الحدث ــ محمد بدر
أوجز نتنياهو أمس بعبارة تظهر حقيقة الصراع وحدوده وأهدافه حينما قال "إنهم يريدون أن يقتلعوننا من هنا". نعم، هي حرب اقتلاع متبادلة لا تملك موازين القوى ولا كل المبادرات السياسية تغيير حقيقتها. ولعلّ نفق حزب الله المجهز لدخول آلاف المقاتلين قد ذكرّه بحقيقة وجوهر الصراع. ولعلّ نزوح عشرات العائلات من المستوطنين في الجولة الأخيرة من القتال على حدود غزة، قد أزالت غباشة عن عينيه راكمتها عمليات التطبيع. ولعلّ منظار نتنياهو بدأ يرى في الجولان مقاتلين من عرب وعجم، فأدرك أن المعادلة تكبر وتتغير.
هو نفسه، الذي قال إنه يحاول أن يحافظ على بقاء "إسرائيل" لـ"100" عام. إن نتنياهو في أقل من عام وضعنا في صورتين جديدتين للفهم، الأولى عن منطق الحرب والثانية عن نهاية الحرب. فهو مؤمن بأن هذه الحرب حرب وجود، وأن النهاية ليست في صالح "إسرائيل" ولكنها محاولات لتمديد هذا البقاء.
لو كنت إسرائيليا ممن قاتلوا في حروب "إسرائيل" مع الدول العربية، ومن الجنود الذين وقفوا على مشارف بيروت ودخلوا سيناء واقتحموا القدس، لخرجت للشوارع متسائلا، أين كنا وأين أصبحنا؟.. فبعد أن كانت "إسرائيل" تخوض حربا وقائية وحربا هجومية تحدد هي بدايتها، وتحتل أراضي الدول، أصبحت في خطر وجودي وأصبحت جبهاتها وحياتها في خطر، واستطاعت "جماعات مسلحة منظمة" أن تخلق حالة من الردع على هذه الجبهات، وأصبحت المجموعة الإسرائيلية الخاصة تهرب من غزة بمساعدة الطائرات ولكنها لا تسلم من النار.
وحتى حين نتحدث عن الحراكات الشعبية، نجد أن "إسرائيل" أصبحت عاجزة أمام حركة الجماهير العزلاء وليس فقط أمام حركة السلاح والأنفاق والصواريخ. فتنكسر أمام إرادة المقدسيين وتسحب بواباتها الإلكترونية إلى ما خلف التاريخ، وتفاوض على تخفيف الحصار تحت تأثير مسيرة العودة، وتفشل في إجبار سكان الجولان المحتل في الإندماج في مؤسساتها رغم كثافة الغاز المسيل للدموع. وكأن "إسرائيل" أصبحت عاجزة أمام كل شيء إلا في إقناع بعض العرب بأنها غير عاجزة وقوية.
يؤكد مشهد المئات الذين تجمعوا في بيت الشهيد أشرف نعالوة، أن أحدا لا يريد التخلي عن حقيقته، لا المستعمِر ولا المستعمَر. وتؤكد الدعوات لحماية بيوت الشهداء أن الشهيد ما زال القيمة الأسمى في الصراع بما فعل وبما ترك، وبأن "إسرائيل" بعد أكثر من 70 عاما لا تستطيع هزيمة قيم الشهادة ولا معاني النضال، وأن مشكلتها مع التكوين والتسكين والحراك والمتغير؛ مع الشيء ونقيضه، مع نهايتها.