الحدث- جهاد الدين البدوي
نشر معهد الأبحاث "The Strategist" التابع للمعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية، مقالاً للأكاديمي بول ديب جاء فيه: "إننا في حقبة تتزايد فيها مخاطر صراع القوى الكبرى. وغالباً ما ينظر إلى المنافسين على الأرجح على أنهم "الصين"؛ وهي القوة الصاعدة والولايات المتحدة هي القوة المهيمنة سابقاً والتي أصبحت الآن في طور التراجع النسبي. والطوارئ الأخرى المقلقة هي الصراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتساءل ديب ماذا عن الاحتمال الثالث: احتمال تعاون الصين وروسيا لتحدي القوة الأمريكية؟ حذر زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، من أن أخطر سيناريو بالنسبة لأميركا سيكون ائتلافًا كبيرًا بين الصين وروسيا متحدًا ليس بأيديولوجية، بل بمظالم "تكميلية".
يتناول هذا التقرير حسب ديب المفاهيم الروسية والصينية لمحاربة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين، وآرائهم عن الغرب وقدراته العسكرية، والمخاطر التي قد يتعرضون لها لاستعادة ما يعتبرونه مناطقهم المفقودة في أماكن مثل تايوان وأوكرانيا. وينظر أيضًا في كيفية رد فعل أمريكا، وتداعيات كل هذا بالنسبة للغرب، بما في ذلك أستراليا، ونوع النزاع المسلح الذي قد ينطوي عليه الأمر.
ويضيف بأن الصين وروسيا هما القوتان الرجعيتان الرئيسيتان المتقدمتان معاً في ازدرائهم للغرب. كل من هاتين الدولتين السلطوية ترى الغرب الذي يعتقدون أنه مشغول بالتحديات السياسية المنهكة في الداخل.
يستبعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يمكن اعتباره بأن أوروبا ضعيفة ومنقسمة. كما يعتقد الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الصين في طريقها لتصبح القوة المهيمنة في آسيا، وتمتلك نموذجًا سياسيًا واقتصاديًا بديلاً وأكثر نجاحًا من نموذج الغرب.
تشترك الصين وروسيا الآن في علاقة وثيقة بشكل متزايد، لا سيما عسكرياً. إذا استمرت الشراكة العسكرية بين الصين وروسيا في اتجاهها التصاعدي، فستقوض حتماً نظام الأمن الدولي من خلال تحدي نظام التحالفات المتمركزة في الولايات المتحدة وفي آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا.
وهذا لا يعني حسب ديب أننا سنرى تحالفًا روسيًا صينياً رسميًا، ولكن ما نلاحظه هو شراكة استراتيجية أوثق. روسيا والصين متكاملان اقتصاديًا؛ وكلاهما قوى نووية قارية آمنة؛ وكلاهما القوى العسكرية المهيمنة في مناطقهم المباشرة. كما إنهم يعتقدون أن الفوضى الحالية التي يعيشها الغرب تؤيد تطلعاتهم الجيوسياسيًا.
لذا، ما هي الفرص التي خلصت إليها بكين وموسكو بأنه حان الوقت المناسب لتحدي الغرب والاستفادة مما يعتبره كلاهما نقاط ضعف غربية؟ الصين وروسيا تدركان جيدًا القوة العسكرية للولايات المتحدة. لكن كلاهما يعرف أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بتفوق عسكري لا جدال فيه في كل مكان.
إدراكاً لذلك، قد يكون الوقت قد حان عندما تختبر بكين وموسكو همة ومعرفة أمريكا وترى ما إذا كان بإمكانهما تحدي الولايات المتحدة بنجاح في المسارح الأوروبية والآسيوية.
في الآونة الأخيرة، تعمقت شراكتهما لتوفير مبيعات المعدات العسكرية الروسية المتقدمة بشكل متزايد للصين، وكذلك التدريبات العسكرية المشتركة في بحر البلطيق وبحر الصين الشرقي. في يوليو من هذا العام، التقت القاذفات النووية الصينية والروسية في شرق آسيا ونفذوا عمليات مشتركة استفزازية في المجال الجوي التي تطالب بها كوريا الجنوبية واليابان.
