الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات الدولية ... نافذة كانت مغلقة نحو الحقوق

2014-04-14 00:00:00
انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات الدولية ... نافذة كانت مغلقة نحو الحقوق
صورة ارشيفية

رام الله- محمود الفطافطة 

في الوقت الذي واجهت فيه إسرائيل إنضمام دولة فلسطين إلى 18 اتفاقية دولية إضافة إلى بروتوكولين دوليين بمزيدٍ من العقوبات الاقتصادية يصف كثيرٌ من الفلسطينيين هذا الانجاز بالنصر القانوني الكبير وقدرة القيادة الفلسطينية على خلق البدائل في مواجهة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى مقايضة الحقوق الفلسطينية بمجريات التسوية السياسية.

ومع تسلم الرئيس محمود عباس رسالة موقعة من رئيس الاتحاد السويسري يُعلمه فيها أنه تم إيداع صك انضمام دولة فلسطين إلى مواثيق جنيف الأربعة وبروتوكولها الأول وأن دولة فلسطين أصبحت عضواً متعاقداً سامياً في مواثيق جنيف، ومع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، دخول دولة فلسطين إلى المعاهدات الدولية حيز التنفيذ في أيار وتموز القادمين، يُفرض على الفلسطينيين اختبار وتحدي كبيران لمدى قدرتهم على مواءمة الخصوصية الفلسطينية لمتطلبات هذه الاتفاقيات وتهيئة الظروف المناسبة لتطبيق بنودها سيما في ظل وجود هذه “الدولة” تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم أهمية الاتفاقيات الثمانية عشر في واقع حياة الشعب الفلسطيني ومؤسساته الرسمية والأهلية إلا أن معظم المتخصصين في الشؤون القانونية والسياسية والحقوقية يرون أن اتفاقيات جنيف الأربع هي الأبرز والأهم من بين هذه الاتفاقيات لما تمثله من تمكن الفلسطينيين من متابعة وملاحقة ومساءلة الاحتلال الإسرائيلي في المحافل الدولية لارتكابه انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. هذه الإمكانية وإن تضاعفت قدرتها بعد عملية الانضمام إلى هذه المعاهدات، ستبقى قاصرة وضعيفة إن لم تنضم دولة فلسطين نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.

وقبل الدخول في تفاصيل آراء العديد من أصحاب الشأن والاختصاص في هذه الاتفاقيات نعرض، بداية ، أسماء الاتفاقيات التي وقعتها دولة فلسطين، وهي: 

اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الأول الإضافي للاتفاقيات المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي.

اتفاقية لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، واللائحة المتعلق بقوانين وأعراف الحرب البرية.

الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها.

الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

اتفاقية حقوق الطفل.

اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. 

اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.

اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.

اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.

أكد سفير فلسطين في جنيف إبراهيم خريشة للحدث أن الانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية يمثل خطوة كبيرة، ونصراً حقيقياً للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني عموماً، منوهاً إلى أن هذا التوقيع يُؤسس ويُشرع ويُقوي مؤسسات الدولة الفلسطينية ضمن النظام الدولي، كما أنه يُطور من النظام الاجتماعي الفلسطيني والحقوق الوطنية والسياسية والاجتماعية.  وذكر خريشة أن الخطوة الفلسطينية ليست ردة فعل، وإنما حق طبيعي، وأنها تساهم في حماية الحقوق الانسانية والمدنية والسياسية والاقتصادية وسواها.

وقال خريشة إن التوقيع يمثل قراراً استراتيجياً، وليس تكتيكياً فرضه الواقع المستجد للمسيرة السياسية، وأن النية لدى القيادة الفلسطينية تتجه نحو مزيد من الانضمام لأكثر من 63 اتفاقية دولية، وربما يصل العدد إلى 100 اتفاقية مستقبلاً. ويشير خريشة إلى أنه عقب حصول فلسطين على صفة دولة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم استدعائي برفقة سفيرنا في الأمم المتحدة رياض منصور إلى القيادة للتباحث في هذه القضايا وكيفية الاستفادة ووضع الأولويات والقضايا القانونية التي تُمنح كحقوق لمدنيين يقعون تحت الاحتلال.

