المستشفيات الخاصة والأهلية جاهزة لسد الثغرة لكنها تعاني من عجز مالي
الحدث- محمد غفري
لأجل توطين الخدمة الطبية في فلسطين، وتوفير أموال تكاليف العلاج في الخارج، ونكاية في إسرائيل التي تواصل الخصم من عائدات الضرائب الفلسطينية (أموال المقاصة) بصورة غير شرعية، قررت وزارة الصحة الفلسطينية نهاية الشهر الماضي، وقف تحويل العلاج إلى إسرائيل.
علمت "الحدث" من مصادر رسمية وغير رسمية، أن حجم الأموال التي تدفع لإسرائيل سنوياً جراء تحويل العلاج يقدر بحوالي مئة مليون دولار، ولا يتم تدقيقها ومراجعتها من قبل الجانب الفلسطيني، وأن عدد الحالات التي تحول سنوياً للعلاج في إسرائيل تقارب 12000 حالة مرضية.
وفي الوقت الذي تتفق فيه الجهات الرسمية وغير الرسمية حول قرار توطين الخدمة الطبية، ووقف تحويل العلاج للخارج، لما له من أهمية ذكرت أعلاه؛ يتساءل البعض: ما هي البدائل بعد وقف تحويل العلاج إلى إسرائيل؟ وهل نحن جاهزون لتوطين الخدمة الصحية؟.
قرار رسمي بوقف التحويلات
يعلل وكيل وزارة الصحة الفلسطينية د. أسعد رملاوي اتخاذهم لهذا القرار، أن هناك قرارا رسميا فلسطينيا من قبل المستوى السياسي بوقف التحويلات الطبية إلى إسرائيل، وبالتالي كان عليهم الالتزام بهذا القرار.
وأضاف رملاوي في حوار مع "الحدث"، أن أحد بنود الاستراتيجية الوطنية التي أقرت من قبل الحكومة الفلسطينية، ينص على توطين الخدمة الصحية في فلسطين، وتقليل التحويلات الطبية قدر الإمكان.
وفي السياق يقول رئيس اتحاد المستشفيات الفلسطينية الخاصة والأهلية د. ياسر أبو صفية، إن شعار توطين الخدمة هو شعار رفعه الرئيس محمود عباس منذ العام 2016، ولكن بعد حجز إسرائيل للأموال الفلسطينية كان لابد من اتخاذ موقف.
ويرى أبو صفية، أن هذا الموقف هو موقف وطني سيادي يتفق معه، مؤكداً "لا يعقل أن كمية كبيرة من الهدر المالي تذهب إلى العلاجات الصحية في إسرائيل".
وذكر د. ياسر أبو صفية، أن عملية العلاج إذا كانت تكلف 5000 شيقل في فلسطين، في إسرائيل تكون 50000 شيقل، ولا يكون هناك تدقيق على هذه الفواتير، ولهذا السبب تجد الفاتورة مرتفعة وكميات الأموال التي تقتطع من المقاصة للصحة عالية جداً، رغم أن الأرقام التي تحول لا تتجاوز 12000 مواطن سنوياً.
انعكاسات القرار من الناحية الاقتصادية
يشير وكيل وزارة الصحة د. أسعد رملاوي إلى أن هذا القرار سوف يوفر عليهم من الناحية المادية، لأن الأموال التي تحول إلى إسرائيل سنوياً من القطاع الصحي تقدر بمئة مليون دولار، منها أموال تخصم من المقاصة بطريقة غير شرعية وغير قانونية مثل علاج حوادث الطرق، والشجارات التي تقع في الداخل، وعلاج الأشخاص المتزوجين من حملة الهوية الإسرائيلية، وحوادث العمال غير المسجلين.
وأكد رملاوي، أن قرار وقف التحويلات وتوطين الخدمة الصحية، حتى لو لم يوفر الأموال، إلا أنه يبقي هذه الأموال في داخل فلسطين، وبالتالي تكون هناك حركة للمال في داخل فلسطين، ويتم الاستفادة منها، وتنعكس على المستوى الاقتصادي، لأننا عندما نتحدث عن توطين الخدمة نتحدث عن توطينها فلسطينياً سواء في المستشفيات الرسمية أو الخاصة والأهلية.
