الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفلسطينيون والجهود الدولية... شعارات للمساومة أم مشاريع للحل؟!

"أكامول" سياسي أم ترياق ضد العجز!

2014-12-23 12:55:17 AM
الفلسطينيون والجهود الدولية... شعارات للمساومة أم مشاريع للحل؟!
صورة ارشيفية
رام الله ـ محمود الفطافطة
 
من يرصد ويُحلل الواقع الراهن للقضية الفلسطينية بكل ما يتصل بها من تطورات داخلية وتفاعلات خارجية يجد أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يتجه نحو الانفجار الحاد والشامل إذا لم يُتح للفلسطينيين الحصول على حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة والعيش الكريم كباقي الشعوب في هذا العالم . بكلماتٍ أخرى: المطلوب البحث عن حلول جدية وعملية أو الانفجار!!.
تنفيس أم تعقيد؟!
فالجهود والمواقف السياسية المتلاحقة إقليمياً وعالمياً تُنبئ بحركةٍ جادة "لتنفيس" هذا الانفجار المحتمل لا سيما من قبل بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا. ولكن السؤال المطروح هنا: هل يمكن لهذه التحركات السياسية إنتاج حراك حقيقي وفاعل يضغط على الحكومة الإسرائيلية للتعاطي مع الحقوق الفلسطينية، خاصة في ظل التفكك الائتلافي لهذه الحكومة والتوجه نحو إجراء انتخابات مبكرة؟
الإجابة على هذا السؤال الرئيس وغيره تمنحنا صورة "مقاربة" للتعرف على الخريطة الجيو سياسية المتفاعلة خيوطها على امتداد جغرافية العالم السياسية سيما الأوروبية منها والأمريكية، فضلاً عن أطراف الشأن المباشرة في هذا الصراع، والمتمثلة بالفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، وما يتصل بذلك من قوى إقليمية وعربية مختلفة.
بداية، يجب التأكيد على أن أية جهود أو طروحات أو مشاريع لتسوية هذا الصراع لا تتعاطى مع الحق الفلسطيني، ولا تعمل على تحقيقه هي جهود لن تنجح، ولا تزيد الوضع إلا تعقيداً وغموضاً، خاصة وأن الوقائع الجارية على الأرض تشير إلى حدوث انتفاضة ستعم الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يمكن لأحدٍ أن يوقفها أو يتلاعب في مسارها أو يتواطأ على أهدافها ونتائجها. فالفلسطينيون مصممون، حالياً، أكثر من ذي قبل على حسم هذه القضية التي تواطأت قوى عالمية كبرى على استلاب حقهم ونهب أرضهم وخيرات بلادهم، ليتحول قسم كبير منهم إلى لاجئين في منافي الأرض وأقطارها.
جدلية الخصم والحكم!!
ولو بدأنا بالحديث عن الجهود الأمريكية فإنه يمكن القول أن هذه الجهود لا تدخل في إطار الوساطة أو الحكم النزيه بل في خانة الضغط والخصم، فمثلاً سمعنا وزير الخارجية الأميركي جون كيري يصرح عقب لقائه بصائب عريقات أن واشنطن ستعرقل أية خطوة في مجلس الأمن من شأنها المساهمة في جدولة إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية. كما وأكد غيره من المسؤولين الأميركيين أن الأولوية للتفاوض مع الحكومة الإسرائيلية، متجاهلين أن حكومة نتنياهو كسابقتها من الحكومات الإسرائيلية لم توظف "المفاوضات المكوكية" إلا لنهب المزيد من الأرض، وتوسيع وتعميق سياساتها التدميرية والتعسفية بحق الحياة المادية والبشرية الفلسطينية. إذاً، لا يصح أن تكون واشنطن الخصم والحكم في آنٍ واحد.. وكيف لها أن تكون وسيطاً نزيهاً وهي تمثل الصورة الأخرى والحقيقية للاحتلال الإسرائيلي؟!