وذكر خريشة أن فلسطين تعتبر أول دولة عربية تقدم طلب للانضمام للاتفاقيات “بدون تحفظات”، وذلك لأن النظام السياسي الفلسطيني نظام ديمقراطي، وأن لدى المجتمع الفلسطيني قناعة حقيقية ومتينة بالمساواة بين الرجل والمرأة وضمان منحها حقوقها وصونها، فضلاً أن المجتمع الفلسطيني مجتمع متماسك طائفياً وعرقياً ويقوم على أُسس قوية .

 وفيما يتعلق بالتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني، أوضح خريشة أن هذه المؤسسات لها مساهمة ولكن ليست مباشرة، مبيناً أن القرار السياسي له اعتبارات خاصة، وأن الدولة كاطار ونظام سياسي هي التي تقرر. ويبين أنه بعد إعلان الاستقلال وفي العام 1989 قدمنا طلباً لسويسرا للانضمام لبعض الاتفاقيات الخاصة بالحقوق الفلسطينية، إلا أن الطلب رفض تحت حجة أننا لم نصل بعد لمستوى “دولة”.

ويطالب خريشة بضرورة التنسيق المشترك والتعاون الجاد بين كافة مؤسسات المجتمع الفلسطيني بهدف تفعيل مضمون هذه الاتفاقيات لخدمة الصالح العام الفلسطيني، والضغط على اسرائيل لوقف جرائمها وانتهاكاتها المتواصلة بحق الانسان الفلسطيني ومؤسساته.  

عيسى قراقع: اتفاقية مناهضة التعذيب تمنح الطرف الفلسطيني حيزاً لملاحقة ومحاكمة الاحتلال

 وزير شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع وصف للحدث انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات الدولية بالانجاز الكبير، وأن ذلك سيكون له أثر ملموس وواضح في ملاحقة اسرائيل قضائياً أمام المحاكم الدولية على ما تقترفه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.  وأوضح أن هذا الانضمام يلزم الاحتلال الاسرائيلي وقف انتهاكاته بحق الأسرى الفلسطينيين باعتبار أنهم “ أسرى حرب” وفق اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب.

وأكد قراقع أن التوقيع على اتفاقيات جنيف الأربع واتفاقية مناهضة التعذيب يمنح الطرف الفلسطيني حيزاً واسعاً في ملاحقة ومساءلة ومحاكمة الاحتلال الاسرائيلي على ما يقوم به من قتل للفلسطينيين وتعذيب للأسرى الى حد استشهاد أكثر من 250 أسيراً تحت التعذيب منذ العام 1967، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة إلزام المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لمنعها من مواصلة انتهاكها لحقوق الشعب الفلسطيني.   

ورغم أهمية اتفاقية مناهضة التعذيب في مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية إلا أن الوزير قراقع يؤكد أن انضمام فلسطين إلى ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر في المادة 7 منه التعذيب جريمة ضد الإنسانية أمراً مهماً وضرورياً بالنسبة لمسؤولية إسرائيل حول التعذيب، مشيراً إلى أنه في حال انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية، فستكون الفرصة متاحة أن تقدم شكاوى ضد إسرائيل متعلقة بتعذيب مواطنين فلسطينيين إلى تلك المحكمة باعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانية. 

عزمي الشعيبي: اتفاقية مكافحة الفساد تفيد في تحسين سمعة فلسطين كدولة مؤسسات ذات شفافية

يقول المفوض العام للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة د. عزمي الشعيبي للحدث أن الانضمام الفلسطيني إلى الاتفاقيات الدولية ومن ضمنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، يمثل تطوراً هاماً ولافتاً في الحراك الدبلوماسي والقانوني للجانب الفلسطيني، مشيراً إلى أن العامل السياسي والأخلاقي يتطلبان من الشعب الفلسطيني وقيادته الانضمام والتوقيع على هذه الاتفاقيات الدولية سيما في ظل اختلال ميزان القوى مع الاحتلال الإسرائيلي، مطالباً كافة الاطراف مراجعة الاتفاقيات وأحكامها من حيث “الالتزامات والواجبات والحقوق”.

