الأحد  28 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

على سبيل الاستدلال بقلم: أحمد زكارنة

2015-01-13 11:44:12 AM
على سبيل الاستدلال
بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

 تجليات.

"نتنياهو في مسيرة فرنسا يقدم نصائحه للعالم حول كيفية صنع وإنتاج الإرهاب.. عالم منافق سيظل الإرهاب سيده".. وجهة نظر يتبناها البعض منا، فيما يؤكد آخرون: "هي وقفة تعبر عن إنسانيتنا ومبادئنا كشعب حر لا يسمح لإرهاب الاحتلال أن يفقده إنسانيته، ولن يسمح لتجار الظلام أن يعتدوا على الأبرياء باسم قضيته العادلة".. وجهة نظر أخرى يجب علينا احترامها كما الأولى تماماً، وليستمر الجدل، حول الموقف الذي يجب اتخاذه في مثل هكذا أحداث، ولكن السؤال باعتقادي ليس هنا، وكذالك الجدل لا يجب أن يكون حول قضية من المفترض أنها تعود لكل شخص حسب معتقداته ومبادئه، وإنما السؤال أو الجدل يجب أن يتمحور حول الفعل، فعلنا نحن فيما نقدمه لأنفسنا وللآخرين كي يتضامنوا معنا في قضيتنا، قبل تضامننا معهم في قضاياهم.

 

إذن السؤال يتمحور حول قضيتنا التي ندّعي نحن أنها قضية إنسانية عادلة لا تطالب إلا بالحرية فقط، فيما يمارس البعض منا كل ما من شأنه التأكيد أننا لا نستحق هذه الحرية، ببساطة لأننا لسنا أحراراً، علماً بأن المقولة الأهم في الحرية كانت مقولة عربية بامتياز: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً". والحرية ليست مجرد شعار يرفع، وإنما هي منظومة من الممارسات، لها ما لها من الحقوق وعليها ما عليها من الواجبات، لتثمر شيئاً من العدالة والكرامة.

 

إن ما شهدته العاصمة الفرنسية باريس، لا يساوي نقطة في بحر ما شهده وما زال يشهده شعبنا الفلسطيني منذ ما يقرب من سبعة عقود من الاحتلال والتشريد والاعتقال والاغتيال وهدم كل ما يشير إلى الحياة من معالم، بالرغم من أننا لم نشهد طيلة الأعوام السبعين مثل هذه الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها كل زعماء العالم عربا وعجماً، والسؤال هنا، لماذا نحن مطالبون دائما بإثبات إنسانيتنا؟ سؤال يبدو للوهلة الأولى وكأنه يسير عكس اتجاه المشاركة، ولكنه في حقيقته يبحث عن الفعل، فعلنا الذي يضعنا في منطقة عدم الاكتراث لإثبات إنسانيتنا. وإنْ كان فعل المشاركة، هو فعل إنساني لا علاقة له بما لنا وما علينا، مشاركة أؤيدها، ليس لأننا مطالبون بإثبات إنسانيتنا، وإنما لأننا نملك كل مقومات الإنسانية.

 

فرنسا مثلاً، أثبتت ومنذ زمن بعيد أنها أم الحرية بكل مفاهيمها العملية والنظرية، رغم أن ما يدور في أروقة السياسة الفرنسية لا يختلف كثيراً عما يدور في الأروقة العربية والدولية من فساد إداري ومالي وسياسي، ولكن فعلهم الممارس كان وما زال خط دفاع أول لأي ادّعاء يمكن أن يمس تجربتهم بسوء.

 

والفعل بمعاييره السياسية وسيلة وليس غاية، لأن غايتنا الأسمى والأحق، أن نكون شعباً حراً مستقلاً يمارس تطوره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وفق ما تشير إليه حضارته الإنسانية التي احتضنت الديانات السماوية الثلاث، لا التي تحتضن الأفكار المتطرفة وفعلها الآثم والمشوه لكل تعريف إنساني وأخلاقي. لنصبح شعباً بعيداً عن الأقوال، قريباً من الأفعال، يبحث على أقل تقدير، عن حريته على سبيل الاستدلال.