الحدث - أية مطور
"أعمل ساعات طويلة ومرهقة في اليوم، فالتعامل مع الناس ومساعدتهم في اختيار الملابس المناسبة لهم ليس بالأمر البسيط، إضافة إلى طريقة تعاملهم السيئة وعملي في أيام الإجازات الرسمية كيوم الجمعة ليس بالأمر البسيط خاصة أني طالبة جامعة وكل هذا مقابل أقل من نصف الحد الأدنى للأجور الذي ينص عليه القانون" بهذه الكلمات وصفت الطالبة ن.ح التي تدرس في جامعة بيرزيت تجربتها في العمل التي بدأت فيها خلال فترة دراستها الثانوية.
يعتبر كثيرون أن عمالة الفتيات ما هي إلا استغلال لحاجة الفتيات للعمل واستغلالهن كسلعة لكسب الزبائن في مقابل تقديم أجور بخسة لهن مقابل ساعات من العمل الطويل والمرهق مع عدم مراعاة ظروفهن، خاصة في المتاجر والمطاعم. وعن ذلك تقول الطالبة س.ت التي تعمل في أحد المتاجر بمدينة رام الله: "أتلقى معاملة سيئة من صاحب العمل، وعندما أحتج على شيء ما، كعدم رغبتي في تنظيف المحل أو طلب زيادة في الأجر كان الجواب جاهزًاً: هذا الموجود. مش عاجبك شوفي محل ثاني".
التحرش في العمل وهو الأسوأ، لأنه يهدد الفتاة في لقمة عيشها ويمارس عادةً من مدير لها أو شخص صاحب نفوذ في مكان عملها مما يضعف قدرتها على التصدي لمثل هذا الانتهاك، فهن يواجهن في الغالب التحرش بالألفاظ. وتختلف طريقة الفتيات في التعامل مع هذا النوع من الانتهاكات؛ فمنهن من يحاول الاعتراض دون فائدة، وأخريات يتركن العمل نهائياً ليبحثن عن عمل آخر، تقول ن.ح: "التحرش الذي تعرضت له عندما كنت أعمل في محل ملابس كان عمري حينها 16 عاماً، كان من أحد العاملين معي وكان عن طريق اللمس وعندما توجهت لمديري لم يصدقني وحينها اضطررت لترك العمل والبحث عن عمل آخر".
وعلى الصعيد ذاته، عبرت س.ت التي تتعرض للتحرش بالنظرات والألفاظ من قبل الزبائن: "أكثر من مرة يأتي زبون ويقول لي: لبسك جميل عدا عن الألفاظ السيئة". لكنها لا تستطيع التخلي عن هذا العمل لحاجتها لتسديد أقساطها الجامعية ومصاريفها الخاصة.
كما وتضطر الفتيات للعمل لأوقات متأخرة من الليل في بعض الأحيان، وهذا يتعارض مع المجتمع الذي يعشن فيه، ونظرته للفتاة التي تعود متأخرة من عملها. وتروي أ.خ، وهي فتاة في العشرين من عمرها، "في أحد الأيام غادرت عملي في وقت متأخر وكانت الظروف تتطلب أن أبقى أعمل لهذا الوقتُ، وسمعت عائلة كانت تجلس في المطعم تسيء لي ولأهلي بالقول: كيف يسمح لها أهلها بالبقاء حتى الساعة 12 ليلا في العمل؟".
وتضيف: "نظرة المجتمع تجاهنا سيئة خاصة عندما أضطر أن أذهب إلى منزلي من خلال المواصلات وفي وقت متأخر، إذ ينظر المجتمع للفتاة التي تعود متأخرة على أنها منحلّة، وتبدأ الشكوك والشبهات والاتهامات تصوّب نحوها، مع علم الجميع أنها تعمل، إلا أن التخلّف والجهل يعمي العيون".