ويذكر د. الشعيبي أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تفيد في تقوية الموقف الفلسطيني من خلال تلقي المساعدة التقنية والتدريب والمعلومات من الدول والمنظمات الإقليمية الأطراف في الاتفاقية التي يبلغ عددها حاليا 170. كما تفيد في تحسين سمعة فلسطين كدولة مؤسسات ذات شفافية، مما يؤدي بدوره إلى تقوية سيادة القانون والمؤسسات الرسمية التي تشكل سلطات الدولة.

وأضاف: “أعتقد أن المجتمع الدولي عموماً متضامن مع الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه ومشاركته في المواثيق الدولية التي تضمن له حقوقه وتصون موارده، مشدداً في الإطار ذاته على ضرورة تكتل المجتمع الدولي في ملاحقة ومحاكمة إسرائيل لجرائمها ضد الفلسطينيين. ويرى الشعيبي أن أحد أهم العوامل المسببة للفساد في الأراضي الفلسطينية هي إسرائيل التي تتذرع بسببه في عدم الالتزام بالاتفاقيات، والادعاء بأن الجانب الفلسطيني ليس بشريك في التفاوض لأنه يفتقد للثقة والشفافية في التعامل. ويوضح إنه لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال أن يكون التوجه نحو الانضمام والتوقيع على هذه الاتفاقيات من منطلق ردود فعل إزاء تعثر المفاوضات، مؤكداً أنه لا يمكن “أن نُبتز في حقوقنا أو مقايضة قضايانا مقابل المساومات السياسية أو التعثر في مسيرة التفاوض”.

ويبين الشعيبي أنه في ظل حكومة أحمد قريع في عام 2005 قُدم طلب رسمي بالانضمام الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد مع التأكيد على أن الطرف الفلسطيني مستعد من طرفٍ واحد للالتزام بها، لكن هذا الطلب لم يُقبل لعدم اعتبار فلسطين دولة حينذاك. ويذكر أن الاتفاقية قد تساعد فلسطين في تسلم المسؤولين الحكوميين الذي يسرقون المال العام ويهربون للخارج، وفي استرجاع الأموال الموجودة في البنوك الخارجية، على الأقل في الدول الأطراف في الاتفاقية. ويسرد الشعيبي في هذا الشأن حادثة المتهمين بقضية تزوير جمارك السيارات الذين هربوا إلى اسرائيل، حيث أنه من خلال هذه الاتفاقية فإن إسرائيل مجبرة على تسليم مثل هؤلاء للقضاء الفلسطيني.

ويرى أن التوقيع على هذه الاتفاقيات يجعل من موضوع الارادة السياسية أمام امتحان جدي لأن الآليات الدولية لمراقبة واقع الشفافية والمساءلة في فلسطين تتطلب من دولة فلسطين توفير وتنفيذ الخطوات والاجراءات والتدابير المتعلقة بقضايا الشفافية والمساءلة.

وبخصوص إمكانية التوقيع على اتفاقيات أخرى ذات صلة بمحاربة الفساد طالب د. الشعيبي بضرورة الاسراع في الانضمام والتوقيع على اتفاقيات مثل تسليم المجرمين وتبادل المعلومات بشأن انتقال الأموال وجرائم غسيل الأموال سيما وأن إسرائيل تعتبر الضفة الغربية الساحة الخلفية لها في ممارسة هذه الجريمة حتى أن الاتهامات طالت أكبر حاخامين فيها.

شعوان جبارين: هذه الخطوة تفتح نوافذ كانت مغلقة بحجة أن فلسطين ليست دولة

يقول مدير عام مؤسسة الحق شعوان جبارين للحدث إن الانضام والتوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية خطوة نوعية وتاريخية، تمثل تقدماً كبيراً في الجهود القانونية والسياسية والحقوقية، منوهاً إلى أن هذه الخطوة تفتح مجالاً لبعض النوافذ التي كانت مُغلقة تحت حجة أن فلسطين ليست دولة لا سيما تهرب بعض المؤسسات الدولية من الاهتمام والتعاطي مع حقوق الانسان الفلسطيني.

 ويضيف “إن التوقيع على الاتفاقيات أو عدمه لا يُسقط مسؤوليات إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، حيث أنه لا يمكن لها التهرب من سلطتها كسلطة احتلال، موضحاً أن هذه الاتفاقيات يترتب عليها مسؤليات وواجبات من أجل تدعيم حقوق الإنسان في فلسطين”.

