الخميس  07 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صناعة المجاعة وهندسة الفوضى في غزة| د. هاني العقاد

2025-08-07 01:51:14 PM
صناعة المجاعة وهندسة الفوضى في غزة| د. هاني العقاد

منذ خمسة شهور أي بعد ان انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار وتخلصت من اتفاق الثلاثة مراحل الذي توصل اليه الوسطاء بين إسرائيل وحماس والذي قوضته اسرائيل وعادت الي الحرب تحت مسمي عمليات "عربة جدعون" التي تستهدف مدينة خانيونس وتسحق مبانيها وتدمر ما تبقي فيها من معالم حياة لم تدمر خلال العلميات السابقة، منذ ذلك الوقت اتخذ نتنياهو والكابينت الإسرائيلي قرار بفرض اغلاق شامل على كافة المعابر المؤدية الي قطاع غزة كجزء من الحرب في غزة ولم يسمح لاي بضائع بالدخول الى قطاع غزة كما ومنع دخول المساعدات الغذائية والدوائية التي تحتاجها المستشفيات من الدخول وبالتالي اطعام المدنيين الفلسطينيين ولم تسمح حتي بدخول حليب الأطفال الخاص بإطعام الحالات الخاصة من الرضع ولم تسمح بدخول مختلف العلاجات لأصحاب الامراض المزمنة في اقسي واشد حصار منذ العام 1967 ما يعني ان اسرائيل صنعت المجاعة في غزة بتخطيط ووعي وادراك للهدف  من وراء  استخدام هذا السلاح المحرم دوليا والذي تمنع كافة الاتفاقيات والقوانين الدول اثناء الحرب واعتبرت تلك القوانين والمواثيق ان استخدام الطعام التجويع يمثل جريمة ومن جرائم الحرب.

بدأ الجوع يضرب قطاعات مختلفة من السكان الفلسطينيين وخاصة النازحون في المواصي والخيام لانعدام أي شكل من اشكال المساعدات وتوقف جهات او منظمات توزيع الطعام على المدنيين بما فيها التكايا عن العمل ولم تعد تطبخ الطعام لنفاذ كميات المواد الغذائية التي تستخدم في صناعة الطعام، اشتدت الازمة بعد أربعة شهور تقريبا من اغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات والطعام وهذا صاحبه ارتفاع أسعار المواد الغذائية المطروحة في بعض الأسواق والتي كانت مخزنة لدي بعض التجار لتصل  الي اكثر من 4000%  ما يعني ان فئة قليلة جدا هي التي تستطيع الحصول عليها لان الغالبية العظمي من المواطنين بلا عمل وبلا أي مصدر مالي حتي ان موظفي السلطة الفلسطينية الذين يتلقوا رواتبهم لا يستطيعوا الحصول على هذه البضائع لانهم لا يستطيعوا سحب أي مبالغ من البنوك لانعدام السيولة النقدية ومنع الاحتلال دخول الأموال للبنوك , واذا حاولوا عن طريق مكاتب الصرافة فان تلك المكاتب تطلب عمولة تصل لأكثر من 45 % وهذا يمنع الكثيرين من التعامل الربوي المحرم.

