الثلاثاء  08 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

24 ألف مواطن هاجروا من قطاع غزة عام 2018 من بينهم كفاءات ومختصين

● 51% من المواطنين الغزيين يبدون استعدادهم للهجرة في حال أتيحت لهم الفرصة

2019-08-09 08:18:37 AM
24 ألف مواطن هاجروا من قطاع غزة عام 2018 من بينهم كفاءات ومختصين
إغلاق معبر رفح البري في كلا الاتجاهين

 

 

 الحدث – خاص: 

  تنذر الظروف الكارثية في قطاع غزة من تزايد وتيرة أعداد هجرة العقول إذا ما أُتيحت لهم الفرصة، بحثا عن فرص حياة أفضل، بسبب غياب العدالة والحرية والديمقراطية وامتهان حرية الإنسان وكرامته، إلى جانب اعتداءات الاحتلال والحصار الاقتصادي والبطالة المرتفعة، وبشكل خاص بين صفوف أصحاب المهارات التخصصية وأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين، الأمر الذي يطرح العديد من التحديات وعلى رأسها المساس بالخدمات الأساسية في قطاعات الأعمال والتعليم والصحة بسبب النقص في الكفاءات. 

وبينما تشير بيانات منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة "إلى مغادرة حوالي 61 ألف مواطن عام 2018، عاد منهم حوالي 37 ألف، وبحسب الإحصاءات لعام 2018 فإن نصف الأسر في قطاع غزة تحت خط الفقر ومعدل البطالة يصل إلى 50%،  بينما كان تقرير وكالة الغوث الدولية "الأونروا" قد حذر من انعدام الحياة في غزة بحلول عام 2020 إذا استمرت الأوضاع والظروف على ما هي عليه.

فإن الواقع المرير لقطاع غزة وإفراغه من العقول وتهجيرها؛ دفع المراقبين والمهتمين للمطالبة ببسط العدل وسن قانون صارم للتعيينات في قطاع غزة، وتشكيل لجنة مراقبة لعمل الوزارات والمديريات والمؤسسات والجمعيات العاملة في قطاع غزة، ووضع نظام صارم يمكن اللجنة من المراقبة وإتاحة الفرصة للجميع وتنحية التعليم والصحة عن التجاذبات السياسية، وتشكيل هيئة عليا ومستقلة للتعليم المهني والفني.

الظروف المأساوية دفعتهم للتفكير بالهجرة 

ففي حين أكد مدير البحوث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" د. بلال فلاح، أن الظروف المأساوية في قطاع غزة دفعت شريحة واسعة من المواطنين إلى التفكير بالهجرة للهروب منها. مستندا في ذلك إلى ما أظهرته نتائج استطلاع حديث، نفذته جامعة الأقصى بغزة خلال شهري آذار ونيسان 2019، حيث إن 51% من المواطنين الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما في قطاع غزة يرغبون ويبدون استعدادهم للهجرة حال أتيحت لهم الفرصة. وكان العامل الاقتصادي هو السبب الأساسي للهجرة بحسب رأي 83% من المبحوثين، إضافة إلى ما أشار إليه مسح الشباب الفلسطيني عام 2015، الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، بأن نسبة الراغبين في الهجرة من الشباب في قطاع غزة بلغت 37%، مقابل 15% في الضفة الغربية".

ويوضح فلاح، أن مسألة هجرة الغزيين بدأت بالبروز في شهر تشرين الثاني من عام 2017 ؛ حيث فتحت السلطات المصرية معبر رفح مؤقتا وبشكل كامل بعد تضييق الحركة عبره وفتحه استثنائيا بشكل انتقائي طوال العقد الماضي، حيث شكل المعبر طوال هذه الفترة المدخل إلى باقي العالم في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي ومنع عبور المواطنين من خلال المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل إلا للحالات الإنسانية وعلى نطاق ضيق أو من خلال استصدار تصاريح استثنائية، ومكن فتح معبر رفح، في تلك الفترة، آلاف المواطنين من قطاع غزة من مغادرة القطاع ورأى العديد منهم فرصة في ذلك للهجرة قد لا تتكرر حال إعادة إغلاق المعبر. 

وقال د. فلاح: "المعاناة الاقتصادية والحروب التي شنت على قطاع غزة دفعت بالناس إلى التفكير بالهجرة باعتبارها واحدة من الحلول التي يتحينون فرصها، ولكن ما يقلقنا أن هجرة هذه العقول ستؤثر على الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين المتبقين في قطاع غزة".