فمن يريد السلام والاستقرار يجب أن تنسجم مواقفه مع إرادة المجتمع الدولي وقراراته لا أن يُعطل قراراتها، كما وعليه أن يدرك أن الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يظل رهينة لأبشع احتلال عرفته البشرية، أو لوعودٍ أميركية فضفاضة غامضة ثبت فشلها، عدا عن أنها لم تمنع انتهاكات الاحتلال وجرائمه. فالولايات المتحدة تمثل "السند والسدن" العضوي لإسرائيل في المنطقة، ولولا دعمها الاقتصادي والعسكري والسياسي لإسرائيل لما تمكنت هذه "الدولة المصطنعة" من السيطرة على الفلسطينيين والاستحواذ على أرضهم وممتلكاتهم. كما وإن كل ما ترفعه واشنطن من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إنما تعطلها بنفسها عندما تقف مناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
كذلك، فإن أية محاولة أميركية لإحباط مشروع القرار الفلسطيني لإنهاء هذا الاحتلال ستكون لها تداعيات خطيرة ليس فقط على ساحة الصراع بل أيضاً على المصالح الأميركية نفسها في المنطقة العربية وغيرها، حيث أن الكره العربي يتصاعد ضد  الإدارة الأميركية لتيقن العرب والفلسطينيين عموماً أن التحالف العضوي بين أميركا وإسرائيل هو السبب الرئيس في الغطرسة الإسرائيلية واختراقها لأي اتفاقية وتجاوزها لكل التزام أو وعود.
الاعتراف... جرأة وحقوق
أما بشأن الأوربيين، وخاصة دول بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، فعليهم أن تدركوا بأن المساهمة التي قدمتها دولهم في خلق إسرائيل وتحديداً بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لا يجب أن تستمر بهذا الشكل الذي يتغاضى كثيراً عن السياسات الإسرائيلية التي تتجاوز كل الأعراف والقوانين السماوية والوضعية. فبخصوص بريطانيا، التي منحت اليهود وعد بلفور، عليها أن تعترف للعالم بأسره أن ما قامت به خطأ تاريخي وكارثة إنسانية راح ضحيتها شعب بأكمله. هذه الدولة المستعمرة التي تلاعبت بمصائر البشر ومصيرهم عليها أن تكون "جريئة"، ولو لمرةٍ واحدة في تاريخها، بالاعتراف بأن الفلسطينيين هم الضحية وأن الاحتلال هو الجلاد، كما وعليها أن تدرك بأن مواصلتها في دعم الاحتلال لا يصب في خدمتها الجيو استراتيجية على المدى البعيد، وأنه في حال انفلتت الأمور من جديد فإن شررها سيصيب بريطانيا كغيرها، لأن القضية الفلسطينية بكل عناصرها وتبعاتها ذات ارتباطات عالمية وإقليمية مثلما هي محلية وعربية بالطبع.
أما فيما يتعلق بفرنسا فإن هذه الدولة التي كان لها دور استعماري في المنطقة كبريطانيا خاصة فيما يُعرف بـ "سايكس بيكو"، وما قدمته من دعم فعلي ونوعي للمفاعل النووي الإسرائيلي عليها أن تبرهن بأن مساعدتها لإسرائيل لم تكن في صالح الحديث عن السلام لأن إسرائيل لا تريد السلام أو الاستقرار إلا لدولتها المصطنعة، كما عليها أن تضغط على تل أبيب وواشنطن باتجاه تغيير مواقفهم نحو هذا الصراع، فضلاً عن أنها مطالبة بتشكيل "لوبي" من دول أوروبية وسواها للوقوف نداً معارضاً لواشنطن التي تدعي بأنها وسيط نزيه وما هي بذلك.
وأيضاً، فإن قيام فرنسا بإعداد مشروع قرار لمجلس الأمن بخصوص جدولة انتهاء الاحتلال يجب أن يكون مطابقاً للحقوق الفلسطينية لا صورة مبطنة عن المطالب الإسرائيلية أو المقايضات والمساومات الجارية دوماً في العلاقات الدولية. فالحق الفلسطيني لا يمكن إجهاضه أو اختراقه أو نسيانه، فهو الحق المتقد بذاكرة المشردين ودماء الشهداء وعذابات الثكلى والمعتقلين.
وبخصوص ألمانيا فإنها لا تزال واقعة تحت "عقدة المحرقة" التي أجبرتها على الاستسلام شبه المطلق لضغوطات إسرائيل ومساعدتها لها مالياً وعسكرياً وسياسياً، وإن إعلانها الأخير عن تقديم أربع سفن حربية من طراز نادر لتل أبيب يدلل على هذا الاستسلام الذي يندر أحياناً في العلاقات بين الدول سيما لدولةٍ في حجم ألمانيا ومكانتها أوروبياً وعالمياً.
تطرف مطلق وانتخابات عنصرية!
