الحدث- جهاد الدين البدوي
في أوائل أغسطس الجاري انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، وهي اتفاقية تاريخية بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، وطبقت انسحابها من اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ النووية قصير المدى عن الورق إلى تطبيق عملي بعد اختبار واشنطن صاروخ أرضي بمدى يتجاوز 500كم.
وحسب رأي الكاتب "أندرو س. إريكسون" الذي نشر مقالته في مجلة الفورين أفيرز الأمريكية فإن "موسكو كانت الطرف الوحيد الذي كان ينتهك قواعد المعاهدة لسنوات"، وكانت حجة واشنطن الرسمية للانسحاب من المعاهدة الصاروخ الروسي من طراز "9М729" الذي حسب قولها يتجاوز المدى المافق عليه.
موسكو من طرفها وحتى لا تتفاقم الأمور، دعت الخبراء الأمريكيين لفحص الصاروخ، ولكن الإدارة الأمريكية امتنعت عن تلبيت الدعوة الروسية.
حسب رأي الكاتب: :الصين تستخدم اليوم ترسانة صاروخية متطورة وهذا يعتبر تهديد كبير للولايات المتحدة لحلفائها وتواجدها في المحيط الهندي، وان الخروج من المعاهدة ليس حلا سحريا، لكنه يفتح إمكانيات تشتد الحاجة إليها لواشنطن لإعادة التوازن العسكري مع بكين لصالحها. ينبغي على واشنطن أن تغتنم هذه الفرصة لتطوير ونشر صواريخها الخاصة لمواجهة التهديد الصيني."
فكأن الكاتب يشير أن خروج واشنطن من المعاهدة جاء لتوسيع دائرة الاتفاقية حتى تشمل بكين وتقليل مخاطر صعودها العسكري، ناسياً أن هناك قوى حليفة كفرنسة وبريطانيا بنت ترسانة قوية وكبيرة كتلك التي بنتها الصين وحتى روسيا!
يعترف الكاتب أن الصين باتت تمتلك ترسانة تكنولوجية عسكرية كبيرة كالصواريخ فرط الصوتية التي لا يمكن لنظام دفاعي حالي اعتراضها، ويضيف الكاتب أن الصين تستطيع تطوير هذه الأسلحة ونشرها بثمن بخس وبفعالية أكبر مما عليه لدى الولايات المتحدة، مما يجعل أي نزاع مستقبلي مع الصين عملية مكلفة للغاية ومحفوفة بالمخاطر.
يكرر الكاتب أن بكين تسيطر اليوم على أكبر وأكثر الصواريخ تنوعاً في العالم، ولو كانت بكين جزء من المعاهدة مع روسيا فإن حوالي 95% من الصواريخ الصينية كانت محظورة وما امتلكتها بكين.
يشير الكاتب أن بكين استفادت كثيراً من "قصر النظر الأمريكي"، فاليوم رغم عدم امتلاك الصين لمخزون نووي كموسكو وواشنطن إلا أنها باتت تمتلك مخزون مضاعف من الصواريخ التقليدية بنسبة 1:7.
اطلقت بكين ستة صواريخ باليستية مضادة للسفن في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، في إشارة حزم منها لجيرانها وواشنطن والعالم بأسره، وهي تحتوي على عشرات الصواريخ التي أطلق عليها اسم "القاتل الناقل" والتي تحمل اسمًا لقدرتها المحتملة على تدمير السفن الحربية أو حاملات الطائرات بعيدًا عن الشواطئ الصينية.
الغالبية العظمى من الصواريخ الصينية تم نشرها على الأرض، بدلاً من نشرها على متن الطائرات والسفن والغواصات، واعتبرها الكاتب مشكلة إضافية للولايات المتحدة لان نشرها على الأرض أسهل بكثير وأرخص للتطوير وتشغيلها من تشغيلها من البحر او السماء. كما يصعب العثور عليها وتحييدها قبل إطلاقها.
يتابع الكاتب القول أنه وبصرف النظر عن تكنولوجيات الصين الإلكترونية العسكرية، قد يكون البناء العسكري للصين المتمركز على الصواريخ العامل الأكبر والوحيد الذي يؤدي إلى تآكل القوة الأمريكية ونفوذها في آسيا، وفي لحظة الأزمة يمكن أن تشجع هذه الترسانة المدمرة بكين على متابعة "مصالحها الأساسية" التي كثيراً ما يتم الاحتجاج بها - بما في ذلك مطالبتها المتنازع عليها بالسيادة على تايوان - من خلال محاولة إنشاء أمر واقع، مما يجبر واشنطن وحلفائها الإقليميين على الرضوخ قبل الحرب.
تعد القواعد الجوية الأمريكية وحاملات الطائرات متطورة تقنياً مقارنة بالقواعد الصينية، لكنها معرضة للصواريخ الصينية. نتيجة لذلك، يجب على واشنطن أن تبني رادعاً قائماً على الصواريخ الأرضية. لحسن الحظ ، فإن وفاة معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى تتيح فرصة مثالية للقيام بذلك حسب رأي الكاتب.
يشرح الكاتب أنه بإمكان الولايات المتحدة القيام بتطوير صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى ونشرها في آسيا والمحيط الهادئ، وقد أشار أن أفضل موقع لنشرها في البداية في جزيرة غوام وعلى أراضي الحلفاء كاستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، من المؤكد أن الجزر الصغيرة مثل غوام لديها تضاريس خفية محدودة فقط، بينما قد تواجه الحكومات الأجنبية معارضة شعبية لاستضافة الصواريخ الأمريكية، لكنه وحسب تعبير الكاتب أن رياح الرأي العام قد تتغير بسرعة خاصة إذا استمرت القدرات العسكرية للصين والطموحات الإقليمية في التوسع. وإذا كانت سياسات وقت السلم تحول دون نشر دائم في هذه البلدان ، فلا يزال بإمكان الولايات المتحدة متابعة الاتفاقات التي تسمح لها بنشر صواريخ بسرعة لفترة محدودة في أوقات الأزمات.
يختتم الكاتب بالقول: انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية لا يغلق الباب أمام مبادرات الحد من الأسلحة في المستقبل. على العكس من ذلك ، فإنه يضع إمكانيات جديدة على الطاولة: لا تزال روسيا حرة في العمل مع الولايات المتحدة في مجال حظر الانتشار النووي، بما في ذلك في الصواريخ الجديدة للأسلحة النووية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وفي برنامج الصاروخ كروز النووي الفريد الذي تستخدمه موسكو، والذي لا يحكمه حاليا أي اتفاق. في الوقت الحالي على الأقل، يظل القادة الصينيون يعارضون صراحة أي تطوير لصواريخ من قبل الولايات المتحدة ، لكنهم غير مستعدين لتقديم أي تنازلات عندما يتعلق الأمر بمخزوناتهم التقليدية الأكبر حجماً. إذا جاء الصينيون في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات الخاصة بتحديد الأسلحة، فذلك لأن واشنطن سعت وراء قدرات جديدة، وليس لأنها ربطت أيديها من جانب واحد.