نفذ الدقيق من المخابز واغلقت كافة المخابز أبوابها ولم يعد برنامج الغذاء العالمي و لا المطبخ المركزي ولا  CHFيستطيعوا  توفير أي كميات من الدقيق وغاز الطهي للعمل وبات المواطن الذي كان يعتمد على هذه  المخابز لا يجد الخبز كما ولا يجد الدقيق الذي ارتفع ثمنه في الأسواق المحلية, اصبحت امعاء الأطفال خاوية وصرخاتهم تعلوا كل صباح طالبين كسرة خبز دون ان يجدوها ,  مستوي الوفيات بسبب هذه المجاعة بدأ  في الارتفاع وقد وصل الي مستوي غير مسبوق واصبح لدينا ما بين 12 الي 18 وفاة كل صباح منهم أطفال وكبار السن , بدت علامات المجاعة تظهر على أجساد الناس الذين بدا يتساقطون في الشوارع بسبب قلة الطعام وانعدام الخبز وهو المعتمد الرئيس في الغذاء لدي سكان غزة لانهم يتناولونه بقليل من( الدقة ) او الشاي ليس ليشبعوا بل ليسد رمقهم من الجوع والم الأمعاء. بدأت صور المجاعة  تصل العالم خرجت الشعوب في كافة العواصم الاوربية والغربية يطرقوا الاواني ويبكون ويطالبوا بصوت عال الحكومات الضغط على اسرائيل  لإدخال الطعام وكسر حدة المجاعة وانقاذ الأطفال, خرج الأوروبيين في شوارع لندن وباريس ولكسمبورغ وبرلين ومدريد وروما وكوبن هاغن وطوكيو وسيدني وستوكهولم وكندا واثينا ونيويورك و واشنطن والعديد من الولايات الامريكية واخذ الصوت يعلوا كل يوم , كل ما كان يصل العالم من صور للمجاعة اصبح مفزعا وقلب موازين العالم كلة حتي ان أبواب السفارات الامريكية والإسرائيلية بالعالم اغلقها المتظاهرون بالجنازير. خرج ترمب بتصريح يقول "انه لا يوجد مجاعة في غزة لكن الناس لا يتغذون جيدا أي لا يأكلوا جيدا " وانكرت اسرائيل على لسان نتنياهو حدوث المجاعة في القطاع ما ذات الطين بله وتواصل غضب العالم وانتشر الغضب في كل ارجاء الدنيا، واشنطن شعرت ان وجهها أصبح قبيحا لأنها تساند إسرائيل وتصدق ما تقوله إسرائيل لذا خرج ترمب من جديد وقال "ان هناك جوع في غزة وطالب اسرائيل بضرورة ادخال الطعام فورا للقطاع". 

اوفد ترمب مستشارة للشؤون الشرق الأوسط السيد (ستيف ويتكوف) الي تل ابيب وغزة لتقييم عمل مؤسسة غزة الإنسانية في القطاع ودورها في توزيع المساعدات على الفلسطينيين والتي اقترنت بالموت أي بالقتل حيث قتل منذ ان فتحت المؤسسة أبوابها امام الغزيين في الأول من مايو اكثر من الف شهيد فقط عند نقاط توزيع المساعدات , وصل ويتكوف تل ابيب يوم الجمعة في الأول من أغسطس 2025 وابلغ نتنياهو عدة رسائل ساخنة من ترمب أهمها بان استمرار منع الطعام وإعاقة دخلوا المساعدات للقطاع واستمرار المجاعة سياتي بردود فعل سلبية تجاه إسرائيل وأمريكا من الراي العالم العالمي  وطالبه فورا بالموافقة على ادخال الطعام للفلسطينيين في غزة فاعلن الجيش الإسرائيلي مساء الجمعة ويوم السبت 2 أغسطس بانه سيقوم بأنزال جوي  لطرود غذائية من الجو في أوقات المساء في مناطق القطاع خاصة دير البلح  والناطق الوسطي واعلن انه سيسمح لمصر بإدخال عشرات الشاحنات في اليوم من معبر رفح أي من الجانب المصري دون ان يلتزم بذلك بحمايتها او تمكن الهيئات والمؤسسات الاجنبية من تولي حمايتها واستلامها. في ذات المساء خرج ترمب بتصريح "ان ادارته تعمل على بلورة خطة لتوزيع المساعدات وزيادة عدد مراكز التوزيع في القطاع وإدخال المزيد من الشاحنات" واعترف لأول مرة انه يشعر بقلق بالغ من التقارير الواردة عن المجاعة في غزة واكد "ان سكان غزة من حقهم ان يحصلوا على الطعام والحياة الكريمة", لا يبدوا هذا تغير في موقف ترمب لكنه امتصاص للغضب في الشارع الأمريكي والشارع الأوروبي من امريكا وإسرائيل على السواء وفي ذات الوقت كسب الراي العام الدولي والشعبي.