وبالنظر إلى التراجع البطيء لروسيا والنمو السريع للصين، ربما توقعنا أن تدعم موسكو الجهود الغربية لتحقيق التوازن بين بكين بدلاً من تقويضها. ولكن الأدلة تتراكم الآن لتوحي بأن علاقة روسيا مع الصين تعزز وإن هذا ينطوي على آثار جيوسياسية سلبية واضحة بالنسبة للغرب. وقد ذهب المؤرخ الأمريكي المتميز والتر راسل ميد إلى أبعد من هذا في وصف الانشطة العسكرية الروسية والصينية الحالية بأنها: "أحدث مظهر لتحالف عميق بين روسيا والصين".
يتساءل ديب مجدداً عن المخاطر التي قد تواجه بكين وموسكو لاستعادة ما يعتبرونه إقليمين تاريخيين تابعين للوطن الأم؟ من المهم أن نفهم أنه يوجد في الصين وروسيا ثقافتان عريقتان تختلفان عن التقاليد الغربية. لديهم ذكريات طويلة من الإذلال على أيدي الغرب. لقد مرت كل من روسيا والصين بظروف تاريخية عندما كانت مجتمعاتهما ضعيفة وعندما استغلها الغرب.
ويوضح ديب بأن كلاً من الصين وروسيا استخدما وبشكل فعال المطالب الإقليمية المتزايدة مؤخراً لمصلحتهما الاستراتيجية. عسكرة الصين لبحر الصين الجنوبي أصبحت الآن حقيقة واقعة. وقد تم فرض استخدام روسيا للقوة العسكرية في القرم وأوكرانيا دون أي تحدِ عسكري من الغرب. هناك كل الأسباب التي تجعل هذه النماذج فعالة لمواصلة إظهار وضعهم كقوى عظمى.
يبدو الآن كما لو أن الصين وروسيا تجمعان بين قواتهما لتحقيق التوازن ضد الولايات المتحدة، التي يعتبرونها العدو المشترك. الصين قوية وحاسمة بما يكفي لتكون شريكا استراتيجياً، في حين تسعى روسيا إلى إعادة تأكيد نفسها كقوة عظمى مستقلة في أوروبا. كما تستجيب بكين لمواجهتها التنافسية الجديدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعميق علاقتها الاستراتيجية مع موسكو. والصين أيضا ليس لها علاقة قوية بالقوى الكبرى سواء في آسيا أو أوروبا.
ويرى ديب بأنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن تراكم القوات العسكرية لكل منهما يشير إلى أنهما يستعدان بشكل متزايد للصراع مع الغرب. يحدث التطور السريع للقدرة العسكرية للصين، إلى جانب الإصلاحات الجادة في القوات العسكرية الروسية، في وقت لا تستطيع فيه أمريكا خوض حربين إقليميتين كبيرتين في وقت واحد. كما وتهدف الولايات المتحدة إلى الحفاظ على توازنات إقليمية مواتية للسلطة في كل من الهند والمحيط الهادي وأوروبا. لكن هذه مهمة ستكون صعبة للغاية، بالنظر إلى قوة الصين الصاعدة في آسيا واستعراض روسيا لعضلاتها العسكرية في أوروبا.
يتساءل ديب مجدداً عن الآثار المترتبة على كل هذا بالنسبة للغرب؟ والحقيقة أن الغرب يدخل في فترة من إلهاء سياسي كبير، كما أن هوس أمريكا بالنظر إلى الداخل وجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى "يفتح إمكانيات جيوسياسية جديدة للصين وروسيا.
ويرى ديب أن الآثار المترتبة بالنسبة لأستراليا لا تتعلق فقط بمخاطر الصراع المسلح التي تشمل الصين وروسيا ضد الغرب فحسب؛ وقد تشمل بعض النزاعات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ استراليا بشكل مباشر.
وهناك مسألة آخرى مهمة بالنسبة لأستراليا: إن إمدادات روسيا من الاسلحة المتقدمة إلى الصين تهدد بتقويض هامش التفوق التكنولوجي الذي لدينا منذ فترة طويلة وهنا يقصد استراليا. ويجب أن يؤخذ الوجود المتزايد لكل من الصين وروسيا في منطقتنا ذات الاهتمام الاستراتيجي الأساسي بجدية أكبر، خاصةً إذا بدأت كل من روسيا والصين بتنسيق أنشطتهما.
وقد حذر بريجنسكي: "من أن أخطر سيناريو يواجه أمن الولايات المتحدة سيكون ائتلافًا كبيرًا بين الصين وروسيا، وقد أصبح الآن حقيقة جيوسياسية".
