الجمعة  19 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل ستقود الصين العالم بحلول 2030؟

2019-08-23 09:40:34 PM
هل ستقود الصين العالم بحلول 2030؟
الصين

الحدث - جهاد الدين البدوي

لا تمتلك الصين أكبر عدد سكان على الكرة الأرضية فحسب، بل إنها تحاول أن تكون صاحبة أكبر اقتصاد في العالم أيضاً، وتعمل بكل طاقتها لتقود العالم تكنولوجياً أو فيما يتعلق بالذكاء الصناعي.

في عام 2017 حدد الحزب الشيوعي الصيني 2030 موعدًا نهائيًا لهذا الهدف الطموح بأن تكون الدولة الأولى عالميا ًعلى المستوى الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري، ولتحقيق هذه الرؤية وضع الحزب مخططا شاملا لتحقيقها، ويشمل تقديم مساهمات كبيرة في مجال البحوث الأساسية، بالإضافة إلى قدرتها في صناعة الذكاء الصناعي، حيث باتت الصين من أكبر المنافسين العالميين في هذا المجال.

مع اقتراب الموعد النهائي الأول؛ لاحظ الباحثون قفزات نوعية كبيرة في جودة أبحاث الذكاء الاصطناعي في الصين. كما أنهم يتوقعون حدوث تحول في قدرة الصين على الاحتفاظ بالمواهب المحلية.

ففي عام 2016 وصل عدد البحوث الصينية في مجال الذكاء الصناعي إلى (11801)، بينما وصل عدد أبحاث الذكاء الصناعي الأمريكي في نفس العام إلى (6712)، بينما كانت عدد بحوث الذكاء الصناعي الصينية لعام 2001 نحو (411)، وفي المقابل كانت الولايات المتحدة لديها في عام 2001 نحو (2108) بحث بالذكاء الصناعي، وهو ما يدلل على طموح الصين في تجاوز القوة الأمريكية في هذا المجال.

وقد حلل معهد ألين للذكاء الاصطناعي الأبحاث الصينية المتعلقة بالذكاء الصناعي كماً ونوعاً، وذلك من خلال معرفة عدد مرات الإشارة إليها أو الاستشهاد بها في أبحاث أخرى، وتشير الدراسة إلى أن الصين ستسبق أمريكا في أعلى 50% من الأبحاث من حيث الإشارة لهذه السنة، وفي أعلى 10% من الأبحاث من حيث الإشارة في عام 2020، وفي أعلى 1% بحلول 2025.

ومن المحتمل أن تؤدي الإجراءات الأمريكية الأخيرة التي تضع عقبات أمام توظيف الطلاب والباحثين الأجانب والاحتفاظ بهم إلى تفاقم الاتجاه نحو تفوق الصين في أبحاث الذكاء الصناعي.

وفي السياق ذاته فقد تفوقت الصين الشعبية على الولايات المتحدة في طلبات براءات الاختراع، حيث حصدت الصين عام 2016 (1.204.981) طلب براءة اختراع، في حين حصدت الولايات المتحدة الى (895.327) طلب براءة اختراع.

وفي سياق آخر، أكدت دراسة أجراها بنك «إتش إس بي سي» العالمي أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة لتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030، بإجمالي ناتج محلي سيبلغ 26 تريليون دولار، صعوداً من 14.1 تريليون دولار في 2018.

 وقد تفوقت الصين على الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014 في الناتج المحلي بتعادل القدرة الشرائية، وقد تصاعدت هذه الفروق عام 2018 لتصل الصين إلى 25.362 تريليون دولار، والولايات المتحدة إلى 20.494 تريليون دولار.

وعلى المستوى العسكري، قطعت الصين شوطاً كبيراً في تطوير قدراتها العسكرية البحرية والجوية والبرية والدفاعية وعلى نطاق الصواريخ العابرة للقارات، فلدى الصين أسلحة متنوعة تتنافس مع الأسلحة الأمريكية، وفي جوانب متعدد تتميز عنها، فتمتلك الصين مقاتلات من الجيل الخامس من طراز (J-20) و(J-31) والتي تتمتع بقدرات قتالية فائقة وبقدرات التخفي عن رادارات العد، ناهيك عن استلام قوات الدفاع الجوي الصينية منظومة (S-400) التي تتفوق على المنظومات الأمريكية، كما وأن الصين تمتلك برنامج صواريخ عابرة للقارات ومتطورة جدا بإمكانها الوصول لكافة الأراضي الأمريكية خلال أقل من نصف ساعة، وفي هذا الإطار فقد سبقت الصين وروسيا الولايات المتحدة في تكنولوجيا الصواريخ الفوق صوتية.