هل نحن جاهزون لتوطين الخدمة؟
تبدو أسباب الحكومة الفلسطينية بوقف التحويلات إلى إسرائيل من الناحية المادية والسياسية مقنعة، ولكن هل المستشفيات الفلسطينية جاهزة لتوطين الخدمة وتحقق الاكتفاء، بدلاً من التحويل للخارج؟
يرد أسعد رملاوي على ذلك أنهم بدأوا منذ العام 2017 باستقطاب الكوادر الطبية الفلسطينية من الخارج، وقاموا بافتتاح أقسام كبيرة منها لجراحة قلب الأطفال، ولجراحة الكلى، ولجراحة الأعصاب، وعلاج الحروق.
وأضاف رملاوي لـ"الحدث"، أنه في هذا العام سوف يجهز قسم للقسطرة وجراحة القلب في الخليل، وقسم للقسطرة وآخر لجراحة القلب في جنين، وافتتاح مستشفى العيون في ترمسعيا، والعمل يجري على استكمال مستشفى خالد الحسن لعلاج السرطان، عدا أنهم قاموا بإرسال 50 كادراً طبياً إلى الخارج للتعليم والتدريب بتخصصات مختلفة.
وأكد رملاوي أن هذا كله من أجل توطين الخدمة والاستغناء عن التحويلات وتخفيفها قدر الإمكان، لأن لدينا الكفاءة في المستشفيات الحكومية وغير الحكومية، وأيضاً في مستشفيات القدس الفلسطينية، وفيها الكفاءات العالية لمتابعة حتى الحالات المعقدة.
تحويل للخارج ولكن ليس لإسرائيل
لكن وكيل وزارة الصحة أشار إلى أن وفداً طبياً ومالياً من وزارتي المالية والصحة ذهب إلى الأردن، من أجل التعاقد مع بعض المشافي الأردنية لتحويل بعض الحالات.
وأكد أنه إذا كان هناك حالات معينة سوف يتم التعامل مع كل حالة على حدا وإرسالها إلى الأردن، عدا أن بعض الحالات المعقدة مثل زراعة الكبد تم التعاقد من أجل علاجها مع تركيا، وزراعة القلب والرئتين هناك تعاقد مع الهند، وفي غزة هناك تعاقد مع مصر.
على الحكومة تسديد دينها
في سياق متصل، يقول رئيس اتحاد المستشفيات د. ياسر أبو صفية لـ"الحدث"، "نحن نسعى منذ أكثر من عامين من أجل تطوير الخدمات الصحية في القطاع الأهلي والخاص، والحكومة لديها هذا النهج، بحيث نستطيع منافسة دول الجوار".
لكن أبو صفية أشار إلى المعاناة الأكبر للمستشفيات الخاصة والأهلية بالتعاون المالي مع وزارة المالية، قائلاً "أتمنى عندما يتم رفع هذا الشعار (توطين الخدمة)؛ أن يتم تخصيص على الأقل أموال لهذه المستشفيات من قبل ميزانية الدولة، ويتم تسديدها".
وأكد أبو صفية، أن وزارة المالية وعدتهم منذ شهر ديسمبر العام الماضي بدفعات لاتحاد المستشفيات ولكن لم تقم بالدفع.
وأفاد أن الدين المترتب على الحكومة لصالح المستشفيات الخاصة والأهلية متراكم منذ سنتين ونصف، ويبلغ نحو مليار شيقل.
وأكد أبو صفية، أنه لو دفعت هذه الأموال تستطيع المستشفيات المنافسة، ويكون لديها القدرة على تجديد الأجهزة وعمل توسعات وبناء أقسام جديدة، وسد الثغرة في الخدمات الصحية الفلسطينية وتطويرها، والاستغناء عن دول الجوار.
وأردف "المستشفيات الخاصة والأهلية لديها عجز في دفع رواتب الأطباء، ولا بد من تسديد الديون المستحقة على الحكومة لهذه المستشفيات، حتى تستطيع أن تنهض وتسدد ديونها للموردين، وتقوم بتنمية نفسها".