الحدث- ريم أبو لبن
في عتمة الليل قد تجول في خواطرنا بعض من التهيؤات التي تعزز فينا الشعور بالخوف، وقد يفر أحدنا نحو شاشة ثلاثية الأبعاد لينغمس في تفاصيل فيلم "مرعب" قبل أن يخلد النوم، فيما تشبث الهلع في جسد طفل صغير نسي النوم وانغمس هو الآخر بـ "الفيلم".
مشاهد القتل والدمار قد انتهت بـ انتهاء " الفيلم" الطويل، ولكن تلك المشاهد المصورة مازالت عالقة في ذهن ذاك الطفل وقد تركت عطباً في ذاته، مما شعر بالخوف لليوم الثاني. ولكن كيف يكون الحال عندما يجابه طفل فلسطيني أو سوري أو حتى عراقي الموت بعينه؟ فهل يشعر بالخوف؟ وهل "الطاسة السحرية" سوف تشفيه وتقضي على الخوف؟
يُطلقون عليها سكان بلاد الشام اسم "طاسة الرعبة"، أما في بادية الشام فهي تحمل اسم "طاسة الروعة"، أما في مصر فهي "طاسة الخضَّة"، وسكان شمال الجزيرة العربية يلقبونها بـ "طاسة السُّم"، أما في الكويت والعراق فهي تحمل اسم "المحو".
تختلف المسميات وفقاً للفاصل الجغرافي، ولكن من يتحدثون اللغة العربية ومن يتمسكون بالحضارات القديمة تتشابه لديهم وظيفة ما يطلق عليها فلسطينيا "طاسة الرعبة"، حيث تأتي على هيئة وعاء معدني صغير مصنوع من النحاس وغيره، وقد نقش بداخله دائرياً نصوص قرآنية وكان أشهرها آية الكرسي والمعوذات، وبعض الزخارف والأشكال الأخرى.
وفي الطب العربي الشعبي تستخدم "طاسة الرعبة" للتداوي من الخوف والهلع، وجاء هذا الاعتقاد بأهمية الشرب من وعاء كتب به نصوص مقدسة وذلك للتداوي من الخوف، ويرجع هذا الاعتقاد إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين حيث وجد علماء الأثر أمثلة لما يسمونها بـ"الطاس السحري".
"هي أقرب للعادات من الدين"
"أنا لا أتفق مع استخدام طاسة الرعبة، وقد اختلف علماء الدين في جوازها، ولكن يمكن استخدام البدائل لها بقراءة المعوذات والرقية". هذا ما أوضحه لـ"الحدث" الشيخ الداعية الدكتور أحمد شرف.
قال الشيخ شرف: "طاسة الرعبة هي أقرب للعادات والتقاليد من الأمور الدينية"، موضحاً بقوله بأن كلمة "طاسة الرعبة" لم تورد جملة في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو حتى السلف الصالح.
في ذات السياق، أضاف: "لم يرد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا حتى عن صحابته رضوان الله عليهم، أي شيء يتعلق بوضع الماء في إناء قد نقشت عليه آيات من القرآن الكريم، ويستخدم للاستشفاء من الخوف والرهبة".
واستكمل قوله: "وقد ورد عن جماعة من السلف بأنه يجوز كتابة آيات من القرآن الكريم في صحن أو ورق وبواسطة مادة مطهرة غير ضارة كـ (الزعفران وماء الورد)، ويجوز شرب ذاك الماء أو وضعه على موضع الألم، كما يجوز القراءة على العسل واللبن ونحوها ودهن الجسم بالمسك وماء الورد المقروء عليه بـ آيات قرآنية".
فيما أوضح بأن البديل عن "طاسة الرعبة" يكمن في قراءة الرقية والمعوذات، وذلك إما بالنفث مع القراءة أو بكتابة المادة بطريقة تتحلل بالماء.
ولتوضيح ذات النقطة، استشهد الشيخ أشرف بموقف عن النبي محمد، حيث كان النبي إن أحس بمرض ينفث في يديه (3 مرات) ويقول ( قل هو الله أحد) أو (المعوذتين)، ثم يمسح بهما في كل مرة ما استطاع من جسده عند النوم، بدءا من رأسه ووجهه وصدره.
كما أخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح، ورقاه جبرائيل لما مرض في الماء بقوله: (بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك) ولـ (ثلاث مرات)، وهذه الرقية مشروعة ونافعة.
أما بلال فقد قرأ في ماء لثابت بن قيس رضي الله عنه، وأمر بصبه عليه ، كما روى ذلك أبو داود في الطب بإسناد حسن، وإلى غير هذا من أنواع الرقية التي وقعت في عهده عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم رقى بعض المرضى بقوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما).
" لا طاسة رعبة في الديانة المسيحية"
الأب إبراهيم نينو وهو مسؤول الدعوات الكهنوتية في البطريركية اللاتينية قال لـ"الحدث": "طاسة الرعبة ليست موجودة لدى الديانة المسيحية ولا يتعامل بها المسيحيون، وعند شعور الفرد بالخوف يحتسي المياه فقط ولا يقرأ عليها أي شيء، وهذا ناتج عن التأثير المجتمعي والعادات الذي أعتدنا عليها".
أضاف: "إذا كان الفرد يشعر بالرعب والخوف نتيجة تهيئه لظهور بعض الأرواح عليه أن يتجه إلى الكنيسة ويصلي مع الكاهن صلاة خاصة، حيث يتم رش الفرد بمياه مباركة (مصلاي) من قبل الكنيسة".
واستكمل من حديثه: "وقد يلجأ الخوري إلى زيارة بيت الفرد إن كان يشعر حينها بأمور أكثر من مجرد خوف، ويرش البيت أيضا بالماء (المصلاي) المباركة، وبالملح المبارك".
فيما أوضح الأب ابراهيم بأن الكتاب المقدس (الإنجيل) سواء المقدم بـ العهد الجديد أو القديم دائما ما يشار للماء والملح بأنهما يستخدمان لطرد الأرواح وإبعادها عن المكان أو الإنسان.
"هي جزء من العلاج النفسي"
"هي تسمية شعبية وليست علمية، لاسيما وأنها تشكل جزءاً من العلاج النفسي". هذا ما أكده لـ"الحدث" الطبيب النفسي وأخصائي الأعصاب د. أسعد يوسف أبو غليون، موضحاً بأن استخدام ما يطلق عليها شعبيا "طاسة الرعبة" يشكل نوعاً من العلاج النفسي والمتمثل بالخوف.
أضاف د. أبو غليون: "لا وجود لمصطلح طاسة الرعبة في العلم، وفي علم النفس هناك ما يسمى بـ (الحلقات الدينية) و ( فنون التأمل ) Meditation، حيث يعود كل فرد إلى ديانته، فالمسلم مثلاً يلجأ لقراءة القرآن حتى يشعر بالراحة، والمسيحي يصلي في الكنيسة كذلك وكلها أساليب للعلاجات النفسية من الخوف والتوتر".
واستكمل حديثه: "لذا فإن طاسة الرعبة تشكل جزءاً من ذاك العلاج، حيث يوضع بها الماء والمقروء عليه بعض من الآيات، وهذا يساهم في العلاج النفسي".
إذا فقد أختلف بعض من علماء الفقه والدين في إجازة استخدام "طاسة الرعبة" وشرب الماء المغمور به حيث لم يرد عن النبي أي موقف يدلل على صحتها، فيما عرج البعض على البدائل التي يمكنها اتباعها، أما بعض أخصائي علم النفس أكدوا بأن " طاسة الرعبة" أساسها شعبي وليس علمي.