أسباب تدفع العقول والخبرات الفنية للهجرة من قطاع غزة 

بينما كان نائب المدير العام للشؤون الإدارية في وزارة الصحة عاهد الوحيدي أكثر وضوحا عندما قال: "هناك أسباب تدفع العقول والخبرات الفنية للهجرة من قطاع غزة بشكل خاص، أهمها الظروف السياسية والوضع الاقتصادي المعاش، وما يتعرض له من هدر ومساس كرامة المهني في أعماله اليومية، ما دفع بالفنيين والأطباء لمغادرة الوطن بحثا عن حياة جديدة أكثر استقرارا في النواحي السياسية والأمنية والمالية".

ونفى الوحيدي دقة الأرقام التي تتداول حول هجرة العقول من قطاع غزة، وقال مستدركا "قد يكون تأثير هجرة شخص واحد من عدد من الأشخاص".

وتابع: "ففي قسم أمراض الدم، هناك عدد محدود من الأخصائيين الموجودين، وعندما يهاجر طبيب بالتزامن مع تقاعد زميل آخر ينتج عن ذلك أزمة ينعكس تأثيرها السلبي على المواطنين بعدم تلقيهم الخدمة والعناية الطبية الكافية، ولكن النظام الصحي يغطي هذا النقص بالتحويلات الطبية والعلاج في الخارج ما ينعكس سلبا على موازنة السلطة في ارتفاع تكلفة تحويلات العلاج في الخارج".

الكادر الطبي والفني لم يتلق ولم يجد التكريم في وطنه

ويأسف الوحيدي، أن الكادر الطبي والفني لم يتلق ولم يجد التكريم في وطنه وما يعوضه عن العائد المادي الذي كان يتقاضاه في بلد الهجرة الذي احتضنه، إلى جانب عدم توفر فرص عمل للخريجين بسبب ارتفاع أعدادهم عن حاجة السوق لهم، بالإضافة إلى الهجرة للتخصص، ولكنهم لم يعودوا إلى الوطن بسبب الظروف وبالتالي نجدهم يتركون البلاد ويغادرون.

وذكر الوحيدي، أن حالات التقاعد الاختياري بلغت 256 حالة في الفترة 2006 – 2019، من بينهم 88 أخصائيا أو طبيبا، ومن كادر التمريض 73 شخصا، منوها إلى أنه وإلى جانب هجرة الموظف أو الكادر المهني والوظيفي فإننا نخسر الخدمة التي كان يقدمها، وهو يتجه إلى التقاعد الاختياري بحثا عن الضمانة لراتب ثابت له في الظروف الموجودة، معتبرا أن انعكاس ذلك هو الأخطر على القطاع الصحي الفلسطيني.

وأشار، إلى أن عدد المهاجرين يمثل من عدد الكفاءات الصحية 2,5% من عدد الموظفين الإجمالي، و15% من المنتهية خدماتهم، معربا عن أسفه الشديد لهجرتهم عندما قال "نحن ندفعهم للهجرة إلى خارج البلاد".

الكوادر والكفاءات والعقول في غزة تتعرض للتهجير

ولكن نائب رئيس جامعة غزة للشؤون الأكاديمية د. محمود الحمضيات، كان أكثر جرأة في التشخيص بقوله إن ما تتعرض له الكوادر والكفاءات والعقول في غزة ليس هجرة وإنما تهجير، وقال: "إن أهم العوامل المتسببة بالهجرة هي الاحتلال، والإغراءات الاقتصادية والسياسية والأمنية لجذب العقول، أما العوامل الداخلية فهي الأخطر والتي يجب أن تكون محور الاهتمام والتي من أسبابها ضنك العيش والضعف الاقتصادي، والحروب التي تعودناها ليست سببا للهجرة، لكن غياب العدالة والحرية والديمقراطية وامتهان حرية الإنسان وكرامته هي سبب من الأسباب الكامنة وراء الهجرة، إضافة إلى البطالة؛ حيث يعاني منها أكثر من 100  ألف من الخريجين ولا أحد ينظر إليهم، بالإضافة إلى عدم تكافؤ الفرص والواسطة والمحسوبية فيها، كما وتنعدم فيها فرص المسابقة الشريفة والنزيهة في اختيار الموظفين، إضافة إلى الانقسام والتناحرات السياسية فيما بين الناس، وانعدام حرية الرأي والتعبير عن الفكر والسياسة والتوجه والاتجاه التي هي معدومة في قطاع غزة، وانتشار الفساد فيما يتعلق باختيار الوظائف وتوزيع الأرزاق، وغياب الحاضنة للمبدعين والمتفوقين في كافة القطاعات، فضلا عن غياب التعليم المهني والفني والتقني والتي نعتبرها في منتهى الخطورة، إضافة إلى التهجير الداخلي والذي يعبر عنه عن طريق انطواء وابتعاد العقول الذكية والمتنورة عن المجتمع".