التطور الذي أحدثته الصين في المجال العسكري جاء نتيجة لتعزيز الإنفاق العسكري، فقد ارتفع الإنفاق الدفاعي الصيني بحوالي 900% بين عامي 1996-2018، مما سمح لجيش التحرير الشعبي الصيني بالحفاظ على وتيرة التحديث العسكري لمعظم القطاعات العسكرية الرئيسة. يقابل هذا النمو والتطور الصيني تفاقم أزمة الإنفاق العسكري الأمريكي والذي يذهب جله لالتزاماتها غير البحث والتطوير، فقد وصل إنفاق واشنطن العسكري عام 2016 إلى 611 مليار دولار، منها 69 مليار دولار للبحث والتطوير العسكري، وباقي الميزانية تصرف على الجنود والعمليات العسكرية والمشتريات والشؤون الإدارية وأعمال البناء واسكانات الجنود.

ومن جانب آخر حالت التزامات واشنطن حول العالم وخاصة الشرق الأوسط إلى تقويض أي جهود للحفاظ على تفوقها العسكري الصناعي أو بإيقاف الصعود الصيني والروسي، فقد باتت القوى الصاعدة تأخذ مواقع متقدمة ولا يمكن لإدارة ترامب مواجهة هذا الصعود، وما يجري اليوم مجرد التشويش لصعود القوى الآسيوية.  

 وفي المشهد الكلي، تتقدم الصين بخطوات ثابتة نحو تحقيق مخططها الاستراتيجي الشامل، لتكون البلد الأول عالمياً على المستوى الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، ولكن السؤال الجوهري هنا، ما هي حدود قدرة الولايات المتحدة لتقييد صعود الصين وحلمها بأن تكون الدولة الأولى عالميا في شتى أنواع القوة؟

على المستوى المنظور، لم يعد بمقدور الإدارة الأمريكية اليوم منع بكين من تحقيق حلمها، حتى أن خطوات إدارة ترامب منذ بداية حربه التجارية مع الصين لن تجدي نفعاً، بل سيصاب الاقتصاد الأمريكي بأضرار أكبر من تلك الأضرار التي يطمح ترامب بتحقيقها بالاقتصاد الصيني.

فلدى الصين بدائل عن السوق الأمريكي خارجياً وداخلياً، فبإمكان الصين تضميد جراحها بالانفتاح على السوق الداخلي واستبدال المنتوجات الأمريكية بمنتوجات محلية أو منتوجات من دول أخرى كروسيا أو من أوروبا، وعلى مستوى آخر بإمكان الصين توريد صادراتها وتوسيع نطاق شراكتها التجارية مع القارة الأوروبية والافريقية والاسيوية بأكثر مما عليه اليوم حتى تعوض أي خسائر من الممكن أن تدفعها في الحرب التجارية.

 ولكن هناك العديد من نقاط الضعف التي يمكنها أن تعيق الحلم الصيني، وتحدث عنها الخبراء والباحثون، كافتقار بكين للمساهمة في النظريات المستخدمة في تطوير الأدوات التي يقوم عليها الذكاء الصناعي، وتوقف شركاتها عن الاستثمار في الأبحاث اللازمة لتحقيق اختراقات أساسية في هذا الجانب. كما وأنه لا بد أن تتمتع الصين بنظام حكم مناسب كون ذلك سيسمح للباحثين والشركات الصينية ببناء الثقة اللازمة لكسب الباحثين والموهوبين على المستوى العالمي.

 تمضي الصين لتحقيق حلمها لقيادة العالم بخطوات متوازنة، وعليها أن تعزز تقدمها بإزالة العديد من العقبات التي تقف أمامها وخاصة ببناء الثقة بينها كنظام حاكم وبين شعبها والباحثين الدوليين لتكون مكاناً يراه الباحثون والعلماء كملاذ لتحقيق أحلامهم، وهذا يتطلب جهودا كبيرة وتغيرات جذرية في سلوك النظام وربما بتغيير أكبر من ذلك، بالإضافة إلى تشجيع البحث العلمي ورفع مستوى الإنفاق على البحث العلمي بمستويات تخرق حاجز التفوق الأمريكي بشكل يتناسب مع طموحاتها الكبرى.