الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أصلانية الفلسطينيين

2019-07-09 09:32:13 AM
أصلانية الفلسطينيين

تقرير ليس بجديد، ولكن إعادة نشره في هذا التوقيت تحديداً على غالبية المواقع الأمريكية والإماراتية يثير الشك، وتناوله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في تصريحات له أمس الاثنين، يدفع الى التساؤل: لماذا جرى إعادة نشر تقرير إسرائيلي يزعم أن الفلسطينيين هم من أصول أوروبية؟

الخبر الإسرائيلي القديم الذي جدده نتنياهو ومواقع إخبارية مشبوهة يقول إن هياكل عظمية عُثر عليها في أقدم مقبرة للفلسطينيين في عسقلان، عام 2016، كشفت من خلال تحليل الحمض النووي لهذه الهياكل أن الفلسطينيون القدماء جاؤوا من جنوب أوروبا إلى الشرق الأوسط قبل أكثر من 3000 عام.

وادعى دانيال ماستر مدير بعثة ليون ليفي إلى عسقلان ، "أظهرت دراستنا أن الفلسطينيين القدماء هاجروا إلى هذه المنطقة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وهذا يُكشف عنه لأول مرة في التاريخ".

وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرت مؤخراً، في دورية "ساينس أدفانسيز" ثلاث مراحل هي ما قبل الهجرة والهجرة ثم اختفاء البصمة الوراثية تدريجياً لدى الناس على مدى 200 عاماً لاحقة.

وأضافت ميشال فيلدمان، المختصة في علم الوراثة  "الأجداد هنا منشأهم أوروبا وحتى نكون أكثر تحديدا، من جنوب أوروبا. وبالتالي فإن أسلاف الفلسطينيين القدماء مروا بالتأكيد عبر البحر المتوسط ووصلوا إلى عسقلان في وقت ما بين نهاية العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي".  هذا على حد تعبير التقرير.

وإذا أردنا البحث أعمق عن ماهية الهياكل العظمية التي عثر عليها الاحتلال واراد من خلالها الغاء أصلانيتنا، فإن نظرية أكثر قُرباً للواقع، تدلل على أن هذه الهياكل لا تعود الى الفلسطينيين تحديداً، إنما قد تعود الى القبائل التي جاءت وسكنت الساحل في تلك الفترة واختلطت بالفلسطينيين أصحاب الأرض، والمؤرخون والعلماء يطلقون عليهم "فلستينيين" للتفرقة بينهم وبين الفلسطينيين، ونجد أن الكتابات الإنجليزية التي تناولت تاريخ هجرتهم واستقرارهم في الساحل تشير اليهم بمصطلحPhilistines  أما نحن فبالانجليزية Palestinians.

وبقي اسم فلسطين –الذي تشير بعض الدراسات أنه روماني التسمية- يطلق على هذه الأرض سواء لدى العرب أو الأوروبيين وغيرهم من شعوب العالم، ونحن نسمى فلسطينيين نسبة إلى الأرض والقبائل الأصلانيين فيها، وليس لتلك القبائل المهاجرة.

 ولا يوفر الاحتلال جهداً في محاولة تزوير التاريخ في سبيل تأصيل استعماره في المنطقة وإظهار أحقيته في الأرض الفلسطينية، ولكن صحيفة "هآرتس" العبرية نشرت قبل نحو عامين دراسة حديثة لوثائق عمرها أكثر من 3200 عام، وترجمتها "الحدث" عن أصول الفلسطينيين، حيث أشارت الى أن الوثائق تعود لعهد رمسيس الثالث، وتؤكد أن الفلسطينيين ليسوا من المتحاربين الأجانب القدامى الذين هاجروا إلى الشرق الأوسط من تكريت وغيرها من المناطق، بل هم من أبناء الشرق الأوسط الأصليين.