وفي مقابل كل ذلك، فإن إسرائيل أيقنت بأن ما يدور من حولها لن يكون في صالحها، أو على الأقل لن يكون متناغماً مع مطالبها واشتراطاتها، فها هو نتنياهو الذي رأيناه يخرج عن إطار "الذوق السياسي" بطريقةٍ تثير السخرية يُعلن أنه لا يقبل أن يفرض أحد عليه شروطاً، وهو الذي يضع مئات الشروط والعراقيل. وأكد أنه بالانسحاب من الضفة الغربية سيقرب ما أسماه بالإرهاب الإسلامي لتل أبيب، وينسى أن استمرار الاحتلال هو مزرعة لإنتاج التطرف والإرهاب والعنف في المنطقة، وأن إسرائيل هي أوضح تجلي لصورة السادية والنازية في العالم.  ومما زاد في منسوب السخرية أنه أكد على أن إسرائيل تريد السلام في صورة أبسط ما يُقال عنها "بالوقحة"، ذلك أن السلام الذي أساءت إسرائيل إليه "اسماً ومسمى" لا يمكن لها أن تناله لأنها دولة احتلال. فالسلام يتحقق مع متخاصمين ليس أحدهما سرق أرض الآخر كما هو حال إسرائيل. الحل الوحيد مع إسرائيل هي المقاومة، لأن الاحتلال قام على الدم، ولا يفل الدم إلا الدم.
"هستيريا" نتنياهو جاءت بعد اللطمة الكبرى التي وجهتها محكمة الاتحاد الأوروبي بإزالة حماس من قائمة التنظيمات الإرهابية مما دفع نتنياهو إلى القول: "أن أوروبا نسيت المحارق ضد اليهود لأن حماس هي التي تهدد بالمحارق". هذه الهستيريا وصلت لأوجها عندما صوت برلمان الاتحاد الأوروبي بأغلبية ساحقة بلغت ٤٩٨ صوتاً ضد نحو ٨٠ صوتاً للاعتراف بالدولة الفلسطينية من حيث المبدأ في حدود ١٩٦٧ وأن تكون القدس عاصمة للدولتين. وهذا موقف جماعي يجيء مكملاً لقرارات العديد من برلمانات الدولة الأوروبية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
استناداً إلى هذا التحليل لأبرز خيوط الخريطة السياسية المتفاعلة إزاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي سنتطرق لبعض الآراء والمواقف بخصوص هذا الأمر. الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات يذكر أن الجهود السياسة لن تؤتي أكلها، لأن الوضع في إسرائيل مشتت ولا يمكن للحكومة أن تقرر لأنها في فترة تسمى "البطة العرجاء" انتظاراً للانتخابات القادمة، مؤكداً أن تلك الجهود ستقف أمام سد منيع إسرائيلي لأن من سيقود إسرائيل في الانتخابات القادمة هو اليمين الديني والقومي المتطرف جداً، سيما وأن هناك حالة كبيرة وواسعة من العنصرية والتطرف والكره والحقد على العرب، وأغلبها ترى بأن الحل يكمن في التخلص من العرب وطردهم وتهجيرهم، وإخضاعهم عبر القوة والبطش والقمع والتنكيل.
شعارات دون مشاريع!
أما الكاتب والأكاديمي د. عقل أبو قرع فيقلل من أهمية أي قرار أممي لصالح القضية الفلسطينية، ذلك أنه حتى لو تم اتخاذ قرار من مجلس الأمن، أو من مؤسسات الأمم المتحدة، فأن هذا القرار لن يكون ملزماً أو لن يتم تطبيقه على الأرض من قبل الجانب الإسرائيلي. ويضيف: "إن قرار التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، سوف يعني تدويل القضية، أو نقل القضية إلى الملعب الدولي، خاصة في ظل تغير الأولويات والمصالح في المنطقة، وهذا يعني محاولة كسر الاحتكار الأمريكي لعملية السلام .
 ويشير أنه رغم أهمية هذا العمل الدبلوماسي إلا أن المهم للمواطن الفلسطيني هو مدى انعكاسات هذه الخطوة على الأرض، على الحياة اليومية، أي على التنقل وعلى العمل وعلى توفر الأغذية والأدوية، وعلى الأسعار واحتمالات ارتفاعها، ومقللاً في الوقت ذاته من الفعل العربي في خدمة القضية لما تعتري كثير من دولهم التشتت إلى حد التفتت والصراع الدامي.
