الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حماس ودحلان .. تقارب أم صدام؟ بقلم: صلاح حميدة

2015-01-12 09:58:44 PM
حماس ودحلان .. تقارب أم صدام؟
بقلم: صلاح حميدة
صورة ارشيفية

الحدث.

 ربما يكون القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الساحة الفلسطينية، فمنذ بروزه على الساحة عندما ترأس جهازاً أمنياً في قطاع غزة وصعوده السريع في سلم المسؤوليات، و ليس انتهاءً بإبعاده قصراً عن دائرة الفعل السياسي والأمني، بينما بقي حضوره الإعلامي والإغاثي والاقتصادي، فللرجل علاقات إشكالية مع غالبية الأطراف الفلسطينية، حَكَمَها عمله الأمني و أدواره السياسية.

برزت تساؤلات كثيرة عن تبدل علاقة الرجل بحركة "حماس" بعد خوضه معها حرباً طاحنة عقب فوزها في الانتخابات عام 2007م، وتساءل الكثيرون عن المستقبل السياسي للرجل في حركته الأم – التي فصلته – وفي الكيان السياسي الفلسطيني، في ظل دعمه من بعض القوى الإقليمية وربما الدولية.

يعتبر تاريخ الرجل من أكثر الحواجز بينه وبين خصومه على الساحة الفلسطينية، ومن يقرأ لائحتي اتهامه من قبل حركتي "فتح" و "حماس" يجدهما متطابقتين بشكل لافت ويثير التساؤل عن استمرار الانقسام حتى اليوم، لأنهما تحملانه صراحة مسؤولية غالبية الجرائم على الساحة الفلسطينية، بل تتهمانه بمحاولة الانقلاب عليهما، بداية على "حماس"، و من ثم على قيادة "فتح"، وقد كان خطاب الرئيس الفلسطيني تجاه دحلان حاسماً وقاطعاً لكل طرق العودة والمصالحة مع الرجل، واتهمه باتهامات كثيرة بدون تلميحات ولا استعارات، وهذا مؤشر على رفض قيادة حركته لأي تقارب أو مصالحة معه، بالرغم من الضغوطات التي قالت مصادر صحافية إن جهات إقليمية تمارسها عليها في هذا الصدد.

من الواضح أنّ دحلان فقد القدرة على المناورة والعمل في البقعة الجغرافية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخسر القدرة على العمل السياسي وعلى التأثير فيهما، وباءت محاولاته لشغل حيز في المخيمات الفلسطينية على الساحة اللبنانية بإنجازات لا تذكر، وبقيت محاولات تبني خطاب شباببي فتحاوي، يتبنى المصالحة مع حركة "حماس" والشراكة في القرار السياسي مع بقية الفصائل عنواناً لخطابه الإعلامي هذه الأيام، ولكن من المعروف أنّ تاريخ الرجل مع خصومه لا يؤسس لثقة متبادلة بينهما، فقد صرح أحد أبرز قادة "حماس" محمود الزهار بأنّهم: "لا يتوضأون بالماء النجس" خاصةً وأنّ الرجل مدعوم من قوى إقليمية يرى غالبية قادة الحركة أنها لن تستريح إلا بإبادتهم أو تغييبهم من المشهد بالكلية، ولهذا نرى أن التعاطي مع هذا الملف من قبل حركة "حماس" و باقي التنظيمات يقع في سياقات محددة، ولا يمكن تطورها إلى ما يعرف ب "التحالف".

فمن يتابع خطاب الحركة منذ انطلاقتها حتى اليوم يدرك أنها وصلت إلى قناعة بأنّ المصالحة لن تتم في السياقات التي أريد لها أن تسير عليها، وأنّ الأزمة الحياتية في القطاع تتصاعد، وبالرغم من أنّ قوى المقاومة ليست في الحكومة إلا أنها تشعر بالمسؤولية تجاه حاضنتها الجماهيرية، وبالتالي فإنّ "العمل الخيري" الذي يقوده دحلان وزوجته – على محدوديته - تحت إشراف وبتنسيق فصائلي يعتبر متنفساً للغزيين.

