تهجر أوطانها.. الأشجار لا تخون.

۞۞۞

أنا شجرة تورق بك.. لا أنا ظل ولا أنت جدار.

۞۞۞

أمي هي الشجرة الوحيدة التي لا تتساقط أوراقها؛ فهي تبقى مخضرة في كل الفصول.