حلول ومقترحات للحد من الهجرة أو التهجير

ويطالب الحمضيات، ببسط العدل وسن قانون صارم للتعينات في قطاع غزة وتشكيل لجنة مراقبة لعمل الوزارات والمديريات والمؤسسات والجمعيات العاملة في قطاع غزة، سواء الأهلية أو المحلية أو الأجنبية، ووضع نظام صارم تقوم اللجنة بالمراقبة وإتاحة الفرصة للجميع وتنحية التعليم عن التجاذبات السياسية، وتشكيل هيئة عليا ومستقلة للتعليم المهني والفني والتقني، وعلى السلطة الوطنية ابتعاث العقول لدول الخليج بدلا من هجرتها بحثا عن الرزق، وإلغاء نظام البطالة المبطنة أو العقود المؤقتة لأن عدم الاستقرار الوظيفي يؤدي إلى هروب الأدمغة والعقول.

أما الاستشاري في تطوير الأعمال، المنسق العام للفريق الوطني لإعادة إعمار قطاع غزة مأمون بسيسو، فقال:  "يغادر الناس قسريا من قطاع غزة بسبب الانهيار الاقتصادي الحاد جدا، والاستعصاء السياسي الكبير، والتدهور الأمني المستمر، مما جعل الناس يفكرون بالخروج القسري والإجباري إلى خارج قطاع غزة بحثا عن مستقبلهم، وهناك خروج عدد كبير من المستثمرين ورجال الأعمال خارج قطاع غزة والذين يعتبرون جزءا من الرأسمالية الوطنية، ولم يهربوا من الواجب الوطني ولكن الخسائر التي تكبدوها جراء الحروب والحصار دفعتهم للبحث عن فرص استثمارية أخرى، وهم مستعدون للعودة حال تحسنت الظروف".

وتطرق بسيسو، إلى المؤشرات الاقتصادية وقال: "من المفارقات في البطالة أن عدد العاطلين 54% عن العام الماضي ونسبة الفقر 2% والفقر المدقع 42% وثلثي الفقراء يصنفون كفقر مدقع، و68% من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و80% يعتمدون على المساعدات الغذائية".

أعداد المغادرين والعائدين عبر معبر رفح

وبين بسيسو، أن معبر رفح عام 2015 فتح 32 يوما فقط في السنة غادر فيها 14 ألف مواطن وعادوا،  بينما تحسن في السنة التالية 2016 إلى 44 يوما فقط غادر فيها 26 ألفا عاد منهم 17 فقط، وتراجع في 2017 إلى 36 يوما حيث كان العائدين أكثر من المغادرين 18 ألف عائد مقابل 17 مغادر، في حين حدثت القفزة الكبرى في 2018 عندما فتح 198 يوما غادر فيها 61 ألفا وعاد 37 ألفا أي بفارق 24 ألفا، وفي 2019 حتى اللحظة المعبر فتح 102 يوما غادر فيها حتى الآن 28 ألف شخص وعاد 26 منهم. مؤكدا خروج عدد كبير من الكفاءات العلمية وأساتذة جامعيين ومستثمرين ورجال أعمال خارج قطاع غزة، حيث اضطروا للمغادرة نظرا لما تكبدوه من خسائر نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب واستمرار الحصار وذلك بحثا عن فرص أخرى، وهم على استعداد للعودة إلى الوطن في حال تحسنت الظروف الأمنية، وجزء منهم غادر نحو الشق الآخر من الوطن في الضفة الغربية، وآخرون توجهوا إلى بعض الدول العربية في حين هناك من حاول استكشاف الفرص في دول كالجزائر وغانا وأوكرانيا وبلغاريا، في حين أصبحت تركيا منطقة جذب كبيرة جدا لرجال الأعمال لما توفره من حوافز استثمارية كبيرة جدا.

ويؤكد بسيسو، أن هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في أسوأ مراحلهما في قطاع غزة بسبب الاحتلال والحصار والاستهتار السياسي.