الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سلام الجيوش وسلام الغاز/ بقلم: نبيل عمرو

2020-01-05 12:40:08 PM
سلام الجيوش وسلام الغاز/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

 

خلاصة الحروب التي خاضتها الجيوش العربية مع إسرائيل منذ منتصف القرن الماضي، أدّت وبفعل متغيرات إقليمية ودولية إلى إنجاز معاهدات سلام أبرمتها دولتان عربيتان مع إسرائيل، إضافة إلى اتفاقات وتفاهمات أولية أبرمها الفلسطينيون.

صمدت اتفاقيات الدول وتعثرت اتفاقيات الفلسطينيين ثم انهارت أخيرا، المصريون والأردنيون حصلوا على كل أرضهم، ذلك بعد أن لم تعد غزة تحت الرعاية الرسمية المصرية، ولم تعد الضفة جزءا من المملكة الهاشمية، مع استثناء جزئي وهو اعتراف إسرائيل بسيادة أردنية على الأماكن المقدسة في المدينة الأصعب من كل النواحي القدس.

وفي الوقت الراهن، خرجت الجيوش من المعادلة، إذ كما قال المرحوم أنور السادات بأن حرب أكتوبر 73 هي آخر الحروب، كان يقصد مصر ومن يماثلها في الدول العربية في أمر العلاقة مع إسرائيل. كان موضوعيا في تقويمه وتقديره، فالدول العربية صاحبة الجيوش تبنت مقولته وفق نظرية لا حرب بدون مصر.

السلام المصري الأردني الإسرائيلي، الذي لم يكتمل مع باقي أطراف النزاع سوريا ولبنان والفلسطينيين، لم يمنع انجرار الأطراف الثلاثة إلى حروب جزئية أو موسمية مع إسرائيل، سوريا من خلال تحريك الجبهة اللبنانية والمناورة بها، أما الفلسطينيون فلم تتوقف حروبهم وبقدر حجمهم مع الإسرائيليين حتى بعد تورطهم في مشروع سلام غير متوازن، أدى وهو في أول الطريق إلى استحالة إنجاز حل تفاوضي بين الطرفين مع استمرار الاحتلال وتعزيز السيطرة على مقدرات الفلسطينيين إلى أمد غير معلومة نهايته.

إسرائيل التي كانت تسعى لأن تكون دولة معترف بها من بين دول الشرق الأوسط، وكان العرب يمنعون عنها ذلك؛ وجدت سبيلا إضافيا يقلل من الاعتماد على الحروب في تحقيق مصالحها الأساسية، فطورت نفوذها من خلال ترويجها لمقولة إنها دولة إيجابية وضرورية لاستقرار الشرق الأوسط وخدمت ذلك بعلاقات من تحت الطاولة ومن فوقها، ما وفر لها بعض مصداقية لزعمها بأنها نجحت في تحويل أعداء الأمس الى أصدقاء اليوم، ذلك قبل أن يدخل عامل جديد يوازي الجيوش أو يتفوق عليها في أمر تطوير العلاقات وتطبيعها، إنه الغاز، الذي بدأ ضخه للأردن هذه الأيام ولمصر قريبا فيما بعد، ثم لأوروبا عبر قبرص واليونان حيث وقعتا اتفاقا مع إسرائيل وصل حد التحالف الكامل، بما في ذلك حماية أنابيب الغاز إلى أن تصل إلى مصباتها في قلب أوروبا، وكل ذلك تحت سمع وبصر تركيا وسلطانها العثماني أردوغان.

اتفاقيات الغاز هي لمدى زمني طويل، وتضمن مكاسب وأرباحا مادية لأطرافها جميعا، أما الفلسطينيون واللبنانيون فلهم أو معهم حسبة أخرى، اللبنانيون مؤجلون في أمر الغاز إلى حين نجاح الأمريكيين في ترسيم الحدود مع إسرائيل والله وحده يعلم متى سيتم ذلك، أما الفلسطينيون الذين لهم مخزون غاز في البحر وتحت السيطرة الإسرائيلية، فإن أمرهم على هذا الصعيد مؤجل إلى أمد لا تعرف نهايته، فالإسرائيليون تفاوضوا مع الفلسطينيين حول هذا الأمر أيام شهر العسل الذي كانت فيه العلاقة بين الطرفين في أفضل حالاتها، أما الآن فلن يحصل الفلسطينيون من الغاز إلا ما يشترونه من إسرائيل وغيرها أي أنهم مجرد مستهلكين وزبائن وليسوا شركاء أصحاب حق.

بعد أن أغلق الأردنيون والمصريون ملف الغاز مع إسرائيل وتجاوزا الاعتراضات الداخلية على ذلك، فإن سلاح الغاز يقف على أهبة الاستعداد للتدخل على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، ومع أنه دخل على الجانب الفلسطيني في ثنايا تفاهمات التهدئة التي تجري محاولات إنضاجها على نار هادئة، إلا أن دخوله الحاسم سيكون إذا ما شاءت الأقدار وحدها أن يدخل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في محادثات لبلوغ حل نهائي يراد منه إغلاق كل الملفات، وإذا كان القول الدارج بأن الحاجة أم الاختراع، فإن دخول الغاز على الخط وبصورة فعالة سيجسد مقولة جديدة عنوانها الحاجة أم التنازلات.