الثلاثاء  23 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مستوطن جذوره من نابلس! بقلم: د. سامر العاصي

2019-09-04 08:29:23 AM
مستوطن جذوره من نابلس! بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

 

بعد التوقيع على اتفاق أُوسلو، وقبيل انسحاب الجيش الإسرائيلي من نابلس؛ كنت أنتظر من الإدارة العسكرية الإسرائيلية تصريحا شخصيا لي ولسيارتي، للسفر إلى المستشفيات الإسرائيلية. وعند ظهيرة أحد الأيام، رن هاتف عيادتي، وأُخبرتُ بأن التصريح قد أصبح جاهزا، وأن بإمكاني الحضور إلى مبنى "العمارة"، (وهو الاسم الذي كان النوابلسه يطلقونه على مركز الحاكم العسكري أو "السرايا"). وذهبت، ووصلت بالقرب من المبنى العسكري، واستوقفت سيارتي عند دائرة الترخيص القديمة، ومشيت بضع عشرات من الأمتار، واتجهت إلى السقيفة التي يحرسها جندي مدجج بالسلاح عند مدخل العمارة، حيث الجميع ينتظر هناك، حتى يأتي من ينادي باسمك، ولم يكن أحدا تحت تلك السقيفة، غيري وغير ذاك الجندي، الذي لم تخف علي ملامح وجهه البيضاء، وشعره الأشقر، وعيونه الزرقاء، حتى بادرته القول فورا، باللغة الروسية:

  • مرحبا يا عجوز! (وهو أسلوب مخاطبة أو تحبب بالروسية، تعني الإشارة لرفع الكلفة بين الطرفين)، وأجاب الرجل، سائلا، متلهفا سماع جوابي حتى قبل أن يسأل:

  • كيف؟ كيف؟ أخبرني! كيف وصلت إلى هنا، مشيا على الأقدام؟.

 وفهمت بأن الحديث مع هذا الجندي سيكون… متعة!. ودار الحديث التالي، الذي طالما بقيت أردد ذكرياته أمام الأصحاب والأصدقاء، وأجبت:

  • جئت بسيارتي، وقد استوقفتها هناك! (كنت قد استوقفت سيارتي أمام دائرة الترخيص السابقة، حيث لم تظهر الإشارة بأن صاحب السيارة هو فلسطيني).

  •  (هو مقاطعا) - اذهب بسرعة واحضر سيارتك إلى الداخل… قد يحطمون زجاجها أو يحرقونها... 

  • لا أعتقد ذلك، هم يعرفون أنني رجل مسالم، و....

  • (هو مقاطعا) - أين سلاحك؟ كيف تسير هنا بدون سلاح؟

  • أنا أسير دائما بدون سلاح

  • معقول؟ ألا تخاف منهم؟ 

  • أبدا، هم يقتلون من يحمل السلاح، غيرهم

  • أمرك عجيب والله! أين تعيش؟ أين تسكن؟ 

  • هنا

  • تقصد أن عائلتك، قد "عادت" إلى البلاد، قبل تأسيس الدولة؟

  • كلا، إن عائلتي موجودة هنا، قبل تأسيس الدولة، بمئات السنيين

  • وكيف ذلك؟ ألم تبدأ العودة إلى "أرضنا"، قبل نهاية القرن التاسع عشر؟

  • لم تعد عائلتي من أي مكان، أنا وعائلتي وعشيرتي، هنا منذ مئات السنين 

  • غريب! لم أسمع بذلك أبدا، أنا أعرف أن جماعتنا يعيشون هنا في "ألون موريه"

  • أنا لا أسكن في "ألون موريه"، أنا أسكن هناك، (ونظرت، ونظر هو معي، إلى جبل جرزيم، حيث كانت حدود أراضي عائلتي في جبل الطور قد وصلت أطرافها إلى أنظارنا)، وأشرت له. ونظر الرجل إلى أشجار "السرو" البعيدة، وفي عينيه الكثير من الأسئلة، وأكملت حديثي قائلا:-

  • تلك أراضي عائلتي، ونحن نطلق عليها اسم، "أرض الخوخة"، عندها قاطعني الرجل سائلآ:- خوخا؟ ماذا تعني؟

  • وأكملت قائلا إن عنوان بيتي في الهوية هو جبل جرزيم، (حقيقة وحتى اللحظة، ما زال عنوان بيتي هو جبل جرزيم). عندها ضحك الجندي، وقهقه، وقال:-

  •  إذن أنت "شامرونيم"، (سامري)!، ما اسمك؟

  • سامر... وضحك الرجل من قلبه، وهو يقول:-

 

 

  • سامر… شامر...، شامرونيم، لقد حزرت، وقلت:-

  • أبدا، لست سامريا!.

  • وهل "جماعتنا" كثيرون هنا؟

  • نعم، جماعتي هنا هم الأكثر

  • وبدا أن الرجل قد دخل في دوامة لم يخرج منها، إلا صراخ أحد الجنود من بعيد، لم أفهم منه شيئا، سوى، كلمة "سامر" عندها، قلت له:-

  • إن كان صاحبك، يناديك للسماح لشخص ما بالدخول لاستلام تصريح، فهو... أنا!

ومشيت نحو الصوت المنادي، وعيون الرجل تتراقص يمينا وشمالا، أعلى وأسفل، حتى أن الرجل نسي تفتيشي جسديا. وعند خروجي مشيت من جانب الجندي الذي كان يرمقني بنظرات لم أستطع تأملها، وإن كنت قد سمعت، وفهمت الشتيمة التي صدرت من لسان وقلب الرجل باللغة الروسية.