في اليوم التالي فتحت إسرائيل المعابر جزئيا وسمحت لبعض شاحنات الدقيق بالدخول والمرور من مناطق داخل خانيونس بالقرب من محور موراج وبالشمال من محور وزكيم والوسط من محور كوسوفيم وهرع المواطنين للحصول على الدقيق من تلك الشاحنات تحت وطات وقسوة جوع أطفالهم وقد اختارت إسرائيل مرور هذه الشاحنات من امام القوات الإسرائيلية ومن بين الدبابات. لم يكترث المواطنين امام الجوع واماك العودة بشوال دقيق لأطفالهم الذين لم يأكلوا الخبز منذ أسابيع وبالتالي الاستيلاء عليها، اختلط الجائع بالتاجر واختلطت الدم بالدقيق ونشبت صراعات دامية نتيجة للفوضى في تلك الأماكن إسرائيل تطلق الرصاص والقذائف وتقتل والمواطنين يقتلوا بعضهم البعض بالسلاح الأبيض فمات المئات من جديد من قتل برصاص الاحتلال ومن قتل دهسا تحت عجلات الشاحنات وهو يحاول الحصول على كيس دقيق ومن قتل من قبل قطاع طرق وهو عائد بالطحين لأولاده. نقل النشطاء ووكالات الانباء مشاهد قاسية للعالم بالصوت والصورة وأصبح المحتوي الفلسطيني هو الطاغي على الرواية الإسرائيلية الامريكية الذي أدرك ان إسرائيل هي من صنعت المجاعة وهندسة الفوضى والقتل بالشارع الفلسطيني وبالتالي لا تسعي إسرائيل لحل ازمة المجاعة بل للحد منها بطريقة خبيثة تنشر من خلالها الفوضى والقتل والرعب والتشبيح في المجتمع الغزي وفي زات الوقت تفتح مجالا لقواتها الخاصة من الدخول الي المناطق المكتظة بالسكان للقيام بمهمات سرية. سمحت إسرائيل لبعض الدول بالقيام بأنزال جوي للمساعدات في أماكن محددة خصصها الجيش الإسرائيلي للطائرات لأسقاط الصناديق بالبرشوتات , الا ان هذا لم يحد من الازمة لان عدد الطائرات اليومي لا يتجاوز حمولة بضع شاحنات وهو بالأساس عمل له علاقة بالبروبوغندا أكثر منه الحد من المجاعة فان الكثير من الصناديق باتت تسقط في الأماكن التي يتواجد فيها جيش الاحتلال داخل القطاع ولا يستطيع السكان الفلسطينيين الوصول اليها لان وصولهم اليها يعني موتهم وإطلاق النار عليهم من قبل الدبابات الإسرائيلية.

سياسة صناعة التجويع وهندسة الفوضى استراتيجية إسرائيلية لإدخال القطاع في عصور الظلام، لذا فانا اعتقد ان المجاعة لن تنتهي خلال فترة قصيرة فأنها تحتاج الي جهد منظم لتوزيع المساعدات بعدالة وحيادية على المواطنين الغزيين وهذا قد لا يتوفر في غياب الجهد المؤسساتي المحلي ومنع الجهات الدولية من الاشراف على هذه العملية وبالتالي نتوقع ان تستمر الفوضى في القطاع حتى لو تم اغراق القطاع بالمساعدات والبضائع الخاصة بالقطاع الخاص. لعل إسرائيل قد تعتقد ان هندسة الفوضى يمكن ان يساعدها في اخراج حماس من الحكم لكن هذا قد يجعل من القطاع غابة ليس اكثر والفوضى من شانها ان تخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي وان كانت إسرائيل تهدف من وراء هذا إيجاد بدائل لحكم حماس فهي مخطئة لان البديل  الشعبية لحكم حماس  تحتاج الي قرار وطني يأتي بالتوافق مع العديد من الدول العربية أهمها مصر والأردن والامارات والسلطة الفلسطينية على ان تسارع هذه الدول بإيجاد لجنة الاسناد المجتمعي التي ستتولى إدارة قطاع غزة وفرض حالة إيجابية من الامن تحقق الاستقرار وتهيء للتعافي المبكر للسكان.