من جهتها، أكدت الدكتورة في معهد دراسات المرأة بجامعة بيرزيت نداء عواد، أن عمالة الفتيات الجامعيات ظاهرة جديدة وهي جزء من مشاركتها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وأدائها لدورها المجتمعي الذي لا يقل أهمية عن الرجل، لذلك لا بُد من توفير حماية لحقوقهم كعاملات: "أصبح المجتمع يتقبل هذه الظاهرة لذلك يجب سن قانون عمل أو من خلال النقابات العمالية من أجل دعم ومساندة لحقوقهم كعاملات". وأضافت: "نظرة المجتمع لهن تحتاج إلى وقت، لكن التوعية تلعب دوراً من خلال تقديم نماذج لنساء ناجحات ولاحقاً المجتمع سيفهم أن هؤلاء البنات لم يكنّ يمارسن شيئا خاطئا".
بينما تقول الناشطة النسوية وعضو المجلس الوطني ريما نزال: "هناك ضرورة إقامة حراك وتجمع من قبل الفتيات للضغط على فرض قانون عمل خاص بهن يحميهن ويضمن حقوقهن". ويجب أن تتوفر لهن الحماية والحماية لا تتم إلا من خلال نص قانوني وبإشراف من وزارة العمل التي يكون لها دور كبير في مراقبة أماكن العمل وحماية الطالبات. وأضافت أن هؤلاء الفتيات العمل بالنسبة لهن هو عبارة عن فترة مؤقتة وبالتالي يتم السكوت عن كل ما يتعرضن له.
في المقابل ترى أن هناك دورا كبيرا للنقابات في توفير الدعم للفتيات الجامعيات من خلال التوعية بطريقة غير مباشرة من خلال بروشورات حول حقوقهن واستغلالهن والمؤسسات التي يمكن أن يلجأن لها في حال تعرضهن لمواقف صعبة يجب أن تتوفر الحماية لهم.
وغياب الرقابة القانونية جعل المشغّلين يعملون على انتهاك حقوق العاملات بسهولة، عن طريق استغلال عدم توفر فرص عمل لهن من ناحية، وعدم طرح الموضوع في سلّم أولويات المجتمع عن طريق السلطات المحلية وأقسام الرفاه الاجتماعي والقيادات المحلية من ناحية أخرى.
لكن عندما نعمل على توفير هذه الرقابة في أماكن عمل النساء، ستتغيّر معادلة العرض والطلب في سوق العمل، عندها يضطر المشغلون لمنح النساء العاملات حقوقهن وعدم الاحتكار الاقتصادي، بالإضافة إلى تطبيق قوانين العمل ومراقبتها كما يجب.
ولانخراط النساء في سوق العمل فوائد عديدة، خاصة على صعيد الأجور، فازدياد دخل الأسرة يتناسب طردًا مع استهلاكها، إذ تسمح الأسرة لنفسها بزيادة النفقات والعيش برفاهية معينة، والمستفيد الأول من زيادة النفقات هم المشغلون، إذ تزداد الحاجة للإنتاج وبالتالي يزداد دخلهم، وكذلك تزداد الحاجة للمزيد من العاملين والعاملات، الأمر الذي يوفر فرص عمل جديدة تسمح بزيادة دخل أسرة أخرى.
مشاركة الفتاة فى العمل لم يأت من نجاح سياسات النوع الاجتماعي أو بسبب المساواة والعدالة الاجتماعية، وإنما جاء بسبب الأزمة الاقتصادية المتزايدة ،والظروف التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، ما دفعت الفتيات إلى سوق العمل، فى ظروف غير مواتية، تمثلت فى سياسات اقتصادية غير عادلة، وكانت النتيجة نساء يتعرضن في كل يوم لأبشع أنواع الاستغلال، فالمرأة في فلسطين تتعرض لانتهاك واضح ومنظم في المجتمع الفلسطيني في ظل غياب المساواة والقوانين المنظمة للعمل وانعدام فرص العمل والهدر الواضح للطاقات الشابة.