وكانت الدراسة أجرت بحثاً في السجلات المصرية القديمة من القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لتسليط الضوء على أمور ظلت محل نقاش منذ عقود، ومن ضمنها أصل الفلسطينيين وغيرهم من "شعوب البحر" التي ظهرت في بلاد الشام خلال العصر البرونزي وما كان يطلق عليهم اسم "فلستينيين". ما يعني أن الفلسطينيين هم السكان الأصليين للأرض، ليسوا من الغزاة القادمين من جزر بحر إيجة. وهذا ما يتعارض مع التقرير الإسرائيلي المزعوم عن أن أصولنا تعود الى جنوب أوروبا.    

ما يعني أن إعادة نشر التقرير القديم الزاعم بأن اصول الفلسطينيين تعود الى جنوب أوروبا، ليس بريئاً وكذلك تناول نتنياهو له، ولكن في المقابل يجب التكثيف من اعداد البحوث والدراسات –رغم توفرها- على أحقيتنا نحن الفلسطينيين الأصلانيين في أرضنا.

كيث وايتلام يتحدث في كتابه "اختلاق اسرائيل القديمة"، أنه تعاقبت على فلسطين عدة حضارات وأن اسرائيل القديمة لم تكن إلا خيطاً رفيعاً في نسيج التاريخ الفلسطيني الغني، فإن خطاب الدراسات التوراتية متورط في عملية تجريد الفلسطينيين من ماضيهم، وذلك من خلال بحث هذه الدراسات المتواصل عن إسرائيل القديمة وتكرارها لعدد من الادعاءات التي تربط الماضي بالحاضر وتجاهلها للمعلومات الأثرية الجديدة التي تعطي صوتاً للتاريخ الفلسطيني. فالمعلومات الأثرية تستجلي المعلومات من البقايا المادية للإنسان، ولأن الشعب الفلسطيني ان موجوداً على أرض فلسطين منذ أقدم العصور لا بد وأن تكشف التنقيبات الأثرية مثل هذه الآثار المادية. وأسفرت هذه الكشوف بالفعل عن جوانب متعددة من التراث الثقافي والروحي الضخم الذي خلفته الشعوب العربية القديمة وبخاصة الكنعانية التي استقرت في فلسطين في مطلع العصر التاريخي. ولكن السلطات اليهودية المهيمنة الآن على الكشف الأثري تعمل على طمس معالم الحضارة العربية.  

إن تصور الماضي وتمثله أمر تكتنفه الصعوبات، ليس لمجرد غموض المعلومات التاريخية وقلّتها، ولكن لإعادة بناء التاريخ. الماضي أو الحاضر سواء أكان مكتوباً أو شفاهياً. هو عمل سياسي بالدرجة الأولى. وكذلك كتابة التاريخ هو عمل سياسي. فإن الاهتمام الهائل بالبحث عن جذور اسرائيل القديمة لاضفاء الشرعية على اسرائيل الحديثة هو الذي يسيطر على الخطاب الالتاريخي، ويسكت البحث عن تاريخ أعم للمنظومة. وهذا ما تقوم به دولة الاحتلال في سبيل ايجاد ما يثبت أصلانيتهم في المنطقة. بينما نكتفي نحن بالرد على الخطاب الإسرائيلي لنفيه لغرض النفي وليس اثبات العكس والصحيح. حيث إن الخطاب الاستعماري ذاته ساهم في تشكيل الخطابات القومية التي نشأت في الأساس لمجابهة الاستعمار.

وكما هو معروف فإن علم الانساب في حالة إعادة نظر مستمرة في مجتمعات عديدة وذلك كي يعكس الحقائق السياسية والاجتماعية للحاضر، بدلاً من أن يكون مجرد تتبع للأصول في خط مستقيم أو علاقات دم تاريخية  وبالطريقة نفسها فإن روايات أخرى بديلة عن الماضي يتم إعادة صنعها باستمرار. وهذا فإن التاريخ يعمل في سياق اجتماعي ما في لحظة ما من الزمان، فالرواية يتم انتاجها في ظروف اجتماعية واقتصادية معينة  بواسطة كتاب بتأثرون بقرائهم وهذا بالتأكيد يؤثر في طريقة الكتابة. وهذا ينطبق على المجتمعات الحديثة كما المجتمعات القديمة.