الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الكونت "دي أوسلو" بقلم: د: سامر العاصي

2020-01-08 11:03:30 AM
الكونت
د. سامر العاصي

 

كثيرون ممن جمعوا ثرواتهم، اعتقدوا أنهم كسبوا موقعا هاما في المجتمع، إلا أنهم ومهما صرفوا من أموال؛ ظلوا لا يشعرون بداخلهم بالسكينة والأمان، ذلك لأنهم اكتشفوا، أنهم بحاجة ماسة إلى "الاعتراف الاجتماعي" بهم، وهو ما حصل قبل أكثر من مائة عام، مع رجل الأعمال الأميركي "هيرمان لولر"، الذي نجح بتأسيس شركة هندسية، درت عليه، مئات الآلاف من الدولارات، جعلته يعيش في رغد الحياة، بعد أن ذاق الأمرين في طفولته. 

واختار الرجل أن يبحث في مجتمعه، عن مكان، وصداقات تليق به، أو لنقل، تليق بحجم ثروته!، فاختار السهر في أفخم الفنادق التي يرتادها ويسهر فيها، أصحاب المجتمع المخملي والأثرياء، لعل وعسى أن يظفر  بصداقة أو بصحبة أحدهم، لتطفئ ما بداخله من نار، لا يشعر بها إلا من كان مثله. وبالفعل، نجحت الخطة، بعد أن لاحظ الكونت "فلاديمير لاستينغ"، الذي كان قد وصل الفندق في سيارته الرولز رايس، يرافقه حارس ياباني، لينزل في جناح ملكي، يليق بلقبه وبماله وبحسبه ونسبه. وكان ظاهرا للجميع أن الكونت، أثناء جلوسه في حديقة الفندق، غالبا ما تصله برقيات خارجية، تجعله مسرورا بعد قراءتها.  

وظل "لولر" يتعمد الفرصة تلو الأخرى، للاحتكاك وللتعرف "صدفة" بالكونت، حتى جاءته فرصته (التي رتبها)، عندما التقى الاثنان في مصعد الفندق، ليتعارفا، ثم ليقبل "الكونت" دعوة "لولر"، لاحتساء كأس من الويسكي "المميز والغالي الثمن". وعليه، بدأ نسيج صداقة بين الاثنين، ما لبث "لولر" أن اعترف لصديقه، الذي يتكلم اللغة الإنجليزية بلكنة ارستقراطية، بفخره واعتزازه وتمسكه بهذه الصداقة. كما أن "الكونت"، اعترف لصديقه الجديد، بأن عائلته من أصل روسي، هربت بعد استيلاء الشيوعيين هناك على السلطة، وصادروا ممتلكات العائلة، التي يعود نسبها إلى عائلة القيصر "رومانف" نفسه. وللحقيقة فإن المستر "لولر" لم يكن يحلم، يوما ما في حياته بأنه سيجالس شخصا من عائلة أرستقراطية عريقة. 

وفي إحدى جلسات العشاء، وبعد أن اطمأن "لولر"، بأنه قد دخل قلب الرجل، شرب الاثنان من الويسكي، حتى سكر الكونت، وصار يترنح يمينا ويسارا، بعد أن ثقُل لسانه، ثم سأل "لولر" صديقه السكران، السؤال الذي ظل بهاجسه ويخفيه منذ أن تعارف الاثنان، ليسأل عن مصدر ثروته الهائلة!. وعلى الفور أجاب الكونت السكران:- 

  • إنني أستطيع مضاعفة ثروتي باستخدام آلة خاصة، أحضرتها معي من روسيا، بعد أن طورها الألمان!، وعلى الفور سأل لولر:-

  • هل تقوم بتزوير النقود يا سيدي؟ وجاء رد الكونت بالنفي الشديد مصحوبا بتكشيرة من الغضب!، حتى أن السائل احمر وجهه، ندما على سؤاله، إلا أن الكونت، أكمل قائلا:-

  • أتتعهد يا صديقي بأن يكون جوابي لك سرا وإلى الأبد؟ وجاء الرد بالإيجاب فوريا، عندها بدأ الكونت يروي لصديقه 

بأن هذه الآلة، تستطيع مضاعفة أية ورقة مالية من أية عملة كانت. وأخبره بأن ثروة عائلته جاءت من هذه الآلة التي تم تهريبها بشق النفس، من روسيا إلى فنلندا ثم إلى بريطانيا حتى وصلت أميركا. وأن حارسا يابانيا خاصا يقف عليها ليل نهار، وهي تعمل حتى اللحظة بشكل رائع!. وإزاء توسلات "لولر" الحميمة وافق الكونت على اصطحابه إلى جناحه الخاص. ودخل الاثنان الغرفة الملحقة بالجناح الملكي، حيث كان الحارس الياباني واقفا بجانب تلك الآلة. وعلى الفور خرج الحارس وبقي الرجلان، عندما أدخل الكونت من طرف تلك الآلة، ورقة مالية، من فئة المائة دولار، داعيا صديقه الانتظار عدة دقائق ريثما تخرج المائة دولار الجديدة من الطرف الثاني لتلك الآلة، التي بدأت تعمل وسط ضجيج مما جعل الاثنان يخرجان إلى الغرفة المجاورة، ليكملا احتساء أغلى أنواع النبيذ والشمبانيا في العالم، حتى أن الكونت سكر حتى نام على كرسيه. وما إن هدأ صوت الآلة السحرية، حتى ركض لولر نحو الغرفة، ليجد ورقة مالية جديدة، من فئة 100 $، ملقاة على الأرض بجانب المائة دولار القديمة.! وبدأ الرجل بفحص المائة دولار، التي كانت ساخنة بعض الشيء ليتأكد بأنها غير مزورة بتاتا.

وبعد أن استفاق لولر من غفوته، بدأت الصداقة بين الرجلين تأخذ منحىَ آخر، فقد أصر الكونت، كل الإصرار أن يوقع لولر على تعهد قانوني مصحوبا بغرامة مالية ضخمة بعدم إفشاء السر لأي كان. وفهم الكونت أن الرجل سوف يخنث عهده، عاجلا أم آجلا، بعدها صار لولر يطلب شراء الآلة. وبعد مفاوضات ليست بالطويلة، وافق الكونت على بيعها لصديقه مقابل مليون دولار وهو مبلغ خيالي قبل مائة عام. وتمت الصفقة في مساء اليوم التالي.

وفي الصباح الباكر، بدأ لولر بتشغيل الآلة التي ستبيض له ذهبا، وما هي إلا سويعات قليلة حتى كان لولر يقف أمام جناح الكونت الملكي في الطابق الأخير، وهو يقرع بابه، عندما هرع الموظفون والعمال نحوه، قائلين له بأن الكونت قد غادر الفندق في وقت متأخر من ليلة أمس بعد أن سدد فاتورة حسابه التي كانت متعثرة.

ترى، هل اشترينا نحن قبل 27 عاما، اتفاقا لن يلد لنا دولة، بعاصمة كما حلمنا بها؟ أم أن التعهد كان كذبا، كي نشتري ذاك الاتفاق؟