ويوضح جبارين “لا يوجد لدينا تحفظات على هذه الاتفاقيات، حيث نباركها مع ايماننا المطلق بأن الأهمية والمضمون يكمن في التطبيق والالتزام، مؤكداً في الاطار ذاته على أن الانضمام لهذه الاتفاقيات وغيرها يجب أن ينطلق من حقنا الأصيل ومن استراتيجية مرتكزة على الحقوق لا أن يكون مطلباً لردات فعل ناجمة عن مساومات سياسية أو بسبب تعثر في المفاوضات. ويؤكد جبارين أن الانضمام يعزز الحقوق الفلسطينية بالمعيار السياسي كدولة ومؤسسات ومواثيق حقوقية مقللاً في الوقت ذاته من جدوى التوقيع على الاتفاقيات دون الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، معتبراً ذلك مجرد “شيك دون سند”.

 وطالب جبارين بضرورة القيام بورشات عمل فاعلة ومتواصلة لتهيئة البيئة المجتمعية لاستيعاب آثار عملية التوقيع  والتطورات التي ستترتب عليها، متابعاً بالقول “لا نريد أن يكون التوقيع مجرد “مكياج أو ديكور”، بل نريده أن يلامس الواقع ويجد حلولاً لكثير من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في فلسطين”. وبخصوص مدى تشاور القيادة الفلسطينية مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية في التوجه إلى الانضمام للاتفاقيات الدولية بين جبارين أنه “لم تحدث مشاورات بشأن ذلك لكن يوجد حوار حول كيفية توظيف هذا التوقيع والاستفادة من مضمون هذه الاتفاقيات.

وإلى ذلك؛ ذكر جبارين أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية ستناقش في يومي 24 و25 من الشهر الجاري في لجنة حقوقية للامم المتحدة موضوع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومكانتهم القانونية كأسرى حرب في القانون الدولي الإنساني والترتيبات لمثل ذلك.

عمر رحال: الانضمام يفرض على فلسطين تقديم تقارير دورية عن حالة حقوق الإنسان

مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” د. عمر رحال قال للحدث إن الانضمام للاتفاقيات الدولية خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي مهمة، ومن شأنها تعزيز الحقوق المختلفة للانسان الفلسطيني سيما وأن فلسطين دولة بصفة مراقب في الامم المتحدة. هذا الانضمام يتطلب أو يفرض على دولة فلسطين تقديم “تقارير دورية” عن حالة فلسطين في حقوق الانسان في فلسطين إلى مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ذات العلاقة.

ويضيف “التوقيع والانضمام لتلك الاتفاقيات الدولية خطوة أولى يجب أن تبتعها مجموعة خطوات، منوهاً إلى أن انضمام فلسطين الى هذه الاتفاقيات يتطلب منها مواءمة تشريعاتها المحلية مع الاتفاقيات الدولية، مع ابقاء الالتزام بالمحافظة على الخصوصية الفلسطينية خاصة التي لها علاقة بالشريعة الاسلامية.” ويبين رحال أن الانضمام يتطلب الغاء بعض التشريعات او اقتراح تشريعات اخرى بهدف ملاءمة ذلك مع التشريعات الدولية ومستجدات الواقع. 

ويؤكد أن انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية مناهضة التعذيب على سبيل المثال يتطلب من السلطة ان تقدم كل من يثبت عليه جريمة تعذيب من مسؤولي السلطة الى المحاكم المحلية ، منوهاً في السياق ذاته إلى أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وبخصوص مدى تعامل مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية مع الاتفاقيات الموقعة يبين رحال أن لدى هذه المؤسسات الكفاءات والخبرات لاقتراح مسودات قوانين وتشريعات تقدمية تحترم حقوق الانسان، فضلاً عن قدرتها بمراجعة ما هو قائم من القوانين الفلسطينية، إلى جانب أهمية مشاركتها في اللجان التي تشكلها السلطة لاقتراح وسن تشريعات تعالج قضايا فلسطينية مختلفة.