الكثيرون كانوا يلومون المقاومة الفلسطينية، وحركة "حماس" على وجه الخصوص، بأنها صاحبة تفكير صفري ولا تجيد العمل السياسي "فن الممكن" ولكن بعضهم لامها على خطوتها المحدودة تجاه دحلان، بالرغم من أنّ بعض المحللين يرونها محاولة لفتح قنوات بديلة ومحاولة لتحصيل إنجازات لصالح القطاع من خلال التلويح بالعلاقة مع دحلان، ويرون بأنها "مناكفات حميدة" قد تأتي بإنجازات محكومة بسقف إقليمي، ولكنها أفضل من لا شيء، مع رجل " يشكل رقماً لا يمكن تجاوزه" كما قال مروان البرغوثي لرفيق له في الأسر في سجن هداريم، عندما سأله عن سبب ترشحه في نفس قائمة دحلان الانتخابية.

يرى أنصار التقارب أو التصالح مع دحلان بأنّهم عندما تصارعوا معه كان قيادياً في حركة "فتح" وأنّ الحركة وقفت خلفه في هذا الصراع، وما داموا تصالحوا مع حركة "فتح" فلماذا لا يتصالحون مع دحلان نفسه؟ فالصراع الذي جرى في قطاع غزة كان في غالبيته بين "جماعة دحلان" أو ما كانت تسميه حركة "حماس" في حينه " التيار الانقلابي داخل حركة فتح" ويعتبر التقارب مع التيار بنداً من بنود "المصالحة المجتمعية" حسب نص الاتفاق، بالاضافة إلى أنّ لدحلان نفوذاً واضحاً في القطاع، وفي ظل الظروف التي يعيشها القطاع هذه الأيام فإن الأحمق هو الذي يزيد من عوامل الاحتقان والانفجار ولا يسلك طرق التنفيس والمصالحة وتهدئة النفوس بين الناس، ومن الواضح أنّ هذه الخطوات تأتي في سياق تصالحي بيني، فالمشكلة نشأت في القطاع وها هي تنتهي في القطاع، وهذا أمر محرج لمن انجروا إلى المشكلة وتعاملوا مع نتائجها.

لفت انتباه كاتب هذه السطور قضية خطيرة تتطور في الساحة الغزّيّة منذ فترة، ولفت النظر إليها في أكثر من مناسبة، وهي أنّ هناك شعوراً متزايداً لدى الكثير من الغزّيين بأنهم يتعرضون للظلم من أشقائهم الضفاويين، فهم يرون بأنّهم خاضوا حروباً لا تقدر عليها الدول العربية مجتمعة، وصمدوا ورفعوا رأس الأمة عالياً، بينما يرون انّهم يعاملون بطريقة لا تليق بما قدموه من تضحيات وما سطّروه من بطولات، ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يلحظ ذلك بوضوح، وقد تكون بعض دوافع التقارب الحالي "مناطقية".

يقول خصوم محمد دحلان:

"إنّ المكان الذي يجلس فيها الرجل لا يتسع لاثنين" فهو بسقف طموح مرتفع جداً، و يرون فيه متآمراً على رئيسه ياسر عرفات ومن ثم على رئيسه محمود عباس، بينما خاض مع خصومه الألداء في حركة "حماس" حرباً صفرية انتهت بهزيمته، ولكنه لا يزال مراهناً عليه من بعض القوى الإقليمية النافذة، ولهذا فإنّ السماح له بموطىء قدم في الجغرافيا السياسية الفلسطينية سيكون مغامرةً غير محسوبة العواقب، ومن الواضح أنّ خصوم الرجل في القطاع الذين خاضوا عدة معارك وجوديّة يدركون هذه الحقيقة بشكل جيد، كما يعرفها غيرهم في مناطق أخرى، فالمنطقة كلها تعيش مرحلة خطيرة شعارها "من يغفل عن سلاحه يموت" ولذلك سيبقى التقارب، في اعتقادي، محدوداً وفي حدوده الدنيا، ومحكوماً بسقف المخاوف والتجارب والعبر والهواجس المحلية والسقف الإقليمي والدولي.