وفي السياق ذاته يشير الكاتب علي جرادات أن نتنياهو وحلفاؤه ليسوا مجرد أشخاص متطرفين، بل، وهو الأخطر، تعبير عما يجتاح إسرائيل على كل المستويات من تطرف متصاعد، بدليل أن كل الذين اختلفوا مع نتنياهو من سياسيين وعسكريين وأمنيين، اجمعوا على اتهامه وحلفائه، بالأيديولوجيين المغامرين "المنفصلين عن الواقع" لدرجة إلغائه، وإحلال أفكارهم محله، مضيفاً أن ذلك سيؤدي، من وجهة نظر خصومه، إلى اتساع نطاق ومضامين عزلة إسرائيل، وزيادة شقة خلافها غير المسبوق مع الولايات المتحدة وأغلب دول الاتحاد الأوروبي، وتوسيع رقعة ما تتعرض له من حملة مقاطعة شعبية غربية، سياسية واقتصادية وأكاديمية، لم تعرف مثيلها منذ نشوئها.
 
خيارات ضيقة وانتظار عاقر!
في هذا الإطار تشير دراسة لمركز أطلس للدراسات الإسرائيلية أنه يتوجب على الفلسطينيين أن لا يبقوا رهينة لأية انتخابات إسرائيلية، لأنه لا يمكن إطلاقا أن تأتي حكومة إسرائيلية تتعاطى مع الحق الفلسطيني، مشددة  على ضرورة العمل الجاد لتحقيق الوحدة الفلسطينية التي تمثل الأساس العملي والضامن لقوة الفلسطينيين بعيداً عن انتظار هذه الحكومة الإسرائيلية أو تلك. 
مثل هذه الانتخابات الإسرائيلية لن تكون أبداً لصالح الفلسطينيين وقضيتهم  كما يقول الكاتب محمد السهلي، حيث نجده يؤكد أنه رغم  اختلاف المتصارعين حول ملفات عدة، اتفقوا واتحدوا على ملفات فلسطينية كبرى أبرزها شطب القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وتمجيد الاستيطان وحمايته والنشاط من أجل توسيعه وإبعاد التسوية السياسية مع الفلسطينيين عن الوصول إلى حل شامل ومتوازن يكفل تأمين الحقوق الفلسطينية وفي مقدمها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
وبشأن مدى تأثير السلطة في الانتخابات الإسرائيلية يرى البعض بعدم قدرتها على التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، فيقول د. خليل الشقاقي مدير المركز الفلسطيني للدراسات والبحوث إنه: "كان بإمكان الفلسطينيين في السابق التنسيق والتدخل بشكل مقصود في الانتخابات الإسرائيلية، لكن اليوم لا يستطيعون ذلك كون المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر يمينياً ولم يعد يثق في السلطة الفلسطينية أو بطرف فلسطيني آخر".
صفوة القول: إن التسوية السياسية مر عليها أكثر من عقدين دون أن تُنجب ما يُرمم الواقع الفلسطيني نحو الأفضل، أو يتيح للفلسطينيين المرور في طريق دولة تحقق لهم طموحاتهم وأهدافهم . كما أنه منذ بداية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تم طرح أكثر من 80 مشروع أو سيناريو أو اتفاق للحل لكنها جميعاً كانت عاقرة، والسبب لأن كل ذلك اتكأ على رماد عدم الإنصاف للشعب الفلسطيني من قبل القوى الكبرى خاصة أميركا التي تدعي بأنها حكم نزيه وما هي إلا خصم لا يختلف عن العدو نفسه، كما أن القوى الأخرى سيما الأوروبية ترى في إسرائيل دولة ترعى مصالحها في المنطقة بينما تجد في الفلسطينيين مجرد شعب يكفي له وجود سلطة بلا إرادة وحيز جغرافي بلا سيادة .
كذلك، فإن اتخاذ قرارات أممية لصالح القضية الفلسطينية أمر مهم، لكن الأهم والمطلوب فعلياً هو تضافر جهود هذه القوى التي صنعت إسرائيل أن تعترف بجريمتها التاريخية من جهة، وأن تجبر إسرائيل على منح الفلسطينيين حقوقهم من جهة أخرى... بدون ذلك، فإن الصراع سيتوالد ناراً فوق نار، ولن تنفع معه ثقافة التنفيس أو الترحيل. فالحقوق لا يجدي معها "أكامول سياسي" أو تبريد "ذيل الأفعى".