وأشار رحال إن بإمكان المنظمات غير الحكومة مساعدة السلطة من خلال تقديم الاستشارات والدعم الفني وتدريب الموظفين وتحديدا حول كيفية إعداد التقارير اللازمة للجان الأمم المتحدة للتأكد من التزامها بأحكام الاتفاقيات ودقة معلوماتها، إلى جانب مسؤوليات المنظمات في إعداد ما يعرف بـ”تقارير الظل”. ورغم اعتباره الانضمام لاتفاقية مناهضة التعذيب لحظة هامة في تاريخ الفلسطينيين الحقوقي والقانوني فإنه يؤكد أن الخطوة تضع التزامات جدية على السلطة الوطنية تتيح للأفراد تقديم شكاواهم ضدها في حالة تعرضهم للتعذيب وعدم إنصافهم من قبل القضاء واستنفاذ وسائل التظلم المحلية.

ساما عويضة: المهم هو تطبيق روح نصوص هذه الاتفاقيات لا أن تبقى مجرد اعلانات وشعارات لا تلامس الواقع

مديرة مركز الدراسات النسوية ساما عويضة قالت للحدث إن التوقيع على الاتفاقيات الدولية ومن ضمنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة يمثل خطوة هامة نحو صون حقوق المرأة الفلسطينية، مستدركة في الوقت ذاته “أن المهم والتحدي هو تطبيق روح نصوص هذه الاتفاقيات لا أن تبقى مجرد اعلانات وشعارات لا تلامس الواقع” .

وأضافت: “قبل ثلاث سنوات أعلن الرئيس عن ضرورة التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وهذا ما أسعدنا إلا أن تلك السعادة لم تطول بسبب بقائها في خانة الاعلان والتصريح فقط”. وتذكر عويضة أن أهم ما في الانضمام إلى اتفاقية سيداو هو “عدم التحفظ على أي بند فيها”، موضحة أن المؤسسات النسوية رأت في عدم التحفظ نصراً  كبيراً خاصة وأن البعض يرى أن هناك مواداً في الاتفاقية تتناقض مع مبادئ وأحكام الشريعة الاسلامية سيما المتعلقة بالمادة السادسة عشر والمتضمنة حقوقاً أساسية للمرأة كالولاية، والحضانة، وحرية التصرف في الأملاك، فضلاً عن المادة المختصة بالحقوق السياسية للمرأة كمنح الجنسية لزوجها أو ابنها ، وسواها من الحقوق الأصيلة.

إلى ذلك؛ ترى عويضة أن التوقيع على الاتفاقية جاء متأخراً ولم يكن منطلقاً من قناعات لدى القيادة الفلسطينية بل جاء كرد فعل لتعثر المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي. وتؤكد على ضرورة وأهمية متابعة تنفيذ هذه الاتفاقية من خلال تشكيل فريق وطني يضم الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني وكافة الأطياف ذات العلاقة من أجل تهيئة الظروف المناسبة لمواءمة هذه الاتفاقية مع الخصوصية الفلسطينية وتطبيقها ضماناً لحماية حقوق النساء الفلسطينيات.

 وبخصوص تنسيق السلطة مع المؤسسات النسوية بشأن التوقيع على الاتفاقية ذكرت عويضة أنه لم يتم التنسيق معها ولكن جرى تنسيق بخصوص مشروع قانون العقوبات الفلسطيني وذلك من خلال استشارة البعض، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة أن يكون لدى القائمين على السياسات الوطنية الارادة الصادقة والعملية لتطبيق القوانين والتشريعات الخاصة بحقوق المرأة. في هذا الخصوص تستذكر عويضة النقاشات والورشات الطويلة بشأن مسودة قانون العقوبات الفلسطيني، حيث تبين أنه بعد مشاركة طيف واسع من المجتمع بهذه النقاشات واستشارة خبراء في مصر والاتحاد الاوروبي إلا ان المسودة ما زالت حبر على ورق.

وتذكر أننا لا نريد مسكنات أو ترحيل قضايا، كما لا نريد اعلانات وشعارات نظرية، اننا نريد خطوات عملية، كما نريد تشكيل لجنة جادة وفعالة لمواءمة اتفاقية “ سيداو” . كذلك أكدت على أهمية التوقيع على البروتوكول الخاص باتفاقية سيداو لعام 1999 مع ضرورة أن يكون التوقيع عليه اجبارياً لا اختيارياً.

