الحدث- مي هماش
جرائم القتل تتزايد، باختلاف خلفياتها، إلّا أنَّ المحصلة واحدة، القتل، والّذي يُعرَّف فعله بممارسة تُغلف بالشرف، وتغلف بالجنون والاضطرابات النفسية، لأنَّ الجنون مفهوم سياسي اجتماعي بالأساس ولا مكان له بالطب النفسي، والشرف مفهوم اجتماعي مرن، يمر من لحظة إنجاب الفتاة، وصولًا إلى كل تفاصيل حياة هذه الفتاة، فالقتل بالأساس شرعية مجتمعية.
الكثير يستنكر جرائم القتل، ويدعوا لاتخاذ خطوات جدية بتحقيق محاكمة عادلة، وأُركِّز على محاكمة عادلة ضمن "قوانينا"، فما معنى عدالة القانون هنا؟ هل هيَّ الإعدام؟ هل هيَّ الأشغال الشاقة مدى الحياة؟ هل هيَّ تحويل المجرم إلى مصح نفسي وعصبي وعقلي! إنَّ عدالة القانون تقتضي الردع، وبالأساس نشأ مفهوم المعاقبة والقانون من فكرة الضبط والردع، وهنا فقط نستطيع أنّ نفهم مدى جدية خطواتنا وتأثيرها.
هذا لا يعني أنَّ المسؤولية كاملةَ تُحمَّل للقانون والأجهزة القائمة على تنفيذها، بل يتقاسم المسؤولية كلّ فرد في المجتمع، وكل أسرة، وكل جهاز دولة أيديولوجي وسياسي، وتتقاسمها النساء أيضًا، بدلًا من أنّ تتقاسم موقع الضحية والمذنب دائمًا وبكل الحالات، على النساء أن تتقاسم مسؤولية تحرير المجتمع من محدودية النظرة حولنا وحول أفكارنا وأجسادنا ومشاعرنا.
إنَّ مسؤولية دفع المجتمع خطوات للأمام فيما يتعلق بطبيعة العلاقات الاجتماعية أصبح ضرورة أساسية من ضرورات العيش، وحقيقة .. يشعر الإنسان نفسه وهو يحاول المساهمة في تفكيك المجتمع في قضايا القتل وتغييره كأنه "أبله"، إنّنا نتحدث في أمور بديهية، أمور ليست بحاجة لتعميق النقاش حولها لأنَّها وببساطة "حق الحياة" هيَّ حقوق فطرية تُخلق مع الفرد، وحقوق مكتسبة يتعلمها من خلال علاقة والديه ببعضهما، وعلاقة الزملاء في المدرسة والجامعة، ومن الاعلانات الثقافية والتجارية والمنوعات المختلفة، ومن التلفاز والانترنت والمسلسلات الّتي أصبحت أيضًا تخلق مفاهيم الحياة والمجتمع والحب والعلاقات داخلها.
فالقتل مفهوم أعمق من إنهاء الجسد المادي، من إراقة الدماء، ومن الذبح، القتل هو ذهنية بحد ذاتها تختزل الحياة وتسيطر عليها، تجعلها دون معنى، تمامًا كتبرير القتل للنساء، دائمًا يلحقها مسببات، الشرف الّذي يغطي مفهوم مطالبتها بالإرث، غضب العائلة من بعض سلوكيات الفتاة، وكذلك قتل الرجال يلحقه تبريرات كدين لم يسدد، وتحرشات كانت أو لم تكن، ومخدرات، ولكن السؤال الّذي يبقى عالقًا في الحلق، هل القتل هو استراتيجية لحل هذه المشاكل جميعها؟
القتل هو وسيلة مواجهة متطرفة للغاية مع الجسد الّذي يختلف مع المكون العام للمجتمع، هو منهجية نتربى عليها لإنهاء مواجهتنا للاختلاف، لأنّه لا يقوم إلّا بهذه الوظيفة بالأساس، فمعالجة الظواهر وضبطها لا تحتاج إلى سكين أو سلاح لإنهاء ممارسيها، بل تحتاج إلى وعي تكاملي حول ما هو موجود من ظواهر يرفضها المجتمع، ومحاولة إيجاد جسر عبور يحافظ على الاتزان بين حاجاتنا الفردية ومعايير مجتمعنا.
في العقد الاجتماعي السياسي، الملكية الاقتصادية بالأساس هيَّ من نظمت شؤون الدولة، سواء بالعدالة أو الحرية، أو العقد الهوبزي الّذي يعني حكم الفرد للآخرين من خلال تخلي الآخرين عن سلطتهم على ممتلكاتهم وأجسادهم، مقابل الحماية والآمان، ولكن هذا العقد هو ضمن قوانين الطوارئ، أي حتى فترة بلورته كطبيعة حكم جائت في الوقت الّذي كانت الدول تغرق فيه بدماء الثورة والتغيير والظلم، أي أنَّه لا يمكن أنّ يكون حالة عامة، وتغير هذا العقد الاجتماعي والسياسي في الدول الّتي أنشأته بزوال حالة الفوضى واستقرار الأوضاع، لكن لماذا نتمسك نحن بعقلية الهوبزي، لماذا يجب علينا أن نفقد سلطتنا على أجسادنا وعلى رغبتنا بالتغيير مقابل الحماية المجتمعية؟
الأمن هو أول درجات الحياة، لهذا نقدم للأب وللشيخ وللحزب وللنقابات وللدولة جزءًا من سلطتها علينا، مقابل قيمة الأمان الّتي بقدر أهميتها في حياتنا هيَّ أيضًا هشة، لأنَّها تنتزع الأمان مرة واحدة وفي لحظة واحدة لا يكون فيها الفرد مستعدًا لأنّ يكون واحدًا أمام منظومة تشكّلَ منها وساهم في تشكيلها، لأنَّ هذه المنظومة بتماسكها ووحدتها إلّا أنَها ترفض الاختلاف بداخلها، وتقاومه، وتعنفه، وتنبذه وتقصيه.
القتل ليس غريزة، والعنف كذلك، بل هُما سلوكيات يتربى عليها الفرد لممارسة سلطته، ولهذا نفهم اختلاف عدد النساء المقتولات عن الرجال، والأطفال عن الشباب، إنَّ هرمية القمع والعنف الّتي نتربى عليها هيَّ من تجعل للقتل مبررات وشروط، يحتمي بها القاتل ويأخذ تصريحًا خاصًا لمواصلة الحياة بأمان