الحدث- إبراهيم أبو صفية
عادت رياح التصعيد تهب من جديد على غزة، بعد تلاشي غيمة الهدوء التي جاءت عقب تصعيد تشرين الثاني الماضي، وبدا واضحًا تعمد الاحتلال استهداف المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة الجمعة الماضية، وارتقاء 5 شهداء، وما تبعه من بيان الغرفة المشتركة للأجنحة العسكرية الذي حمل تهديدا واضحا بأن "أي استهداف جديد وتغول في دم المتظاهرين سيدفعهم للرد وصد العدوان، والحفاظ على قواعد الإشتباك التي رسختها المقاومة مؤخرًا".
انتهى التصعيد الأخير الذي استمر 72 ساعة في تاريخ 12و13 و14 تشرين الثاني الماضي، والذي حدث نتيجة كشف المقاومة للوحدة الخاصة في خانيونس والتي قامت باغتيال الشهيد نور بركة و4 آخرين، ورد المقاومة المفاجئ للمؤسسة الأمنية للاحتلال، بدءا من استهداف الحافلة وانتهاءً بقصف عسقلان بصواريخ دقيقة، هذا الرد ألزم الاحتلال للذهاب إلى التهدئة.
ولكن وكما يبدو لم يكن لهذه التهدئة حصانة كافية لتستمر، خاصة وأن الفصائل لم تلمس تحقيقا جديا لمعظم المطالب التي قدمت للوسيط المصري، ليعود التصعيد بشكل تدريجي في الأيام الأخيرة والتهديدات المتبادلة بين المقاومة والاحتلال.
أدركت فصائل المقاومة أن الاحتلال يماطل في تحقيق مطالبها، وأنه يسعى لبقاء مشهد ضبابي لا يمكن قراءته، خصوصًا في ظل المتغيرات المتسارعة على الساحة المحلية والإقليمية، على أن يبقي فرصا غامضة للتصعيد تارة والتهدئة تارةً أخرى، ولكن دون منح المقاومة فرصة التحكم في وقت التصعيد والتهدئة.
التصعيد تدريجيا
بناء على ما تقدم، يسود الاعتقاد أن الفصائل الفلسطينية اتخذت قرارا بالتصعيد في مسيرات العودة، وهذا ما كشف عنه القائد في حركة حماس فتحي حماد قائلا إن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا في إطلاق البالونات الحارقة والإرباك الليلي، بهدف تطبيق تفاهمات التهدئة التي جرى التوصل إليها.
وبين الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني لـصحيفة "الحدث"، أن عدم التزام "إسرائيل " بالتفاهمات، وعدم قدرة الوسطاء أي الأمم المتحدة ومصر والدوحة على الضغط على الاحتلال لتنفيذها وترك الساحة " لنتنياهو " لكي يتهرب من ملفات الفساد من خلال استهداف المتظاهريين وتشديد الحصار على القطاع، ينذر فعليا بالتصعيد.
وأوضح بأن التصعيد سيبدأ تدريجيًا، بدءا من عودة الأدوات الي أوقفتها الهيئة العليا لمسيرات العودة، وهي البالونات والإرباك الليلي وحرق الكاوتشوك، مشيرا إلى أن ما تحقق فقط من التفاهمات هو صرف المنحة القطرية، وأن شروط التهدئة تحمل الكثير.
وأضاف الدجني أن الرأي العام والشعب الفلسطيني لن يسمح بالاستفراد بالمتظاهرين السلميين، إذ إن القتل الذي مارسه الاحتلال الجمعة الماضية استهدف المتظاهرين على بعد 500-700 متر وهذا يكشف عن نيته بالقتل، مشيرًا إلى بيان الغرفة المشتركة للأجنحة العسكرية والتي هددت بالرد في حال عاود الاحتلال قتل المتظاهرين.
وأشار الدجني إلى أن نتنياهو يسعى لرد الاعتبار لنفسه بعد المواجهة الأخيرة التي قيدت حركته في قطاع غزة، إضافة إلى حرف الأنظار عما يجري في الضفة الغربية، مبينًا أنه إذا ذهب نتنياهو إلى التصعيد فإنه يعلم بأنه ليس اللاعب الوحيد بل سيكون هناك كلمة للمقاومة.
دور الضفة في تصعيد الأوضاع في قطاع غزة
تصاعدت عمليات إطلاق النار وقتل المستوطنين مؤخرًا في الضفة الغربية، وحديث الاحتلال عن أن هذه الخلايا هي خلايا منظمة تابعة لحركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأنه لن يسمح أن يكون هناك هدوء في قطاع غزة بينما تشتعل الضفة الغربية وتزعزع أمنه، وهذا ما بينه رئيس الوزراء "الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو في رسالة وجهها لحركة حماس في قطاع غزة، عبر مصر، مفادها "إذا لم يكن هناك هدوء في الضفة فليس من المقبول أن تنعم غزة بالهدوء".
وهنا ربط الاحتلال مصير أي تهدئة في غزة بالضفة، إلا أن الفصائل الفلسطينية وخصوصًا حركتا حماس والجهاد مجمعتان على تصعيد الأوضاع الضفة الغربية، وهذا يزيد من فرص إقدام الاحتلال بالرد على عمليات الضفة الغربية في قطاع غزة وتنفيذ عمليات اغتيال موجهة.
وبين الخبير في الشأن " الإسرائيلي" عماد أبو عواد، أننا ربما نشهد تصعيدا يستمر ليوم أو يومين، ولكن دون الذهاب إلى الحرب أو التصعيد الشامل، مشيرًا إلى أن الخطوات المقبلة التي ستعتمدها المقاومة هي عودة الأداوت السلمية مثل "إطلاق البلالين وحرق الكوشوك..".
وأضاف أبو عواد لصحيفة الحدث، إن الاحتلال لن يقدم على تصعيد شامل؛ بسبب أن تفاهمات التهدئة ما زالت جارية، ولكن الضغط سيكون في مسيرات العودة، موضحًا أن الاحتلال ذاهب إلى انتخابات وهو لن يقدم على خطوة إستراتيجية تزعزع أمنه في ظل حل الكنيست، وفقط ما سيقوم به هو تصعيد "خفيف" وجولات وردات فعل، حتى يتمكن من الانتهاء من الانتخابات وتشكيل الحكومة.