 وحول الاتفاقيات الأخرى التي ينبغي الانضمام لها لتعزيز حقوق المرأة الفلسطينية وضمان مشاركتها في مختلف نواحي الحياة وفي صناعة القرار ذكرت عويضة أن ما هو ناقص يندرج في مصفوفة الاعلانات كاعلان مناهضة العنف ضد المرأة خاصة وأن سيداو لا تعالج مسألة العنف ضد المرأة، إلى جانب العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 الخاص بالمرأة والأمن والسلام وتفعيله.

معتز قفيشة: الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية سيأتي بإسرائيل صاغرة 

أستاذ القانون الدولي في جامعة الخليل د. معتز قفيشة أكد للحدث أن لهذه الاتفاقيات أهمية قانونية بالغة الأثر ستكشف عنها الممارسة العملية خلال السنوات القادمة، موضحاً أن بعض هذه الاتفاقيات يُلقي التزامات قانونية على إسرائيل، وبعضها على دولة فلسطين، وأن بعضها كانت ملزمة في السابق ولم تأت بجديد، سوى أنها أصبحت لها صفة رسمية. 

ويذكر د. قفيشة أن هناك مئات الاتفاقيات الدولية الجماعية الأخرى التي يمكن لفلسطين الانضمام إليها، مبيناً أن أهم الاتفاقيات لمواجهة إسرائيل على الإطلاق هي ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، الذي سيأتي إن أحسن استخدامه بإسرائيل صاغرة، وكذلك النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ويضيف “كما أن لاتفاقية قانون البحار لعام 1982 أهمية قانونية خاصة في السياق الفلسطيني نظرا لأنها تؤمن السيطرة السياسية والاقتصادية على أكثر من 370 كيلومتر من شاطئ قطاع غزة وهو ما سيضاعف مساحة فلسطين. كما أن الانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة أصبح متاحا الآن، مثل منظمة الصحة العالمية، منظمة التجارة العالمية، منظمة العمل الدولية”.

 ويرى استاذ القانون الدولي أن الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري بالغة الأهمية لفلسطين. ويضيف “ إنه ومع تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية في العام 1973 كرد فعل على الفصل العنصري الذي كانت تمارسه حكومة جنوب أفريقيا ضد المواطنين السود؛ إلا أن ما تقوم به إسرائيل في دولة فلسطين المحتلة يكاد أن يكون متطابقا، بل أن بعض مظاهره أسوأ، من نظام الفصل العنصري الذي كان معمولا به في جنوب أفريقيا منذ عام 1948 وحتى 1990”.

إما اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية فهي أخطر من الفصل العنصري كما يذكر د. قفيشة، وأنها تأتي دائما كنتيجة للعنصرية ويقصد بها قيام المحتل بمحي شعب، أو محاولة محي شعبا آخراً لأنه يعتقد أنه أفضل منه. ويبين الخبير القانوني قفيشة “أنه بالرغم من وجود خلاف فقهي وسياسي حول كون ما تقوم به إسرائيل في فلسطين يشكل إبادة أم لا، إلا أن الاتفاقية قد تفيدنا كفلسطينيين في أمرين: الأول، قد تكون الاتفاقية رادعا لإسرائيل بأن تتردد في أن تقدم على أعمال قد تعتبر من قبيل الإبادة كالقتل المنهجي الواسع النطاق والتحريض على الإبادة، كما يفعل بعض الساسة في إسرائيل وزعماء المستوطنين وكبار رجال الدين المتطرفين. أما الأمر الثاني فيتمثل (وفق قفيشة) في بعض الأعمال التي تقوم بها إسرائيل كتعمد إحداث أذى مادي أو نفسي ضد مجموعة من عرقية أو وطنية أو دينية، قد تنطبق عليها أحكام الإبادة.  في هذا الخصوص يوضح قفيشة أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، مثلا، من حصار ومنع الغذاء والماء والكهرباء بهدف تدمير السكان نفسيا وماديا وجبرهم على الاستسلام، قد يصل إلى حد الإبادة الجماعية.

ويطالب د. قفيشة بضرورة متابعة الاتفاقيات التي وقع عليها الفلسطينيين مع المؤسسات الدولية، إلى جانب فتح نقاش جدي ومتواصل في الساحة الفلسطينية ، بمشاركة كافة الجهات والأطياف، للوصول إلى قواعد مشتركة لتوظيف هذا التوقيع لخدمة كافة القطاعات والقضايا الفلسطينية المختلفة.